بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم ها نحن ذا نجدد اللقاء بكم في هذا اللقاء الذي يشيع في أنفسنا الفرح والسرور ويحملنا على أن نقدم لكم كل ماهو مفيد وممتع من حكايا الشعوب وأساطيرها، لنجمع لكم بين الفائدة والمتعة والتعرف على ما جادت به مخيلة الأمم والشعوب بشأن ما يحيط بها من ظواهر ومظاهر في الكون والحياة. تدعوكم أيها الأخوة والأخوات الى ما أعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع من الحكايا والخفايا آملين أن تمضوا معنا أوقاتاً عامرة بكل ماينفع العقول والأذهان ويمتع الأرواح والنفوس.
مستمعينا الأكارم حكايتنا لهذا الأسبوع إخترناها لكم من اليابان التي تمثل دون شك إحدى روائع جزر المحيط الهندي، هذه الأرض الحافلة بالمناظر الطبيعية الساحرة الخلابة من شمالها الى جنوبها وبالحدائق والهضبات الخضراء وفوهات البراكين في نفس الوقت والتي يقطنها شعب من أكثر شعوب الأرض عراقة بثقافته وتمسكه بعاداته وتقاليده، هذا التمسك المقرون بنزعة جامحة لاتنتهي نحو التطور وإقتحام ميادين التطور العلمي والتكنولوجي مما جعل من بلده أهم البلدان الصناعية في العالم.
ومع ذلك مستمعينا الأفاضل فإن شواطئ اليابان المعانقة دوماً للمحيط بأسراره وغموضه لطالما عانت وتعاني من ثورات الزلازل وثورات البراكين والسيول العارمة المنطلقة من أعماق المحيط حيث شهد تاريخها الدمار العديد من شواطئها كما تروي لنا ذلك الحكاية التي إخترناها لكم إخوتنا المستمعين أخواتنا المستمعات. إنها حكاية الناطور العجوز غاوارديان التي سنتعرف على تفاصيلها معاً بعد الفاصل.
مستمعينا الأحبة أية سعادة نشعر بها عندما ننظر من أعلى الى السفن والى البحر الذي يبدو لنا وكأنه مرآة ومع ذلك فأن الفتى الصغير ين شعر بتلك السعادة وهو على قمة الجبل يتأمل السهول والهضبات المنبسطة والمنتهية الى شاطئ البحر. كان ين الصغير يتيماً بلا والدين لهذا ذهب مع جده ليعيش في ذلك الكوخ الصغير في الجبل وسط حقول الأرز البراقة كالذهب وهناك كان يتمتع بالهواء النقي وبالشمس وبالحرية مثل الطيور فهناك يمكنه الركض واللعب بسعادة قائلاً: حقاً يالروعة العيش في هذا الريف الهادئ حيث يعم السلام!
كانت القرية الصغيرة تقبع في أسفل الجبل وتمتد على طول الشاطئ قبالة البحر المتوهج من السماء والصغير ين كان يرى الأشياء في غاية الصغر كأن بعضها نمل كبير والآخر نمل صغير، الشيء الكبير الذي كان يمتد بين الجبل والبحر كان حزاماً من التراب حيث أقام الناس عليه أكواخهم وبيوتهم بينما كانت الحقول المزروعة تمتد على طول سفوح الجبل حيث كان يعيش الصغير ين في كنف جده أمام مساحات حقول الأرز التي كان يعشقها. كان ين جاهزاً على الدوام للمساعدة في العمل فيفتح السواقي للري ولايوجد احد مثله متحمساً في تقديم الحبوب للعصافير أثناء الحصاد، كان يشعر بالسعادة لأن جده كان يحبه كثيراً فذلك العجوز القوي والرصين كان أفضل الرجال وهما يعيشان في الكوخ الصغير اللطيف والنظيف. فكان ين على يقين أن الأطفال الآخرين كانوا يحسدونه على ذلك.
