بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نحييكم أطيب تحية وأهلاً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يسعدنا أيها الأفاضل أن نجدد اللقاء بكم عند محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا حيث نتوقف كعادتنا عند حكايا اخرى من حكايات الشعوب محاولين معرفة أسرارها وخفاياها بهدف إستلهام العبر والدروس أولاً ثم الترويح عن النفس ثانياً من خلال احداثها التي تكون عادة شيقة وممتعة، ندعوكم أخوتنا وأخواتنا الى متابعة القسم الأول من الحكاية التي إخترناها لكم لهذا الأسبوع من بلاد الهند والتي تحمل عنوان رامايانا.
مستمعينا الكرام تعد ملحمة رامايانا من أروع وأقدم الملاحم الهندية نظراً لأنها تكشف عن مضمون عقلية الشعوب التي خلقت وخلدت هذه الأساطير فهي ليست مجرد عمل ادبي بل أنها تروي دون قصد غالباً الأسس الحقيقية التي نشأت عليها الهند وتصور أصولها وتسجل تاريخها القديم بل تعرض شرحاً لذكريات الجنس البشري في فجر التاريخ كما أنها تحوي مغزاً دينياً عميقاً فالناس يعبدون راما وغيره على أنهم آلهة او شخصيات أسطورية تحولت الى شخصيات درامية، وراما هي الكلمة التي يتمنى الهنود أن تنطق بها شفاههم في لحظات الموت أما الأطفال فيطلق عليهم أسماء سيتا ولاكسمن وبهاراتا وكذا أسماء بعض شخصيات الملحمة بأمل أن يشب هؤلاء الأطفال على الفضائل التي يتحلى بها أصحاب هذه الأسماء.
أما من الناحية السياسية فيعتبر راما مثالاً للملك العادل الذي ينبغي إتباع سياسته في الحكم لنشر الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار في الدولة. تدور احداث الرامايانا في مملكة كوسالا القديمة شمالي شرقي الهند حيث كانت تزدهر حضارة عريقة منذ آلاف السنين وهي تصف الأهوال والمخاطر التي عاشها راما بعد نفيه من موطنه والحرب التي خاضها من اجل إستعادة زوجته سيكا التي إختتطفها الشيطان رافانا كما سنتابع في تفاصيل هذه الأسطورة التي سنستعرضها لكم أيها الأحبة بعد قليل.
مستمعينا الكرام كان الجميع سعداء إلا الملك فبرغم العصر الذهبي الذي كان يعيشه كل الشعب إلا أن شيئاً واحداً كان ينغص على الملك الحياة فقد أبت الآلهة أن تنعم عليه بولد يتولى من بعده عرش البلاد ولقد كان سكان مدينة أريوذيا يعرفون تلك الحسرة التي تأخذ بقلب الملك داشاراذا سيد بلاد كوسالا إلا أنهم ماكانوا يملكون شيئاً سوى إلا أن يرفعوا أيديهم بالدعاء وهم يقدمون القرابين ويدعون براهما أن يمنح ملكهم الطيب ولياً للعهد ولعل الرب قد إستجاب لدعوة الصالحين من القوم ففي ذات يوم بينما كان الملك مجتمعاً بكهنته يقدمون القرابين اذا سمع صوتاً مدوياً بهتف مخاطباً الملك "خذ هذا الرز المقدس واللبن ووزعهما على زوجاتك فقد أرسلني البراهما لأبشرك براما الذي سيكون له ثلاثة أخوة آخرين من كل زوجة". حمل الملك اللبن والأرز الى زوجاته وقسمهما عليهم ولم امض أيام حتى أنجبت كوشالا زوجة الملك الأولى ولداً سماه راما ثم تبعتها كايكي بولد سماه باراتا أما الثالثة فقد أنجبت ولدين هما لاكشمان وساتروجنة.
عاش الأخوة الأربعة في كنف الملك حتى شبوا ومع مرور السنين كان راما قد إتخذ من اخيه لاكشمان صديقاً وتابعاً ورفيقاً، وكان ساتروجنة قد جعل أيضاً من نفسه حارساً لأخيه باراتا. كبر راما حتى بلغ السادسة عشرة وبدأ الملك يمنحه من قلبه كل شيء ويدربه على أن يكون ملكاً من بعده على كوسالا ومن اجل أن يأمن على ولده حينما يتولى العرش من عداوات جيرانه فقد فكر بتزويجه من سيتا كبرى بنات جاناك ملك نيتالا، والحق أن سيتا كانت أجمل فتيات ذلك العصر إلا أنها لم تكن في الحقيقة إبنة الملك فقد كان ذات يوم يحرث بستان قصره واذا بالأرض تنشق من تحت المحراث لتخرج طفلة صغيرة يشع من تحتها النور كانت هي نفسها سيتا التي اعتبرها الملك هدية من الرب فتعهدها في قصره حتى شبت وعندما حان أوان زواجها قرر جاناك أن لايزوجها إلا لمن يستطيع أن يثني القوس المقدس الذي أهداه الرب لأجداده الأقدمين.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نعم أيها الأحبة قرر راما ان يشترك في المباراة وإنطلق الى ميثالا حينما كان الملك يستعد لعيد التضحية وكان الشعب كله يحيي الملك حين دخل راما الساحة وأعلن عزمه على خطبة سيتا إبنة الملك وتحولت اليه الأنظار كلها، كان صدره بارزاً كليث وجسده فارعاً كفيل وعيناه مهيبتان كنسر. أمر الملك بالقوس فأحضر بعربة ذات ثماني عجلات، مد راما يده فأخرج القوس من كيسه وبدأ يثنيه وإستعلى الجميع فما كان أسهل من حنى القوس في يد راما الذي ظل يثنيه حتى تلامس طرفاه ثم تحطم في صوت كالرعد وهزة كالزلزال وأقيمت الأفراح وأرسل الجاناك الى جاره الملك داشاراذا يدعوه الى حفل الزواج، فجاء ومعه أبناءه الباقون وعندما عادوا الى آيوذيا كان مع كل منهم عروس اخرى رائعة من بنات ميثالا الجميلات.
