البث المباشر

حكاية جبل الايوان

الإثنين 1 يوليو 2019 - 08:30 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم تحية خالصة من القلب نبعثها اليكم أعزائي المستمعين معطرة بشذى المحبة وأريج المودة عبر جسور التواصل التي نعقدها بين ثقافة الشعوب من خلال برنامجكم المتجدد حكايا وخفايا
ندعوكم أيها الأحبة الى متابعتنا في حلقة هذا الأسبوع عند حكاية اخرى إخترناها لكم من امريكا الجنوبية، قارة السحر والغموض والجمال.
اخوتنا أخواتنا حكايتنا لهذا الأسبوع تحمل عنوان جبل الأيوان وهي من بلاد غووايانا بأمريكا الجنوبية حيث تتكاثف الغابات ولكن تبدو وحيدة وبعيدة عن العالم كأن أدغالها الرطبة شبك محكم يحيط بها حيث تلف ظلال الغابة فيما النهار العريضة تجري هادرة مجنونة والجبال العملاقة والقمم الشاهقة تبدو وكأنها تنهض من السهول الخضراء الشاسعة المنتهية بالمنحدر حيث تكون الأرض دافئة ورطبة تتخللها بعض الأنهار التي تفر من الشبك الأخضر المحكم لتخرج الى النور طويلة وعريضة بعد أن تقفز من القمم العالية والشاهقة.
نعم مستمعينا الأفاضل يروي زائر تلك الأرض عن تلك الأنهار وعن الشلالات وعن الغابة المسكونة بالببغاوات وبأفاعي الكبرى وبآلاف أصناف الطيور والحيات والنمور وحيوان التابير والقرود الرمادية اللون. ويروون عن قبائل الهنود التي تعيش حياة بائسة وسط الأدغال الهادئة والبعيدة والمنعزلة، يروون كثيراً عن تلك الحياة البدائية القاسية وينقلون حكايات حزينة وجميلة، حكاية كهذه التي تتحدث عن سلسلة جبال ايوان في اراضي قبائل الكاريبي.
مستمعينا الأفاضل يعتبر جبل ايوان تيفوآ جبلاً مقدساً بالنسبة للهنود الأركوانوس حيث يعتقدون أن الآلهة تعيش فيه وأنها ترعى صحة البشر. وتبدو سلسلة الجبال هذه وكأنها نهضت من الأرض وحطمت السور العظيم للغابة وصعدت من الأدغال الخضراء وفجأة إنطلقت منها صخرة عارية بخط مستقيم شكلت لاحقاً سوراً هائلاً تبرز جوانبه المهشمة والحادة بإتجاه السماء. وفي أوقات المطر تختفي قمة ايوان بين الغيوم وتنفلت الشلالات من القمم تقفز، تصطدم، تتحطم بين الصخور وتصب في الهاوية بينما الجبل العملاق تحيطه أسوار عالية هي رعود الغيوم وقصفها. وعندما تنير الشمس ذروة جبال ايوان فإنه يبدو جلياً ومثيراً للدهشة.
هناك في الأعالي تنقسم من الصخور قمم متباعدة منشطرة في أشكال هندسية كأنها فصلت على مقاسات خيالية وكأن أيادي خفية إمتدت لتضع على قمة الجبل العملاق سوراً من الأحجار وكأنها بقايا كائنات حية وأشياء في غاية الغرابة، فمن يقدر على الصعود هناك حيث الانسان يعجز عن التسلق ومن المستحيل عليه الوصول الى هناك؟ ومن هو الذي وضع هناك الأكوام العشوائية لتلك الأعمدة المقطوعة في الساحات المهدمة ووضع بقايا تماثيل وسقوف وأكواخ ووحوشاً في حالة ترقب ونسوراً بأجنحة مفتوحة؟ فلنتلمس الإجابة عند الهنود الأركوانوس الذين نسجوا حول جبلهم المقدس ايوان حكايات وأساطير عجيبة، نستمع اليها بعد الفاصل فكونوا معنا اخوتنا المستمعين.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
عند ضفة نهر الكاراو الذي يجري قريباً من خاصرة جبل الايوان كانت هناك مدينة في الزمان الغابر اسمها تيكوفاي، كانت الأكثر غناءاً وإزدهاراً بين جميع المدن حيث كان يتوافد الناس اليها من القبائل النائية ليروا الجبل الذي تسكنه الآلهة التي تعيد للانسان الصحة والسلامة المفقودة حيث كانت قمة الايوان تظهر بوضوح من بين الأكواخ العديدة لمدينة تي. وعندما كانت الصاعقة تطلق الرعد يدوي ثم يتلاشى متبدداً في الوديان العميقة للجبال كان الهنود يبعدون انظارهم خائفين مرعوبين من غضب الآلهة ويخشون أن تحل عليهم الويلات لأن الألم والمرض يقهران البشر دائماً. لهذا كانت نظرات الجميع تتجه متوسلة نحو قمم الجبل كي تنحدر العطايا منه، العطايا بالصحة والسلامة الدائمة.
وتروي الأسطورة أن عدة قوارب وصلت ذات يوم منذ سنوات موغلة في القدم وفي ظهيرة ربيعية دافئة وصافية الى الميناء الصغير للنهر، قوارب من قبائل اخرى بعيدة. جاءت تحمل رجالاً ونساءاً مرضى ومعهم رجال كثيرون ليساعدوهم للوصول الى جبل الايوان المقدس.
