بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم ونحن نجدد اللقاء بكم أعزاءنا المستمعين في حلقة اخرى من برنامجكم حكايا وخفايا حيث عالم القصص والحكايا والأساطير الحافل بالخفايا والأسرار والغموض المحبب الى النفوس. والى خلاصة ما اودعه البشر طيلة التاريخ من تجارب ورؤى وأفكار وإنطباعات في قصصهم وحكاياهم حول الكون والانسان. اذن ندعوكم الى مرافقتنا عند حكايتنا لهذا الأسبوع.
مستمعينا الكرام الأسطورة التي وقع عليها إختيارنا في هذا الأسبوع هي من بين الأساطير التي تنتمي الى مجموعة الحكايات والأساطير المنسوجة حول قصص الحب العفيف الذي يبرز فيه الاخلاص والوفاء كأهم عنصرمن العناصر التي يقوم عليها وهذه الأسطورة هي في الأصل من الأساطير الفارسية القديمة كما يظهر ذلك من أسماء أبطالها وطبيعة الأحداث التي تتخللها ويتصور لنا مدى الوفاء الذي يبلغه المحبون والذي يؤدي في غالب الأحيان الى نهاية سعيدة بسبب صفاء القلوب والاخلاص الذي يسكنها فلنستمع معاً أيها الأعزاء الى تفاصيل هذه الحكاية الأسطورية الشيقة والممتعة والمفعمة بالدروس والعبر في ذات الوقت.
مستمعينا الأفاضل تروي لنا الأسطورة أن أحد الملوك وكان يدعى رضوان شاه كان يقف ذات يوم مرسلاً بصره بذهول نحو القصر الذي نهض امامه شاهقاً عملاقاً يتلألأ من جوانبه النور وتنبعث من نوافذه أنغام موسيقى سجية رائعة
كألحان السماء ولم يكن الذهول الذي إستولى على الملك من عجب لمرئى القصر ولكن الذي أثار ذهوله هو أنه لم يكن شيء من ذلك القصر قبل بضع ساعات حينما إستلقى الى جانب النبع في إنتظار خروج الضبي التي ألقت بنفسها في الماء حين تبعها بجواده وظل يتربص بها أن تخرج وهي تأبى أن تغادر الماء ختى أخذته سنة من النوم إستسلم لها. ثم لم يكد ينتبه منها حتى وجد ذلك القصر العجيب قائماً حيث كان النبع ووجد نفسه مستلقياً على أبوابه وبجواره صديقه ووزيره ورفيق صيده مؤذن. عاد الملك رضوان شاه بذاكرته الى اولى ساعات ذلك الصباح، كان قد غادر قصرملكه بعاصمة الصين الى رحلة صيد كعادته كل يوم ومن حوله رجال الحاشية والى جواره وزيره مؤذن، وبينما هم يخرجون من الأحراش الى العراء إذ بدت لهم ضبية لم يكد بصر الملك يقع عليها حتى غمز جواده بمهمازه وإنطلق خلفها أسرع من الريح. ولم تكد الضبية ترى مطاردها حتى إنطلقت تجري وتسير خلف الغبار إلا أن الملك كاد يلحق بها فلما شعرت بالخطر قفزت في النبع وغابت عن ناظريه في الماء.
توقف الملك بحصانه الى جوار النبع وترجل ثم راح يجس الماء بعصاه بحثاً عن طريدته وحينما لم يجد لها أثراً تأكد أنها كانت جنية تقمصت صورة ضبي حتى تستطيع لفت أنظار الصيادين خلال خروجها ولما بدت له تلك الحيلة أمر رجال حاشيته بالعودة الى القصر وظل ينتظر هو والوزير حتى تخرج إذ كان المعروف عن الجنيات أنهن لايستطعن البقاء طويلاً في نبع فيه ماء محدود ولكن الجهد الذي كان نال منهما كان لابد لأن يسلمهما الى نوم عميق وما كادا يستيقظان منه حتى وجدا نفسيهما واقفين في ذهول يحملقان الى القصر الذي إنتصب فجأة أمامهما كما ينتصب عملاق مارد.
نعم مستمعينا الأفاضل وهنا قال الملك يحدث وزيره في ذهول إني لأكاد أفقد عقلي لمرئى هذا القصر العجيب، أنرى مارداً من عفاريت الجن أقامه؟ او هو شبه لنا من طول ما تعبنا خلال رحلة الصيد؟
فأجابه الوزير: ما أظن يامولاي سوى عمل ساحر يبغي من وراءه هدفاً خسيساً او مؤامرة مدبرة، فلنذهب بعيداً يامولاي قبل أن يلعب السحر بالعقول فنستسلم له كما إستسلمنا للضبية اللعينة الماكرة.
قال الملك: بل لابد من ولوج أبواب القصر بحثاً عن الضبية وجرياً وراء مايحتوي ذلك القصر من أسرار وخفايا !!
