بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل المراحب بكم في جولة جديدة سنقوم بها في حلقة هذا الأسبوع من الحكايا والخفايا في عالم الأساطير والحكايات التي خلدها التاريخ لتتحول الى تراث يحكي لنا مسيرة الانسان منذ فجر وجوده وهو يتعامل مع الكون والحياة وظواهرهما التي يعجز أحياناً عن تفسيرها فيلجأ الى ميخلته ليروي لنا تصوراته وإنطباعاته عنها.
أعزائي من بين الأساطير التي تستوقفنا ونحن نطالع التاريخ الحضاري العريق لشعوب أمريكا الشمالية والحافل بالقصص والحكايات المشوقة والمعبرة في ذات الوقت، أسطورة حاول من خلالها السكان الأصليون من القارة الأمريكية تفسير كيفية توصل الانسان الى إكتشاف النار وتسخيرها لخدمته حيث تروي لنا هذه الأسطورة الشبيهة الى حد كبير بأسطورة سيزيف او سارق النار اليونانية والتي ربما سبقتها في الظهور، كيف استطاع الانسان برفقة الحيوان ومساعدته الحصول على وسيلة تقيه البرد القارص وتخدمه في الكثير من الأغراض الأخرى متمثلة في النار التي لعلها تعد من أكبر الاكتشافات التي توصل اليها البشر طيلة تاريخهم. فلنتابع معاً إخوتنا وأخواتنا تفاصيل هذه الأسطورة بعد الفاصل.
مستمعينا الأحبة هذا ما يحكيه أصحاب السحنة الحمراء والذي حدث منذ سنين غابرة ففي تلك الأيام البعيدة حيث كان الناس فيها يفهمون لغة الحيوانات والتي كان فيها كلب الصحاري الذئب الأمريكي الخبيث المحتال الرمادي اللون، كان صديقاً طيباً للهنود وقد أسموه كيوتي. في قبيلة هندية كان يعيش فتى له ساقان قويتان مطواعان ويتميز بنظرات ثابتة وثاقبة. كان الفتى يعيش وسط القبيلة لكنه كان يكثر القفز بين الغابات ويصعد الى قمم الجبال وكان يخوض في الأنهر لايفارقه صديقه حيوان الكيوتي، رفيقه في الصيد وحتى في المنام. وكثيراً ما كان يقف لينظر الرجال يحشرون الأسماك بين شقوق صخور النهر وكيف كانت النساء يقتلعن جذوراً طازجة ويحفرن الأرض بأحجار مسننة، كان ذلك في أيام الربيع الدافئة والطويلة ولكن عند الشتاء كان الناس يتراكضون بين الثلوج يهربون من البرد وكأنه عدوهم فكانوا يغرقون يائسين في اعماق الكهوف المظلمة. كان الفتى ينظر بوجه قاسي وهو يفكر بحسرات شعبه البائس الذي لم يكن له حول تحت السماء المثلجة، وهنا إلتفت الى حيوان الكيوتي قائلاً: أنت لاتحس بسكاكين البرد لأنك سمين ولك جلد كثيف الشعر أما هم فهم يرتجفون ويموتون.
قل لي ياصاحبي وأنت الذي تقود خطواتي في الصيد، قل لي ماذا عليّ أن أفعل تجاه شعبي كي لايعاني أكثر؟
أجاب الكيوتي بعد إكتراث: لاشيء.
وعندما حلّ الليل لم ينم الذئب الى جانب صاحبه ولم يعد الى جانبه إلا بعد إنقضاء عدة أيام بلياليها الطويلة، عندئذ قال الكيوتي: أنا أعرف ماذا عليك أن تفعل لكنه صعب جداً وأكثر الصعوبة من أكثر شيء كنت قد فعلته ولن تقدر على فعله أبداً.
فأجابه الفتى: قل لي ماهو؟ فأنا قادر على فعل كل شيء مالم يكن مستحيلاً.
قال الكيوتي وهو يتأمل الأفق: إذهب الى جبل النار لتسرق قبسات من ذلك الوهج وتحضره الى شعبك.
سأل الفتى في تعجب: وماهي النار؟ وماهو الوهج؟
أجاب الكيوتي هو غارق في التأمل: النار مثل وردة حمراء لكنها ليست وردة، إنها ترقد بين الأعشاب وتقضي عليها كما لو كانت دابة، لكنها ليست دابة مع أنها قوية ومريعة لكنها تتمدد على سرير بين الحجارة وتقدم الأشجار أغصانها لها لتأكل، إنها أكل طيب يداعب النسمات والأشياء بألسن كبيرة وبراقة وساخنة واذا أمكنك إحضارها فإن شعبك سينعم بالدفء ويخبئونه كما لو أنك تخبئ قطعة من الشمس.