نعم أعزائي الكرام خرج الناس في مدينة كيكوفاي لإستقبالهم وابقدموا لهم اغطية لأكواخهم، وكانت السعادة تملأ قلوب الهنود الأركوانوس وهم يرون هذا العدد الهائل من القبائل المتعددة. في اليوم التالي نظموا الحفلات على شرف المسافرين، أحضر الرجال كميات كبيرة من لحم الماشية والأسماك، جمعوها وقدموها مشوية مع فطائر الذرة والأناناس والموز في مركز البلد وسط الأكواخ الكبيرة وحولها كانت أواني عريضة مليئة بشراب الكاتشيري الذي لايقدمونه إلا لضيوفهم الأعزاء. وهكذا إجتمع كل الهنود وخيمت عليهم السعادة وبدأت تسمع الأغاني وحفيف اوراق الأشجار اليابسة من سعف النخيل الذي كان يضعه المحتفلون عليهم وهكذا تواصلت ساعات وساعات من الإحتفال كان يقطعها فقط ذهاب الرجال والنساء الى الأواني ليشربوا رشفات كبيرة من شراب الحفل.
اخوتنا المستمعين الأكارم وفي الجانب الآخر بقي المرضى وحيدين مع آلامهم متروكين في أكواخ خوص صغيرة ومن جميعها كانت تنطلق نفس الحسرات ونفس التوسلات في طلب المساعدة.. تعالوا تعالوا أيها الأخوة، خذونا الى حبل المعجزات ايوان ولكن لاأحد كان يعير أذن صاغية لهذه التوسلات او الآلام التي كان يتجرعها هؤلاء المساكين. فلقد إستمرت الحفلة وتواصل الغناء والصرخات المجنونة والجرار كان يعاد ملئها بالشراب. وعندما إختبأت الشمس خلف قمم الايوان إستمرت الرقصات ومن تأثير شراب الكاتشيري كانت صرخات الفرح تنطلق في عنان السماء ممتزجة بأنين المنسيين والمهملين.
وما لبثت الشمس أن توارت عن الأنظار وقمة الايوان إختفت وراء غيوم كبيرة ورصاصة اللون وفجأة شق السماء برق خاطف ورعد بعيد صار يقترب حتى جعل الأرض تهتز وهبت عاصفة إقتلعت الأشجار وتوقفت تهدد مدينة كوفاي وبدأت العاصفة تجول في المدينة يرافقها هدير الرعد وغيوم تحولت الى شلالات من المطر. إشتدت العاصفة وجعلت الأكواخ تهتز وتنتصب وكذلك الأحجار وإزداد صفير الرياح وخرج الهنود مذعورين الى الساحات فالأشجار الغليظة قد أقتلعت من جذورها وألقي بها بعيداً وبعضها كان يتدحرج وفرت الحيوانات هائجة من الغابة ودفعتها غريزتها نحو السفوح والمروج لتختبأ في المكان الذي يحيا به الانسان. حيوان الجوّار والمواشي وحيوانات البفري الشاحمة عبرت راكضة في المرج تزمجر من الهلع تبحث عن مخبأ في مياه النهر والطيور الكبيرة كانت تجاهد بأجنحتها لتشق تيار الإعصار.
كانت قعقعة الصاعقة ودويها وصرخات الناس وعواء الوحوش تختلط جميعها في صخب واحد، لقد إهتز وادي كيكوفاي وإقتلع الإعصار الأشجار وطارت الأكواخ في الهواء، كانت تعلو مثل الريش فوق الناس والدواب وتدور في الهواء السقوف المصنوعة من سعف النخيل وكذلك الطيور الكبيرة التي تكسرت أجنحتها. جبل الايوان وحده بقي ثابتاً محافظاً على مكانته وشموخه، وفي اليوم التالي أشرقت الشمس وبدت قمة ايوان التي كانت من قبل نظيفة مغطاة بمزركشات ونقوش نادرة وغريبة مقلوبة. فكان هناك سقوف الأكواخ والخوص، أشجار مقطعة، جثامين الهنود المقطعة، انصاف نساء، وحوش وطيور منتثرة هنا وهناك ومخالب متشنجة في الصخور، صقور بأجنحة مفتوحة متهيئة للقفز الى جرف الهاوية. لقد جمع الايوان المقدس في قمته كل تلك الأنقاض وهناك بقيت مخزونة ومحفوظة بين الأحجار كتذكار لمدينة كيكوفاي التي طغت وعتت ونسي مترفوها آلام الضعفاء ليكون غضب السماء بالمرصاد لها ولكل من سحرته وبهرته بهارج الدميا وإتبعته بشهواته ونسي بأن هناك من الناس من يعتصرهم الألم ويقضون أوقاتهم يأنون بسبب تباريح الآلام والمرض ووخزات الجوع.
وهكذا نصل معكم أيها الكرام الى ختام المطاف لحلقة هذا الأسبوع من برنامجكم حكايا وخفايا استمعتم اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران آملين أن نجدد اللقاء بكم في الحلقة القادمة عند المزيد من الحكايا والأساطير الحافلة بالدروس والعبر والمفعمة بتجارب الشعوب وتصوراتها حول الكون والانسان. حتى ذلك الحين نستودعكم العلي القدير والى الملتقى.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة