بسم الله الرحمن الرحيم أحبتي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأخلص التحيايا نبعثها لكم والسرور يغمر وجودنا لتجديد اللقاء بكم عبر جولة لنا اخرى في دنيا الحكايا والأساطير من خلال برنامجكم الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا. ندعوكم أيها الأحبة لمرافقتنا عند ماأعددناه لكم لهذا الأسبوع.
أيها الأخوة والأخوات من أرض الخير والأساطير، الأرض ذات التاريخ العريق الممتد عبر الزمان والمكان والمتجذر في عمق الأرض والتاريخ، أرض الملوك والفتوح والحروب، أرض الصين. إخترنا لكم أسطورتنا لهذا الأسبوع التي تحمل العنوان "مكافاة السماء" التي ترمز الى الثواب والجزاء الذي سيكون في إنتظار من سيبر بوالديه ويرحمهما كما ربياه صغيراً. فهي اذن تحمل دلالات انسانية واخلاقية الهدف منها حث أفراد المجتمع البشري على رد الجميل الى الوالدين ورعايتهما وعدم التذمر من خدمتهما كي يحظى الانسان برضى الخالق اولاً ثم جزيل ثوابه ومكافأته ثانياً كما حدث لبطل هذه الأسطورة الشاب طونج يونج، فلنتابع مستمعينا الأعزة تفاصيل ماحدث لفتانا بعد الفاصل.
مستمعينا الفاضل تحدثنا الأسطورة عن فتى فقير معدم يدعى طونج يونج. كان قد فكر طويلاً قبل أن يترك بيته وينطلق الى الساحة العامة في المدينة حيث يعرض الأرقاء والمدينون أنفسهم للبيع ولم يكن طونج إتخذ هذا القرار عن يأس من سداد دين او رغبة في حياة الرق فقد كان الأمر أبعد من كل ذلك فهناك بين جداران غرفته الحقيرة الضيقة كان جثمان ابيه لايزال يستلقي في سكون لايجد ما يؤدي له مراسيم الدفن برغم كل مابذله طونج من محاولات وجهود ذهبت كلها مع الريح. والحق أن طونج حين خرج يبحث أول الأمر عن ما يمكن أن يمد له يد العون لسد نفقات دفن أبيه لم يكن لديه أمل كبير في أن يجد أحداً فقد كان بالغ الفقر تماماً كما كان أبوه الفقير لايجد سوى الفقراء أصدقاء له. وقد كان هؤلاء الأصدقاء فعلاً من البائسين الذين يعجزون عن تقديم أي عون لطونج الذي كان الألم يملئه وهو يجد نفسه غير قادر على القيام بطقوس دفن الأب الذي عاش حياته في ضيق وتقتير من اجل تعليم ولده والذي عجز في الوقت نفسه عن إدخار قطعة واحدة من النحاس للمستقبل الأسود الكئيب، ومع ذلك أصرّ طونج على القيام بطقوس الدفن التي تعارف عليها الناس وتخليد ذكرى أبيه بإقامة نصب جميل على قبره يليق بوالد طيب حنون. ولم يكن امام طونج لكي يحصل على قطع الفضة سوى طريق واحد رهيب هو أن يبيع نفسه كعبد لأي سيد من الأثرياء. فإنطلق في طريقه الى ساحة الرقيق بعد أن وضع فوق كتفه لافتة تحدد الشروط الباهضة لعبوديته والأعمال التي يمكن أن يؤديها بنشاط وإتقان وفوق مقعد حجري كبير جلس طونج يونج في إنتظار من يشتريه، وما اكثر من مرّ به من رجال راحوا يبتسمون في سخرية وهم يقرأون الثمن الباهض الذي علقه على كتفه وظل طونج يونج جالساً فوق الحجر لايجد من يشتريه.
أحبتنا المستمعين مرت الساعات طويلاً ثقيلة باردة ولا من احد يحاول أن يعرض على طونج ذلك الثمن الذي يبغيه وبدأ اليأس يأخذ بخناقه واحس بحقارته اذ عجز عن الحصول على سيد ليشتريه. ونهض من مكانه ومن عينيه يكاد يتساقط الدمع الغزير وفي ذات لحظة دخل السوق على صهوة جواد أشهب سيد وجيه من سادات المقاطعة يعرف كل أهلها أن لديه من العبيد بضعة آلاف ومن الأراضي إقطاعيات واسعة الأطراف. ووقف السيد يتأمل الشاب وقرأ الرجل اللافتة المعلقة فوق ظهره وعاد وصعّد بصره الى كل جزء من أجزاء جسمه القوية المفتولة العضلات، وراح يتأمل وجهه الباسم السمح ثم إلتفت الى رفيق كان يصحبه وأمره بأن يدفع للفتى الثمن الذي يبغيه. وهكذا أصبح طونج يونج عبداً غير أنه أحس وهو يستسلم لمصيره الجديد أنه قد حقق أعز أمانيه اذ كان اول ما صنع عندما تسلم ثمن حريته أنه إنطلق الى بيته وجهز جثمان أبيه وأعده للدفن وأقام عليه الطقوس الجنائزية في تقى وورع ووضع بين شفتيه الفضة المقدسة وأحرق عرائس الورق بكل أشكالها في النار الطاهرة ثم دعا المنجمين والسحرة ليستخيروا الآلهة في المكان الذي يمكن أن يقام فيه نصب أبيه وليختاروا البقعة التي لايقترب منها شيطان او تنين. وعندما تم إختيار مكان الضريح إنطلق الفتى الى امهر الفنانين فشيدوا قبراً من رخام نقشوا على حجارته أبدع النقوش ثم نثر على جانبي الطريق قطعاً من فضة ونحاس، قبل أن يعود الى الدار ليبدأ جنازة أبيه ويسير فيها في الطريق الى الضريح ليوسدها اللحد بعد أن تمت كل إجراءات الدفن كأحسن ما يشتهي أغنى الأغنياء.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران
عندما أتم طونج يونج اداء العمل الصالح الذي كان يبغيه إنطلق الى سيده الجديد وقد قرر أن يجعل من نفسه خير العبيد. والواقع أن طونج كان أبرز الجميع إخلاصاً لسيده وإتقاناً لعمله ولم يقصر قط في امر أعيد اليه حتى أن السيد قرر في اعماقه أن يسهل له مهمة الحصول على ما يساوي أجر حريته خلال سنوات قليلة يقضيها لديه على ان الإخلاص في العمل لم يشغل طونج يونج الحزن على أبيه الطيب الحنون فلم يكن يترك مناسبة تمر إلا كان يزور قبره ومعه أعواد البخور يحرقها امامه ويقيم الطقوس التي تعودت أسرته القيام بها في مثل هذه المناسبات ويوزع على الفقراء ما يشتريه من فواكه ولحوم بالمال الذي كان الجميع يتوقعون أن يدخره ليجمع منه ثمن عتقه.
وكان لابد للحزن العميق والتفاني في العمل مع الإرهاق المستمر بغير ما يكفي من الغذاء أن ينتهي بالفتى الى مرض منهك يقعده عن أداء كل شيء فإذا به ملقى في فراشه بالكوخ الصغير، بات يوماً يتقلب على نار الحمى ولااحد يرعاه او يهتم به حتى زملاءه لايجدوا من الوقت ما يجعلهم يزورونه وهم يقضون نهارهم كله في المزرعة ويعودون مع الغروب مرهقين لايكادون يحصلون بشيء قط عدا النوم. وهكذا جاء الوقت الذي بدأ فيه تونج يونج يستعد لموت لابد منه وغارت عيناه وأصابته الحمى واح في إغفاءة عميقة طويلة، وبينما كان طونج في إغفاءته اذ رأى في حلمه امرأة حسناء رائعة الجمال تقترب منه وتمد يدها رقيقة الى جبينه وتمرر بأصابعها الرقيقة الطويلة على وجهه. شعر طونج بما يشبه السحر يسري في جسده المنهوك وكأن حياة جديدة قد عادت تتدفق في عروقه التي كانت قد تتقلص وتنهار.
مستمعينا الأفاضل فتح الفتى عينيه واذا هو أمام امرأة حسناء تنحني عليه، لم تكن تختلف عن الحسناء التي شاهدها في حلمه وفي لحظات كانت الحمى قد زالت عنه والحياة الجديدة الرائعة تتدفق في عروقه والحسناء لاتزال تحرك أصابعها على وجهه وجبينه وعينيه وترميه بنظرات رقيقة حالمة فيها سحر فريد عجيب وداخل الفتى شعور لذيذ بالراحة ولكنه كان ممزوجاً بالرهبة وحاول أن يخرج من بين شفتاها كلمات يسأل بها من تكون غير أنها أشارت اليه أن يلزم الصمت وإنطلقت تقول له بصوت كأنه يهبط من السماء: لاتسألني شيئاً، يكفيك انني جئت لأعيد قوتك ولأكون زوجة لك فإنهض معي نصلي للسماء.
وراح طونج يبتسم في سخرية من نفسه حينما طلبت المرأة منه النهوض فقد بقي عدة أيام لايستطيع أن يتحرك على الفراش. احست الحسناء فيما يعتلق في اعماقه فمدت اليه ذراعها ليعتمد عليها في نهوضه ووجد نفسه بالرغم منه يستسلم لها واذا به ينجح في النهوض بل ويجد في نفسه القدرة على المشي والجري والقفز ايضاً، لقد عادت اليه كل قواه ولم يعد يحس ألماً او إنهياراً او ضعفاً. وأدرك الفتى أن الحسناء كانت صادقة فيما وعدت به من إعادة قواه ولكنه لايدري كيف يمكن تنفيذ وعده الآخر بالزواج منها وهو في ذلك الحظيظ من الفقر والبؤس والإمتهان.
وكانت الفتاة احست بما كان يدور بخلده فعادت تربت على كتفه في حنو كبير وقالت له بصوت طاهر نقي: لاتخشى مسؤولية الزواج فسأزودك بكل ما تحتاج اليه!
فتح الفتى عينيه في دهشة وراح ينقل بصره بين أسمالها البالية وملابسها التي بدت فيها هي الأخرى صقيلة ضئيلة كمثيلاتها من بنات الشعب، وهنا شعر بإطمئنان كبير برغم الحيرة التي إنتابته ولم يكد يفتح شفتيه ليتكلم حتى كانت هي أخذت بيديه وجعلته يركع بجوارها ويصلي معها وهكذا أصبحت الحسنات الغريبة النقية زوجة طيعة لطونج يونج.
نعم احبتي الأفاضل سنتعرف في حلقة الأسبوع المقبل بإذنه تعالى على سر هذه المراة التي هبطت على الفتى طونج يونج على حين غرة من السماء بعد أن كان يعاني الأمرين من المرض والفقر واليأس وكيف سينتهي به الأمر معها.
إنتظرونا في الأسبوع القادم إن شاء الله مع برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم، الى اللقاء.