بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم، مستمعينا الكرام تحية من القلب نبعثها اليكم ونحن نلتقيكم من جديد عند عالم آخر من عوالم الحكايا والأساطير حيث المتعة والفائدة وحيث التطواف في مجاهل العقل البشري الذي إختزن في ذاكرته خفايا الكون فجسدها قصصاً وأساطير تحفل بالعجائب والغرائب المختلطة بالقوى الخفية التي تلعب مصائر البشر حسب تصور الانسان الذي كان يستشعر الخوف إزاء الظواهر الطبيعية المحيطة به والذي كان ومايزال يسعى جاهداً من أجل أن يعثر على إجابات شافية على التساؤلات الكبرى التي تثيرها الحياة والكون في نفسه.
اذن ندعوكم مستمعينا الأفاضل الى متابعتنا عبر ما اعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع من حكايا وخفايا.
مستمعينا الأفاضل في اعماق افريقيا وفي غاباتها وأحراشها كان الزنوج ومازالوا يعيشون وتحيط بهم الوحوش والضواري ويلفهم الظلام في الليل البهيم من كل جانب ومن هنا جاءت أساطيرهم مفعمة بالقوى الغيبية الغامضة فإتخذوا من الحيوانات والوحوش أبطالاً لحكاياتهم وأساطيرهم ومزجوا هذه الحكايات بالسحر والجن والشياطين وجمعوا بين ملوك الانس وسلاطين الغاب كما نرى ذلك في أسطورتنا لهذا الأسبوع التي تحمل عنوان "الفرس العجوز" والتي تعتبر من أبرز الأساطير التي تصور لنا الحياة التي كان يعيشها الزنوج في أفريقيا، ندعوكم أيها الأحبة لنعيش تفاصيل القسم الأول من هذه الأسطورة.
اخوتنا المستمعين الأكارم تحدثنا الأسطورة أن ملك الثعابين ضاق يوماً بحياة الغابة وإجتاحته يوماً رغبة في الزواج من احدى بنات البشر، كان بإمكانه الذهاب الى المدينة والزواج من أي فتاة يريدها غير أنه كان يعتبر نفسه ملك الغابة كلها فأبى إلا أن يبحث عن أجمل الفتيات وعرف أن خير الفتيات التي تتفق ورغبته هي الأميرة فطيما كبرى بنات ملك الغرب وأقربهن الى قلبه. وقرر ملك الثعابين أن يستخدم قوته السحرية التي كان يتمتع بها للوصول الى بغيته فإختفى تحت ظلال شجرة يعرفها في الغاب وتلى الصيغة السحرية وهو يبتلع احدى ورقات الشجرة فإستحال في الحال الى امير جميل يرتدي أفخر الثياب وبالقرب منه جواد رائع أصيل ولكن كان هناك شيء واحد كان بإستطاعته الكشف عن حقيقة الأمير الشاب لمن له إلمام بالسحر ألا ذلك هو البريق العجيب الذي كان يشع من عينيه، فقد إحتفظ بنظرات الثعبان كما إحتفظ بأعمق غرائزه.
إنظلق الأمير الشاب الى القصر وهو يحدث نفسه بأن جماله ووسامته من شأنهما أن يسلبا لب الأميرة حتى وإن كانت جافة القلب عسيرة المنال، غير أن فطيما لم تكن عسرة المنال فلطالما تمنت أن تتزوج كي تترك بلاط أبيها الذي كان يعامل بناته وكأنهن سجينات بين جدران القصر الذي لم يكن يدخله شاب قط. لذلك لم تك ترى الأمير حتى غمرتها السعادة وأحست كأن احلامها بلغت منتهاها فضلاً عن أن الأمير عرف كيف يستميل قلوب أهل القصر جميعاً، حتى الملك الذي اشتهر بجفاءه وغلظته عرف الأمير كيف يتكلم معه برزانة وجد، جذباه اليه وحبباه فيه، في حين كان يصنع مع الأميرة نفسها كل ما كان يستهوي قلوب الفتيات.
رحبت الأميرة فطيما بزفافها الى الأمير ولم تهتم قط بإعتراضات امها التي كانت تحاول إقناعها بالتروي بقبول الزواج من امير مجهول لايعرف احد عن مملكته أي شيء، حتى تم الإحتفال بالزواج وبينما كانت الأميرة تستعد للإنطلاق مع زوجها الى مملكته البعيدة دعتها أمها اليها وقبلتها ثم همست في أذنها قائلة: لكم تمنين يابنتي هذا اليوم غير اني أعجب بالأمير الذي يرفض أن ترافقك أية فتاة من وصيفاتك او احد من حراسك المخلصين، حتى الحلي والذهب والمال والقطعان الكثيرة التي أصبحت لك يوم زفافك، كل هذه الأشياء لايريد الأمير أن يأخذها معه، فهو يقول إنه ليس بحاجة اليها أبداً. وما بدأ الشك أن يتسرب الى قلب فطيما وإستبد بها قلق مجهول فأخذت تراجع عقلها وعواطفها وتتمنى لو كانت تسطيع النكث بعهدها، وبينما كانت الدوامة تدور في اعماقها دخل الأمير في ضجة لم تترك لها مجالاً للتفكير فقد إندفع نحوها وأبعدها في سرعة غريبة عن امها التي أسرعت خلفهما وأخذت تتوسل الى الأمير أن يسمح لعروسه بأن تأخذ معها أي شيء يذكرها بأهلها وبلادها وعرض الملك أن يعطيها أحد جياده ليكون مطيتها في السفر وفي نزهاتها وصيدها حينما تبلغ بلاد زوجها. ولم يجد الأمير وسيلة لرفض الهدية وإنطلقت الأميرة الى الحظيرة لتتخير جواداً من بين الجياد الخمسين التي يمتلكها والدها، كانت الجياد كلها جميلة ورائعة فقررت أن تجري قرعة بينها فأمسكت بمخلاة الزرى واخذت تحركها يميناً ويساراً وقد قررت أن تختار اول جواد يتقدم من جياد الحظيرة، لم تكد الأميرة تحرك المخلاة حتى إنطلقت اليها فرس عجوز هي أم كل الجياد الخمسين. هزت الأميرة كتفيها وقررت أن تعيد القرعة غير أن أمها إعترضت قائلة: كلا ياابنتي فإن الإله يكره الإعادة وعليك أن ترضخي لما قسم لك له، فلاتغتري بالمظاهر وتأكدي أن القدر يحسن الإختيار.