أضطر الوزير للإمتثال وإنطلقا معاً في الطريق الى باب القصر حيث إجتازاه واذا بهما يتوسطان قاعة واسعة كل محتوياتها من الذهب والفضة والعقيق ومن كل ركن من أركانها ينتشر عطر شذي. وإجتازا القاعة ليجدا نفسيهما في قاعة اخرى أكثر من الأولى سحراً ورونقاً تتوسطها بحيرة يترجج فوق سطحها عرش من ذهب موشم باللؤلؤ والماس، تجلس فوقه حورية تحيط بها خمسون من وصيفاتها. كانت هذه الصورة التي إطلع عليها رضوان شاه أروع مما كان يخطر على بال، وهنا إنطلق من بين شفتيه كلام كالهمس: من تكونين أيتها الحورية؟
أجابت الحورية من فوق عرشها الذهبي: أنا الضبية التي تبعتها بسهامك وأردت أن ترديها بحد سهمك !! ولكن لاتخشى قلبي أيها الملك فهو لم يعرف السحر قط، وما تحولي من صورة الى اخرى سوى قدرة وهبتنيها السماء منذ طلعت عيناي على النور.
وهنا أشارت الحورية بيدها الى الملك كي يتبعها وتأخذ به من حجرة الى اخرى حتى إنتهيا الى قاعة تتوسطها مائدة حافلة بكل فاخر من الطعام والفاكهة. فأكل الملك ووزيره حتى شبعا في حين شرعت الحورية تحدث الملك قائلة: أنا شهرستاني وحيدة ملك الجن منوتشهر الجالس على عرشه في جزيرة شهرستان، اجد نفسي متعلقة برجل من الانس لايمت لي بصلة ولانسب، وقد كان يجب أن أكون بالأمس في دار أبي الذي غادرته منذ ثلاثة شهور أضرب في الأرض وأطوف في أنحاءها لأشهد مملكة الأنس التي لاتشبه في شيء مملكة أبي الجني.
إنتفض الملك وقد توزع قلبه بين عرشه وناسه وبين تلك الحورية، وهنا وفي تلك اللحظات بالذات فتح الباب لتدخل احدى الوصيفات ومن عينيها تجري خيوط طويلة من الدموع وهي تقول بصوت كان يحمل في أعماقه رفيف الموت: لك المجد أيتها الملكة فقد إنتقل والدك من الحياة الفانية الى الحياة الخالدة والشعب كله ينتظر عودتك بفارغ الصبر ليضع على رأسك التاج قبل أن يقتاده عمك العدو اللدود الذي طالما طمع في عرش ابيك فلنعجل يامولاتي ولانتأخر فما عاد هناك من وقت نضيعه.
أعزائي الأفاضل دوّت صرخة من اعماق شهرستاني تجاوب رجعها بين الجبال والوديان غير أنها إستسلمت للقدر الذي قدر لها غير ما كانت تريد. فراحت تقول لرضوان شاه كلمات تخرج مرتجفة من خلال الدموع: لابد لي للإستسلام لحكم القضاء والذهاب حيث أدفع عن شعبي المسكين ماقد يصيبه اذا إندفع عمي في شره ليستخلص لنفسه عرش الجدود، فوداعاً وسأعود ذات يوم لأراك!!
ولم تكد تتم كلامها حتى إختفت عن الأنظار وتحول القصر الذي كان يتلألأ منذ لحظات فإذا به خواء كأن لم يكن به شيء سوى ظلمة دامسة تغمر بسوادها رحاب الأرض.
وعندما عاد رضوان شاه الى قصره لم يكن قط ذلك الملك الذي كان قبل أن يلتقي بشهرستاني فقد تحول الى شخص زاهد وقور وبعد أن كان لايقرب الغابة إلا اذا كان يوم صيد اذا به ينطلق في أعماق الغابة كل يوم يجلس حاذماً الى جوار النبع الذي إختفت فيه الضبية علها تعود. ومضى عام وبعض عام وذات يوم ولما كان الملك جالساً الى جوار النبع اذا به يختفي فجأة دون أن يترك أثراً لكل من يحاول البحث عنه، وضج الشعب وجنّ الوزير وإضطرب القادة ولكن أحد لا يستطيع الإهتداء الى حيث إختفى الملك وماعرفوا قد هل ذهب مختاراً الى المجهول أم لقي حتفه وتقطعت أوصاله في جوف وحش من وحوش الغابة التي كان يقضي في أعماقها كل أيامه ولياليه.
أحبتي الأفاضل سنتعرف على بقية احداث الأسطورة في حلقة البرنامج المقبلة بإذن الله من سلسلة حلقات حكايا وخفايا التي إستمعتم اليها من اذعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران فحتى ذلك الحين نتمنى لكم أحلى الأوقات وأطيب الأماني شاكرين لكم حسن متابعتكم لنا والى الملتقى.