بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم يسرنا أن نجدد اللقاء بكم أعزائي المستمعين عند حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم حكايا وخفايا حيث سنكمل المشوار معكم في القسم الثاني والخير من الأسطورة الصينية مكافأة السماء الرامزة الى قيمة من القيم الاخلاقية المتمثلة بالبر بالوالدين والثواب الجزيل الذي ينتظر من يجسد هذه القيمة الأخلاقية، ندعوكم اخوتنا واخواتنا الى مرافقتنا.
أحبتي الكرام بعد أن تزوج طونج يونج من تلك المرأة الحسناء التي هبطت له من السماء وكأنها هدية منها عاش أيامه التي تلت ذلك اليوم عيشاً لم يعش مثله من قبل فقد بدت له الحياة هنية شهية فيها سحر وفيها روعة وفيها جمال برغم الحيرة والخوف الغامض الذي كان يملأه وهو يعيش مع زوجة لم يجرأ قط على سؤالها من تكون ومن أين جاءت؟ غير أن تلك الحيرة لم تطل به فقد قرر أن يدع كل ما يتعلق بماضيها وماضيه وأن يعيشا معاً حياتهما الجديدة الرائعة في ذلك المسكن الصغير الذي لم يعد بارداً جافاً حقيراً بل صار بفعل قوة سحرية بديعاً هادئاً تغطي حقارته زخارف وزينات صنعتها الزوجة بيديها الرقيقتين العامرتين بالسحر.
ولم يكن ذلك وحده هو ما أسكت يونج على أن يفكر في حقيقته فقد كانت زوجته الحسناء تقضي نهارها كله وجزءاً كبيراً من الليل تنسج حريراً لم تشهد مثله المقاطعة من قبل، لم يدري يونج كيف تصنع تشي وهو الاسم الذي إختاره لها هذا النسيج العجيب غير أنه لم يحاول أن يسألها أبداً عن السر الذي لاتريد أن تبوح به وكان يكفيه أن يأخذ منها النسيج ليعرضه في السوق فيلتف حوله كل أغنياء المقاطعة ويدفع له مسكوكات الفضة وهم يطلبون منه كميات اخرى كثيرة هائلة. وذاع صيت تشي ونسيجها العجيب وبدأ الأمراء والتجار يتوافدون على المقاطعة من كل مكان يطابون مشاهدة النسيج الساحر ويتوسلون الى تشي أن تلهمهم سر صنعه ولكن الزوجة الحسناء كانت تهز رأسها وهي تبتسم وتقول: أوكد لكم أن أحداً منكم لن يستطيع صنعه فليس منكم من له أصابع كأصابعي، والحق أن أحد لن يستطيع أن يتبين أصابعها خلال نسج الحرير فقد كانت أصابعها تتحرك في سرعة عجيبة كأجنحة نحلة تطير.
وإستمرت الأيام تمضي وقطع الفضة التي يستلمها طونج يونج إزاء أثواب النسيج تزداد يوماً بعد يوم وتتراكم في صندوق كبير بينما تشي تعمل في دأب لإنتاج أثواب أخرى كثيرة لتفي بوعدها الذي قطعته على نفسها حين قالت لزوجها إنها ستزوده بكل ما يحتاج اليه، حتى حلّ ذلك اليوم فبينما كان طونج يونج يستعد لمغادرة الدار في طريقه الى السوق قبل الذهاب الى مزرعة سيده نادته زوجته وقالت له: لاتخرج اليوم فما عاد هناك ما يدعوك للذهاب الى المزرعة.
لم يفهم طونج ما تعنيه زوجته إلا عندما اخذته عند الصندوق الكبير ففتحته وأخرجت منه وثيقة تحريره من العبودية بعد أن إبتاعتها بنقود الفضة التي إدخرتها من أثمان الحرير النفيس ورقص تونج يونج وإنحنى على زوجته محاولاً أن يسجد لها شاكراً فمنعته وقالت له: الان قد مضى زمن عبوديتك فلاتحاول أن تبيع حريتك بعد ذلك، كن سيد نفسك وإعمل لصالحك أنت وحدك. ولقد إشتريت لك هذا المنزل وإبتعت بإسمك المزرعة التي تحيط به ودفعت ثمن شجر التوت فأصبحت كلها ملكاً لك.