قال الفتى الهندي بإصرار: نعم سأحضر تلك النار ولكن أرجو منك أن تساعدني.
أعزائي الأفاضل نحييكم من جديد أهلاً وسهلاً بكم، مازلتم تتابعون برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. اتجه الفتى نحو شيوخ القبيلة ليطلب مئة رجل لهم أفخاذ قوية وعضلات وسيقان خفيفة الحركة وما لبثوا أن إصطف جميعهم في طابور يوجههم ذئب الكيوتي نحو جبل النار، ومع إنتهاء اليوم الأول تركوا في الطريق الرجل الأكثر ضعفاً في الجري بينهم إذ كان عليه أن يرتاح هناك وينتظر ومع إنتهاء اليوم الثاني من الركض أبقوا رجلاً آخر ليرتاح وينتظر وهكذا بدأوا يتناقصون واحداً تلو الآخر مع إنتهاء كل يوم من الأيام المئة للمسيرة أما الشاب صاحب الساقين القويتين والمطواعين الذي كان برفقة الكيوتي فلقد بقي هو ورفيقه وحدهما الى المرحلة الأخيرة من المسير فعبرا السهول وواجها الجبال وفي النهاية وصلا سوية الى النهر الكبير الذي يجري فوق رمال جميلة عند سفح جبل النار.
كان الجبل يصل حتى الغيوم وكان في قمته شيء يشبه قبعة كبيرة من الدخان الكثيف، وفي الليل كانت أرواح النار تتراكض وترقص في الجنبات على هيئة جذوات كبيرة بينما كان النهر الكبير يلمع كما لو أن مياهه قد إشتعلت.
قال الكيوتي للفتى: إنتظرني هنا، سأذهب لأحضر لك قبساً من وهج الجبل. إنتظرني وكن مستعداً ويقظاً لأني سأصل منهكاً وعليك أن تتابع الجري إذ أن أرواح النار سوف تلاحقك. بدأ الكيوتي يصعد الجبل ويختبأ خلف الأحجار لكن أرواح النار إكتشفته وعندما رأوه نحيفاً ومتسخاً سخروا من رائحته التي كانت تبدو غير عدوانيه ولكن عند حلول الليل وعندما بدأت الأرواح بألعابها ورقصاتها في ألسنة اللهب الكبيرة تمكن الكيوتي من أخذ لسان كبير وطويل وهرب به هابطاً الجبل بسرعة. وبطريق مستقيم كانت ألسنة اللهب تركض خلفه، تصدر زئيراً كأنه زئير لبوة تحترق.
نعم أحبتي الأفاضل رأى الشاب صديقه الكيوتي يهبط في الليل مثل نجمة تهرب من السماء، كانت أرواح النار تتبعه كأنها نهر من الوهج. وراح يتسائل: هل تقترب القبسة المشتعلة وهل ستصل؟
وقع الحيوان الشجاع أرضاً وهو يكاد يختنق وقواه تخور فأخذ الشاب تلك القبسة المشتعلة وبدأ بالركض والركض وأرواح النار في الجذوات تركض خلفه والفتى يتابع الركض ويمضي مثل سهم كي يصل الى الرجل الأول الذي تركوه يستريح وينتظر ويده ممدودة ليستقبل الجذوة ويبدأ بالركض بها سريعاً كسهم إنطلق من قوس.
وهكذا إستمرت الجذوة من يد الى يد دون توقف وأرواح النار تركض خلف الشعلة المسروقة الى جبال الثلج التي لايقوى الناس فيها على البرد. إستمرت النار في الهواء تنتقل من يد الى يد بين الراكضين فكانت صفراء جميلة في النهار وفي الليل حمراء رائعة. وصلت الشعلة الى الرجل الأخير ومنه الى القبيلة وهناك صنع لها الرجال سريراً من الأحجار وسط المغارة وبدأوا يطعمونها بحب ويقدمون لها الأغصان اليابسة. ومنذ ذلك الوقت إبتهج الناس بحب تلك الشعلة عدوة البرد والفتى الهندي النبيل أصبح معروفاً من قبل الجميع بأنه الشجاع الذي إكتشف النار.
أحبتي وبهذا نصل بكم الى ختام تطوافنا لهذا الأسبوع في آفاق الحكايا والأساطير على أمل أن نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل ونحن محملون بحصاد آخر من الحكايات والقصص. كنتم مع برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، نتمنى لكم أطيب الأوقات شاكرين لكم طيب المتابعة، الى اللقاء.