نعم مستمعينا الأفاضل ظلت السعادة تغمر كل مكان من أرض كوسالا حتى دخلها الشر على يد كايكي الزوجة الثانية للملك، ففي ذات يوم أعلن الملك أنه يدعو الشعب لحضور حفل تنصيب ولي عهده وملأت الأفراح كل آيوذيا التي إمتلأت قلوب كل سكانها بحب راما وزوجته الأميرة سيتا إلا أن قلباً واحداً كان يتفجر غماً وحسداً وهو قلب الملكة كايكي فقد أحزنها أن يكون العرش لإبن ضرتها دون ولدها براتا الحبيب ولعل تلك الغيرة التي ملئت قلب كايكي لم تكن لتستطيع أن تفعل شيئاً لولا خادمتها العجوز منتارا فقد أشعلت العجوز في قلب مولاتها كل نيران الحقد والجسد وراحت تحرضها على راما ليكون العرش خالصاً لولدها باراتا. فبكت كايكي غيضاً ويأساً فكانت لاتملك أن تمنع زوجها الملك من إعلان ولاية العهد لأي ولد غير أن منتارا إبتسمت في خبث وهي تقول: إن بإمكانك يامولاتي أن ترغمي الملك على إيلاء العهد لولدك وإرسال أبن ضرتك الى اعماق غابة الشياطين فلا ينافسه على العرش أبداً ومن بين شفتيها المملوئتين بحمى الحقد راحت منتارا تذكر سيدتها بذلك اليوم الذي أصيب الملك بجراح خطيرة خلال احدى معاركه مع شياطين الجن. ففي ذلك اليوم كانت كايكي تعيش في ذلك المكان وتصادف مرورها من نفس الطريق الذي سقط فيه الملك غارقاً في لجة من الدم وعندما شهدته يقترب من الموت جاهدت حتى استطاعت حمله بعيداً عن الميدان وبذلت كل ما تملك حتى عاد الوعي اليه وأخذت تداوي الجراح حتى أنقذته من موت محتم. وعندما شفي الملك تزوجها وأقسم أن يحقق لها أي أمنيتين تطلبهما منه في أي وقت تريد وقد مضت السنون والشهور ولم تكن الملكة قد طلبت من زوجها شيئاً بعد.
إخوتنا المستمعين الأكارم واصلت العجوز منتارا كلامها في خبث وقال: لقد حان الوقت يامولاتي لكي تطلبي من الملك أمنيتيك، إطلبي منه أن يتخلى عن العرش لولدك باراتا وأن ينفي راما الى غابة الشياطين أربعة عشر عاماً وخلال تلك السنوات يكون باراتا قد استطاع أن يجتذب لنفسه حب الشعب دون أن يخشى منافسة أخيه. إنطلقت كايكي الى الملك تذكره بوعده وأقسم لها أنه لم يحنث فيه وانه سيحقق لها في الحال كل ما تطلبه مهما يكون، وهنا ألقت الملكة بالمفاجأة على رأس الملك الذي وقف مشدوهاً لأنه لم يكن يخطر بباله أن تجرأ زوجته على مثل هذا الطلب. غير أن الملك لم يجد بداً من الوفاء بوعده وبقلب حطمته الأحزان أحنى رأسه معلناً موافقته وكانت هذه المرة الأولى الذي يحنى فيها الملك داشاراذا رأسه ولقد إضطر الى إحناءه مرة اخرى أمام راما الذي وقف من حوله كل رجال البلاط في إنتظار أن يبارك له أبوه ويعلن له ولاية العهد فإذا به يفاجئ بصوت الملك يخرج كسيراً محطماً وهو يولي براتا العرش ويأمر بنفي راما أربعة عشر عاماً الى غابة الشياطين.
هتف الفتى في حيرة: ولكن ما الذي صنعته يا أبتاه؟
أشار الملك الى كايكي وكأنه يشير الى الشيطان وراح يقص على الجميع قصة الأمنيتين الخبيثتين والوعد الذي لم يكن بمقدوره أن يحنث فيه. وإندفع باراتا نحو اخيه راما وأمسك بيده وهو يقسم أنه لايمكن أن يمس عرشاً من حق أخيه وحده، غير أن راما هزّ رأسه وهو يقول: أبداً أيها الأخ الكريم لقد إنتقل التاج اليك ولابد من تنفيذ الوعد الذي تعهد به أبي، ستجلس أنت على العرش وأما أنا سأنطلق وحدي من فوري الى غابة ونداك ولاأعود إلا أن تنقضي الأعوام الأربعة عشر. وإندفعت سيتا الى زوجها وتوسلت اليه ليأخذها معه لتشاركه الحياة هناك وكذلك فعل لاكشمان وحاول راما أن يثني زوجته وأخاه عما أصرا عليه غير أنهما ظلا يصران ويتوسلان ولم يكن أمامه إلا أن يذعن لرغبتيهما فإنطلق الثلاثة في الطريق الى وانداك غابة الشياطين.
أعزائي الأفاضل إنتظرونا حتى حلقة الأسبوع المقبل عند القسم الثاني من أسطورة رامايانا التي إستمعتم اليها عبر برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى ذلك الحين نستودعكم الله ودمتم في أمانه وحفظه، الى اللقاء.