بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم نلتقيكم من جديد اعزائي المستمعين عند محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا، آملين أن تقضوا معنا دقائق ممتعة ومفيدة عند ما اعددناه لكم هذا الأسبوع من حكايا معبرة نسجها الذهن البشري على مر العصور.
سنرحل أخوتنا المستمعين في حلقة هذا الأسبوع الى بلاد اليونان الحافلة بالأساطير في مختلف مجالات الحياة ومنها عالم النبات حيث يطالعنا كم كبير من الحكايات والأساطير التي حيكت حول الزهور والورود والتي يعكس كل منها جانباً من جوانب السلوك الانساني في إيجابياته وسلبياته ومنها أسطورة زهرة النرجس او النركسوس وهو الأسم الإغريقي لهذه الزهرة والتي كانت منتشرة على نطاق واسع في بلاد اليونان حتى نسجت حولها الأساطير والقصص ومن جملتها الأسطورة التي سنتعرف عليها في لقاءنا لهذا الأسبوع، ندعوكم للمتابعة.
نعم مستمعينا الأفاضل شدت زهرة النرجس إنتباه الرجل الإغريقي بمنظرها الجميل وطابعها الحزين في ذات الوقت فنتج حولها أسطورة ظلت تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل ونركسوس وهو الاسم الإغريقي لنرجس ابن إله النهر كوفيسوس، حيث إحتضن نهر كوفيسوس في تياراته المائية المتعرجة حورية إحدى المروج الخضراء وكانت تدعى ليريوبي. فخرج الى عالم الحياة مولود أسماه والداه نركسوس، وهب منذ طفولته حسناً رائعاً وجمالاً لايقاوم.
نشأ نركسوس الجميل في أحضان المياه الجارية والمروج الخضراء ولم يره انسان دون أن يعجب بجماله، وما لبث نركسوس أن تخطى مرحلة الصبى وأصبح في ريعان الشباب، كان يزداد جمالاً وبهاءاً كلما تقدم في العمر وأحبه أصدقاءه ورفاقه وكان نركسوس مدركاً لجماله واطلالته الجذابة. كان يعرف أنه جدير بإعجاب الجميع وحبهم لكنه لم يكن يتجاوب مع احد من المعجبين به فكان يصدهم جميعاً اذ لم يكن يعرف الحب ولم يكن يقيم للعواطف وزناً لكنه مع ذلك ظل محط انظار الجميع ومركز إشعاع للسحر والفتنة. وكان من بين من أحبوا نركسوس وأعجب بجماله حورية تدعى ايكو وهي كلمة يونانية معناها الصدى، وكانت ايكو فتاة رائعة الجمال فائقة الحسن ومتحدثة لبقة، تعرف كيف تدير دفة الحديث وبإمكانها التأثير بحديثها على من يستمع اليها. عاشت ايكو وسط المروج الخضراء وعلى ضفاف البحيرات والغدران وكانت مولعة بالتحدث مع الأناس المارين من جانبها.
نعم مستمعينا الأفاضل ذات يوم جلست ايكو كعادتها فوق ربوة تتأمل الرائح والغادي واذا بها ترى من بعيد زيوس في صحبة حورية حسناء وبعد لحظات لمحت هيرا زوجة زيوس تسعى لاهثة وقد بدت على ملامحها علامات السخط والغضب فإستوقفتها ايكو وسألتها عن سبب سخطها وغضبها وعلمت أنها تبحث عن زوجها زيوس، فقد نما الى علمها أنه جاء الى تلك المنطقة لمقابلة احدى الحوريات فسألتها هيرا عن زيوس لكن ايكو إدعت انها لم تره في تلك المنطقة قط وظلت تتحدث مع هيرا بصوت مسموع وأخذت تقص عليها قصصاً مسلية وكلما همت هيرا بمغادرة المكان لتبحث عن زيوس كان ايكو تستوقفها وتروي لها قصة جديدة فقد كانت ايكو حلوة الحديث بارعة في القول قادرة على شد إنتباه من يستمع اليها. حتى ذهب عن هيرا غضبها وسخطها ونسيت ماكانت جاءت من أجله وظلت هيرا تستمع في شوق الى احاديث ايكو.
مستمعينا الكرام غابت الشمس وأقبل الليل وترصعت السماء بالنجوم في حين كانت هيرا لاتزال تنصت الى احاديث ايكو وفجأة لمحت هيرا زوجها زيوس وهو ينطلق من خلفها هارباً نحو مملكة الأولمبس. إنطلقت هيرا تطارده وعاد لهيب الغضب يلهب مشاعرها ونار الغيرة تأكل قلبها، كانت هيرا قاسية لاترحم وعاقبت ايكو عقاباً شديداً فقد حرمتها حلاوة الحديث والقدرة على الكلام سوى ترديد بعض المقاطع الأخيرة من العبارات التي ينطق بها المتحدث ولذلك نلاحظ أن الصدى حسب هذه الأسطورة هو ترديد بعض المقاطع الأخيرة من عبارات المتحدث.