ها نحن معكم مستمعينا الأفاضل من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبرنامج حكايا وخفايا. أيها الأفاضل في يوم من أيام السنابل الصفراء التي كانت تضيء كسبائك الذهب تحت أشعة الشمس نظر العجوز الى البعيد، الى أفق البحر بنظرات ثابتة لكنها كانت مترقبة إمتلأت بتوقع المحذور والمفاجئات، كانت هنالك غيوم ضخمة سوداء ترتفع في الأفق وتلبد السماء بلون قاتم يثير شيئاً من الكآبة في النفوس كما لو أن الحياة تمردت على إرادة السماء. تابع العجوز نظراته الثابتة وفجأة عاد الى البيت وهو يصرخ: ين ين أحضر غصناً مشتعلاً بالنار !!
لم يفهم الصغير ين مراد جده إلا أنه اطاعه في الحال وخرج يركض وفي يده الغصن المشتعل. كان العجوز قد أخذ عصناً آخر ثم خرج بإتجاه حقول الأرز الأقرب منه يتبعه ين مذعوراً وهو يحدث نفسه: هل هذا معقول؟
وسرعان ما صعق ين عندما رأى جده يلقي بالغصن المشتعل على حقول الرز فصرخ قائلاً: ما هذا الذي تفعله ياجدي؟
ردّ العجوز متلهفاً: هيا بسرعة، بسرعة يا ين، عجل وإقذف بالنار على الحقول !!
بقي ين متسمراً في مكانه ظن أن جده قد فقد صوابه بعد أن تلطخ كل جسمه بالوحل وتذكر ين أن الطفل الياباني يطيع دائماً فقذف بالشعلة بين الوحل والطين. في البداية كان هناك وميض بطيء ما لبث أن تراجع فإتسعت رقعة النار بألسنتها الحمراء وتحولت حقول الرز الى محرقة حقيقية حتى بدا الجبل وكأنها يتمدد نحو السماء بأعمدة من الدخان.
مستمعينا الأكارم ومن الأسفل كان سكان القرية يشاهدون حقولهم وهي تحترق فبدأوا يطلقون صرخات الغضب وركضوا مرتاعين يتسلقون الدروب المتعرجة للجبل حتى خارت قواهم ولم يبق أحد في الخلف، حتى النساء تسلقن الجبل وهن يضعن أطفالهن على ظهورهن، وعندما وصلوا ورأوا حقول الرز وقد تحولت الى اكوام من الرماد أحسوا بالمهانة وبدأوا يصرخون بغضب شديد: من كان ذلك المجنون الذي أضرم النار؟
تقدم الناطور العجوز نحو الرجال وبصوت رصين قال: أنا!!
وهنا اجهش ين بالبكاء وأحاطت بهم مجموعة تسيطر عليهم حالة الهيجان وهم يصرخون: لماذا فعلت ذلك؟ لماذا؟
عاد العجوز الى حالة الصرامة وأشار بيده الى الأفق وقال لهم: أنظروا الى هناك فقبل ساعات كان سطح البحر مستوياً كمرآة ولكنها الآن بدأ يتغير لترتفع الأمواج كجدار من الأشباح المرعبة بإتجاه السماء، كانت موجة غامقة وعاتية تتقدم من التخوم كأنها تتهدد وتتوعد. وسادت لحظات الرعب والقلوب تخفق بقوة ولم تبق صرخة في الحلوق فلقد تقدم سور الماء الى التربة بهدير صاخب إجتاز الشاطئ بهدير غاضب ليغزو كل شيء ويخرب كل شيء وما لبث البحر أن بدأ يتراجع بهدير أخرس وبدت الأرض معصوفة فالقرى الصغيرة إختفت بشكل مأساوي وبائس بسبب تلك الموجة الجبارة.
نظر العجوز وهو ممتلأ بالسعادة الى جميع السكان الذين كانوا يقفون في قمة الجبل بعد أن أنقذهم بعمله من طغيان البحر وامواجه المدمرة.
هكذا تنتهي حكايتنا لهذا الأسبوع مستمعينا الأفاضل، هذه الحكاية المعبرة عن المستوى الذي يمكن أن يبلغه بعض البشر من التضحية في سبيل الآخرين والتصرف بحكمة من شأنها أن تنقذ أرواح الآلاف من النفوس من غضب الطبيعة كما فعل بطل هذه الحكاية. حتى نلتقيكم عند حكاية اخرى وخفايا جديدة ضمن برنامح حكايا وخفايا الذي يقدم لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نتمنى لكم أطيب الأوقات شاكرين لكم طيب المتابعة، الى اللقاء.