بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم ونحن نجدد اللقاء بكم عند عوالم الحكايا والأساطير في هذه الحلقة من برنامجكم حكايا وخفايا والتي ستكون الأخيرة من سلسلة دورة البرنامج الثانية على امل التواصل معكم عند حلقات الدورة الجديدة إن شاء الله.
نعم اعزائي الأفاضل سنستكمل جولتنا في هذه الحلقة بين رحاب أسطورة أوراشيما تارو اليابانية في قسمها الثاني والأخير، ندعوكم الى مرافقتنا.
مستمعينا الفاضل تركنا الفتى اوراشيما في الحلقة الماضية وهو يعيش عالمه الجديد في البحار بعد أن كوفئ من ملك البحار بالزواج من فتاة جميلة والعيش في رغد وهناء جزاءاً له على إنقاذه السلحفاة المسكينة من أذى البشر وإعادتها الى عالمها الطبيعي المتمثل بالبحر. وفي ذات يوم صحا اوراشيما تارو من النوم بعد أن رأى حلماً أزعجه فأخذ يحدث نفسه قائلاً: لابد أن أمي وابي وعائلتي وأصدقائي يعتقدون أنني مت، عليّ أن أعود لرؤيتهم ولو لبعض الوقت، لقد ركبت البحر منذ ثلاث أعوام ولم اعد اليهم منذ ذلك الحين، وها أنا ذا أفتقد عائلتي ولابد لي من العودة اليهم لأطمئنهم بأنني بخير. وعندما رأى زوجته قال لها: لقد كنت أفكر في أمي وابي وعائلتي وأصدقائي فقد تركتهم وركبت البحر منذ ثلاث أعوام ولم أعد اليهم ولابد أنهم إعتقدوا انني مت، عليّ أن أذهب لزيارتهم.
أجابته زوجته بلهجة تحذيرية: يا أرواشيما تارو لاتذهب أنك لو ذهبت فلن تعود ثانية !
أجابها اوراشيما بلهجة ضمنها كل ما استطاع من تأكيد: لا، سوف أعود ولن أتركك أبداً، انني اريد أن ارى عائلتي وحسب وأطمأنها على مصيري ثم أودعها وأعود!!
لكن الزوجة الشابة كررت عليه القول: يا أوراشيما تارو أنا اعرف انك لو ذهبت فلن أراك ثانية!
ولكنه أجابها مؤكداً: لاتخافي شيئاً يازوجتي العزيزة، سأعود سريعاً.
مستمعينا الكرام وعندما تيقنت الزوجة أن اوراشيما تارو سيرحل لامحالة شاءت أم أبت راحت تبحث في أشياءها ثم عادت وأعطته صندوقاً صغيراً مطلياً باللون الأسود مغلقاً بقفل فضي وقالت له بصوت ناعم يشبه حفيف ماء البحر في الصيف: خذ هذا الصندوق يازوجي الحبيب ولاتضيعه أبداً فهو سيساعدك على العودة اليّ ثانية، ولكن، وهنا تضخم صوتها وصار يشبه صوت موجة غاضبة: إياك وأن تفتحه في أي حال من الأحوال، أهذا واضح؟
أجاب اوراشيما تارو: سأحافظ عليه دوماً ولن أفتحه أبداً!
إنطلق اوراشيما تارو متجهاً الى قاربه ووضع الصندوق بداخله ودفع به الى الماء وراح يجدف لوقت طويل حتى غابت عن ناظره جزيرة الصيف الأبدي وظهرت أمامه جزر اليابان وطنه. وعبر حاجز الأمواج ثم قفز الى الأرض وجرّ قاربه الى الرمل ثم أخذ الصندوق وصعد الى الساحل ولكنه وجد نفسه فجأة أمام مكان غير الذي كان يعرفه فعندما رحل منذ ثلاث سنوات فقط عن وطنه كانت الجبال التي تظهر في الأفق مغطاة بالأشجار ولكنها الآن لم تعد تظهر إلا على هيئة صخور جرداء ومنذ ثلاثة أعوام كانت أشجار الأيك كبيرة ومستقيمة لكنها صارت الآن ملتوية ومنحنية وصار مظهر البيوت غريباً ولم تكن على هذه الحال من قبل ابداً. سار الفتى حاملاً صندوقه بيده متجهاً نحو القرية لكنه لاحظ أن وجوه السكان يعلوها الإضطراب وقد وجد نفسه في وطنه وقريته ومع ذلك فإنه لم يتعرف على أي شخص قابله. تسائل اوراشيما بدهشة: ما معنى هذا؟ لماذا تغير كل شيء؟ وعندما وصل الى موقع بيته لم يجد البيت بل وجد مكانه ساحة خربة! قال اوراشيما تارو في نفسه: لابد أنني ضحية خطأ صوّر لي أنني في وطني وأن ما أراه شيء آخر.