نعم أعزائي الأفاضل ظلت ايكو تعيش وسط المروج الخضراء وعلى ضفاف البحيرات والغدران، ألفت حياة الصمت وإعتادت عدم المبادرة بالكلام لكنها كانت تزداد جمالاً وحسناً بمرور الأيام، كانت تجلس كعادتها فوق الربوة تتأمل في المارين والغادين وتردد بعض المقاطع الأخيرة التي ينطق بها المتحدثون. لم تكن ايكو معجبة بأحد سوى الشاب الوسيم نركسوس، كانت ترقبه في غدواته وروحاته وتتبعه بنظراتها وهو يلهو ويمرح بين رفاقه وأصدقاءه، لم تكن تجرأ على الإقتراب منه. كانت تعرف أنه شديد الزهو بجماله ووسامته، كانت تعرف أنه لم يجرب نار الحب او لوعة الهوى وأنه لايستجيب لعبارات الغزل ولايستمع لأحاديث الحب فكيف اذن تظهر امامه وتطلب وده وهي غير قادرة على الكلام وكيف تعبر عن حبها وغرامها له وهي معقودة اللسان فإكتفت ايكو بكتمان سر غرامها وإكتفت بمراقبة نركسوس في غدواته وروحاته ولم تكن تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك.
وفي ذات يوم خرج نركسوس بصحبة رفاقه وأصدقاءه، خرجوا للصيد كعادتهم واخذوا يتجولون وسط المروج الخضراء بحثاً عن فريسة ضالة يرشقون سهامهم القاتلة في صدرها وظهرت امامهم فجأة عدة فرائس. إنطلق الرفاق خلفها وإنطلقت الفرائس وإتجهت كل فريسة في طريق، تفرق الرفاق على الفور، إنطلق كل فريق وراء فريسة وقد إشتدت المطاردة وطالت مدتها. أخذ نركسوس يطارد فريسته في سرعة هائلة وظل يطلق سهامه القاتلة نحوها حتى أصابها في مكان قاتل وأصبحت ملك يديه وغمره السرور واحس بحلاوة النصر. وقف نركسوس يمنظر رفاقه ليشهدوا ببراعته في الصيد لكن أحداً لم يحضر، ظل يبحث عنهم في ضفاف البحيرات والغدران ويتجول وسط المروج الخضراء، إكتشف نركسوس أنه ضل الطريق وأصبح وحيداً بلا رفيق، لم يكن يعلم أن هناك عيناً تتابعه بنظراتها وأن هناك قلباً يلهث خلفه. كان يجهل لأن هناك روحاً ترفرف من حوله أينما حلّ وأينما سار ولكنه لم يكن يحس بوجود ايكو ومتابعتها له طوال فترة الصيد.
مستمعينا الأفاضل طال تجوال نركسوس وتعبت قدماه فجلس يستريح على حافة غدير وجلست ايكو فوق ربوة عالية تشاهد في إعجاب حسنه وبهاءه، ساورتها نفسها أن تهبط اليه لكن شجاعتها خانتها وطال إنتظار نركسوس ولم يحضر احد من رفاقه. اخذ ينادي بأعلى صوته عسى أن يدركه احد منهم، وهنا نفذ صبر ايكو ولم تعد تحتمل أكثر من ذلك فأخذت تردد المقاطع الأخيرة من نداءاته التي لم تكن تصل الى آذان رفاقه وهكذا ظلت ايكو تردد نداءات نركسوس فيما ظن الأخير أن واحداً من رفاقه يرد عليه فبدت عليه أمارات الفرح والسرور وإنفرجت أساريره وإزدادات ملامح وجهه الجميل جمالاً، لم تستطع ايكو أن تظل بعيدة عنه فبدأت بالهبوط نحو الغدير واتجهت نحو نركسوس وإنطلقت مسرعة والإبتسامة على شفتيها وهي لم تزل تردد المقاطع الأخيرة من نداءاته التي لاتصل الى آذان رفاقه.
تقربت ايكو من نركسوس ولكن نركسوس قطب جبينه في كبرياء ونظر اليها بزهو وهو يقول: لاأريدك!
في حين كانت هي تقول مرددة المقطع الأخير من كلامه: أريدك
وظلت ايكو تردد المقاطع الأخيرة من كلمات نركسوس الغاضب وهي تندفع في سرعة هائلة نحوه، لكنه إبتعد فجأة عن طريقها بقسوة وغرور. وعندئذ هوت العاشقة البائسة على الأرض وإرتطم جسمها بالصخرة التي كان يجلس عليها نركسوس ونهضت تجمع أشلاء كرامتها المتناثرة وإنطلقت تعدو بلا هدف بعيداً عنه.
إنتظرونا مستمعينا مستمعاتنا في لقاءنا القادم من حكايا وخفايا والذي يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران عند القسم الثاني والأخير من أسطورة زهرة النرجس. نشكركم على طيب المتابعة والإصغاء، الى اللقاء.