قبلت الأميرة بالفرس العجوز على مضض وإقتيدت الفرس بعد أن وضع عليها سرج من القماش الممشى بالذهب وإقترب الأمير ليساعد عروسه على الركوب وهنا بالضبط جفلت الفرس ونفرت نفوراً شديداً كادت الأميرة معه أن تسقط أرضاً فملأ التشاؤم كل أفراد القصر ولكن الأميرة ما لبثت أن ركبت فرسها وإمتطى الأمير جواده وإنطلقا معاً بسرعة الإعصار في غياهب المجهول.
نحييكم من جديد أيها الأخوة والأخوات وأنتم تتابعون برنامج حكايا وخفايا من طهران. أعزائي ظلت العروس والأمير ينهبان الأرض طيلة اليوم حتى بلغا آخر الأمر حدود الغاب الكبير الذي كان يبدو من مملكة الجنوب خطاً قائماً في الأفق لاحد له وطلب الأمير من عروسه حتى يعود ثم إنطلق بين الشجار لينفرد بنفسه ويتلو صيغته السحرية ويعود الى سيرته الأولى ثعباناً هائلاًً كأنه التنين وشعرت فطيما فجأة بالفرس ترتعش تحتها وهي تخاطبها بصوت رقيق حزين: إن هذا للأسف ما صنعتيه وتصنعيه الآن اذا تسيرين مع ذلك الأمير، لقد خدعك بمظهره ولم تعرفي أيتها المسكينة أنك تزوجت وحشاً ضارياً، إنه ثعبان ضخم، تنين هائل، إستطاع في مهارته في السحر أن يتحول الى بشر يخدعك فتتزوجيه!
هتفت الفتاة: وكيف السبيل الآن الى الفرار والعودة الى اهلي؟ رحماك أيتها الفرس الصالحة، أعيديني الى قصر أبي قبل أن يعود الثعبان فيجري بي الى أعماق الغابز
أشفقت الفرس العجوز على الأميرة الباكية وإستعدت بها للهرب بعيداً عن موطن الثعبان غير أن طلبت من الأميرة قبل أن تمضي أن تقبض بشدة على عرفها وحذرتها من أن تلكز جنبها بالمهماز لأنها لو فعلت ذلك فستطير بها في الهواء الى حيث المجهول. وكان الثعبان الهائل قد خرج في تلك اللحظة من بين شجيرات الغاب يتلوى ويصدر فحيحاً مرعباً ويبسط حلقاته الجبارة على الأرض، وأسرعت الفرس تسابق الريح وحوافرها لاتكاد تمس الأرض غير أن الثعبان كان أسرع من الفرس في إجتياز الحقول وكان لسانه يمتد في فحيح كالرعد وعيناه ترسلان الشرر وتومضان في غضب عنيف مجنون. ولم يكن لدى الفرس من الوقت ما تضيعه بل أخذت تزيد من سرعتها وتجتاز من الطريق في ساعة مايستغرق عدو يوم كامل وظلت منطلقة في سرعتها المذهلة حتى بدت لها من بعيد مملكة الغرب ونطاق من الظلال وفجأة شعرت الأميرة بلفحة ساخنة كالنار فوق رأسها وقد كان الثعبان الهائل يتقدم بسرعة ويهبط فوق رأسها ليخطفها وأحنت الأميرة المسكنة رأسها وهي تصرخ في رعب وفزع حتى نسيت نصيحة الفرس فلكزتها بالمهماز بجنبيها بقسوة وعنف فأحدث صرير المهماز في جسم الفرس دوياً قوياً يشبه الرعد في لحظة كانت الفرس ترتفع في الهواء وتخترق السحب وكانها تسبح في لجة من الأمواج وأغمي على فطيما ولم تحس بالصدمة الهائلة ولابالهبوط السريع الذي هبطته من السماء نحو الأرض غير أن لما أفاقت وأطلت حولها لم تجد غير حقول خضراء واسعة تحيط بها من كل جانب لاتشبه من قريب او بعيد مملكة أبيها الحبيبة. نظرت امامها فلم يكن هناك شيء مألوف يحيط بها على الاطلاق، كان كل شيء بارداً غريباً غارقاً في المجهول.
أحبتي الأفاضل بهذا نصل وإياكم الى ختام القسم الأول من أسطورة الفرس العجوز التي إخترناها لكم من القارة السمراء أرض الأساطير والعجائب حيث تسكن أرواح الآباء والأجداد لتجول في اعماق الغابات وتوحي الى الأحفاد ما توحي به من قصص وأساطير عجيبة تعكس لنا نمط تفكير الانسان الأفريقي لتطلعاته وآماله واحلامه ورؤاه. حتى نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل من برنامج حكايا وخفايا تقبلوا تحياتنا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ودمتم سالمين وفي امان الله.