إقترب من رجل عجوز متكأ على عصاه وخاطبه قائلاً: أيها الشيخ أنني أطلب مساعدتك، هل لك أن تدلني على بيت رجل يدعى اوراشيما تارو؟ لقد قضى شبابه هنا مع أبيه وأمه!
راح العجوز يتفكر وهو يمسح لحيته: اوراشيما تارو؟ اوراشيما تارو؟ أنني لم أسمع بهذا الإسم أبداً، ثم واصل طريقه.
ثم هنا صاح أوراشيما تارو: أيها الشيخ إنتظر إنني على يقين من أنه كان يسكن هنا، أرجوك أيها الشيخ فكّر قليلاً في هذا الاسم أوراشيما تارو!
غمغم الرجل العجوز مرة ثانية: اوراشيما تارو؟ اوراشيما تارو؟ نعم نعم! قال ذلك فجأة كما لو عادت له ذاكرته ثم أردف قائلاً: بقد قصّ عليّ جدي حكاية عن شخص يدعى اوراشيما تارو وكان صياداً شاباً ركب البحر ذات صيف ولم يعد أبداً وقد حدث ذلك قبل ثلاثمئة عام وعليك الآن أن تذهب الى المقابر فهناك ستجد قبور كل أقاربه والآن دعني امضي بحال سبيلي، وأسرع الرجل العجوز بالإبتعاد!!
نعم أحبتي الأفاضل فكر اوراشيما تارو ثم إتجه صوب المقابر وهو يحمل تحت أبطه صندوقه وهناك في القسم الأكبر قدماً من المقابر تحت شجرة عتيقة ظهرت امامه ثلاثة شواهد قائمة مغطاة بطبقة كثيفة من التراب وتوجه أوراشيما الى الشاهد الأول فمسح ما علق عليه من طبقة التراب فوجد اسم والدته محفوراً على الحجر وعلى الحجر الثاني لمح اسم أبيه ثم إكتشف إسمه محفوراً على الحجر الثالث وتجمد من الذهول لكنه كان يتمسك بإستمرار بصندوقه فإستدار عائداً صوب الساحل كمن يترنح في الضباب وعند وصوله الى الشاطئ أصابه الشلل التام بينما راحت الأمواج تغمر قدميه ثم أخذ يصرخ فجأة بصوت عال: أين سرّ هذا الكابوس وهذه الأوهام في هذا الصندوق ولابد أن أفتحه لكي أفهم ما أصابني! ونزع القفل الفضي الذي كان يغلق الصندوق فسقط على الرمل ورفع الغطاء عنه وهو يلتقط أنفاسه فصعدت من الصندوق سحابة صغيرة بيضاء وحلقت عبر المحيط بإتجاه جزيرة الصيف الأبدي وفجأة شعر اوراشيما تارو بشيخوخة وضعف القوة وتقلصت يداه المرتجفتان وتجعد أسفل عينيه وسقطت أسنانه وتلون شعره بلون رمادي سرعان ما تحول الى بياض وسقطت دمعتان من عينيه فوق مياه البحر وصار اوراشيما تارو عجوزاً طاعناً في السن وإنهار فوق الرمل وصار رماداً ثم طار هذا الرماد بدوره محلقاً فوق المحيط بإتجاه جزيرة الصيف الأبدي.
نعم مستمعي الكريم اذا أتيحت لك فرصة السفر لليابان في يوم من الأيام فحاول أن تتوجه لزيارة هذه القرية ففي معبدها الذي لايزال قائماً سوف تجد اليابانيون لايزالون يحتفظون بذكرى هذه القصة ممثلة في الصندوق الأسود وقفله الفضي الذي كان يغلقه وقطعة صغيرة من حبل قارب اوراشيما تارو فيما ينتصب امام المحيط تمثال اوراشيما تارو والى جانبه السلحفاة.
نعم اعزائي الأفاضل إنتظرونا عند حكاية اخرى من حكايا الشعوب والمزيد من الخفايا والأسرار عبر الدورة الجديدة الثالثة من البرنامج والتي سنقدمها لحضراتكم بحلة فنية جديدة بإذن الله. أملين أن تكونوا قد أمضيتم معنا دقائق حافلة بكل ماهو مفيد وممتع حتى ذلك الحين نتمنى لكم أطيب الأوقات والى الملتقى.