ومضى عام جديد وكان طونج يونج قد أصبح خلاله أبرز أغنياء المقاطعة وأحبهم الى قلوب الناس وحتى العبيد الذي اشتراهم ليعملوا في أرضه ملئتهم احاسيس بأنهم لم يعودوا عبيداً قط لما كان يعطيهم من مال ويمنحهم من عطف فأخلصوا له الحب كما أضمروا كل الاحترام للسيدة تشي زوجة السيد التي لم يروا منها سوى الخير والعطف. وما لبثت تشي أن أنجبت طفلاً رائع الجمال كان على جبينه هالة من النور وتحدث كل اهل المقاطعة عن ذلك الطفل العجيب اذ كان اعجوبة لم يروا مثلها من قبل فقد كان قبل أن يبلغ سن العاشرة يجيد الكتابة ويتحدث الى الكهان ويناقشهم في أصول العبادات. كان الفرح يملأ قلب تونج يونج وهو يشهد أعاجيب ولده وكان يتحدث الى زوجته في زهو وأمل بالمستقبل الذي ينتظره في حين كانت هي تتابع سروره وزهوه في رضى كبير.
ونهض طونج يونج ذات امسية باردة فأحس في أعماقه إنقباضاً كريهاً وشعر كأن أطرافه قد تجمدت فنهض الى النار وأشعلها وإقترب من زوجته واذا هي راقدة في هدوء وعلى وجهها نور وضيء كأنه السحر وأخذ طونج يونج يتأمل وجه زوجته وهو يراه اكثر جمالاً فيما كان في يوم من الأيام واستمر في تأمله وهو ذاهل عن مضي الليل وخمود النار وسكون الرياح التي كانت تصفر قبل ذلك في جنون وفجاة فتحت تشي عينيها ونهضت وعلى شفتيها سكون ثم مدت يديها اليه تماماً كما مدتها اليه يوم جاءت لتشفيه وسارت به الى حيث كان الطفل يرقد في الفراش. وكما حدث يوم تلاقت عيناهما أول مرة شعر طونج برعشة رهيبة وعيناه تلتقيان بعينيها إلا أن الرهبة التي ملكته ذلك اليوم كان لها طابع آخر غريب احس بقوة غير منظورة تدفعه أن يشلو امام تشي كما يخضع ناسك أمام إلهه وعندما نهض ورفع عينيه اليها إنطلقت من بين شفتيه آهة رهيبة فقد كانت تشي تنتصب أمامه طويلة سارعة ومن وجهها يشع بريق هائل كأنه الشمس وهنا سمع صوتها يحدثه برفق وحنان: والآن أيها الحبيب لقد حان الوقت الذي اتخلى فيه عنك فما عدت بحاجة اليّ بعد أن أديت لك كل ما أرسلني من أجله سيد السماء مكافأة لك على حنوك وبرك بوالدك فتجسمت لك بصورة امرأة لأنجب لك ولداً جميلاً يكون لك محباً رفيقاً عطوفاً كما كنت انت نفسك لأبيك، وبات عليّ أن أعود الآن الى مقري في الملكوت الأعلى فأنا أيها الفتى الحبيب ملاك الرحمة تشي نيو.
ولم تكد تنتهي من كلماتها حتى تلاشى الوميض الهائل الذي كان يغمر المكان وحدق تونج يونج بعينيه امامه فلم ير شيئاً قط اذ كانت تشي نيو قد إرتفعت الى السماء كومضة البرق الخاطف أما الفراش الصغير فقد كان الطفل لايزال يرقد فيه ومن وجهه الوضيء يشع بريق لايقل روعة عما كان عليه وجه تشي نيو.
وبهذا نصل بكم إخوتنا المستمعين اخواتنا المستمعات الى ختام جولتنا لهذا الأسبوع في عالم الحكايا والأساطير العالمية، آملين أن تكون اسطورتنا لهذا الأسبوع قد راقت لكم وحظيت بحسن إصغاءكم ومتابعتكم، راجين أن نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله برحاب حكاية اخرى من حكايات الشعوب حتى ذلك الحين نتمنى لكم اطيب الأوقات والى الملتقى.