البث المباشر

مزرعة الشيطان ۱

الأحد 30 يونيو 2019 - 14:44 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم، من دواعي سرورنا أن نجدد اللقاء بكم أعزائي المستمعين عند محطة اخرى من محطاتنا الأسبوعية في عالم القصص والحكايات والأساطير التي نسجتها مخيلة الأمم والشعوب لترمز من خلالها الى وجهات نظرها في شأن الكون والمجتمع والحياة، تابعونا أيها الأعزاء عند ما أعددناه لحضراتكم في حلقتنا لهذا الأسبوع.
مستمعينا الأفاضل سنحلق في حلقتنا لهذا الأسبوع في آفاق الأساطير الأفريقية التي كثيراً ما نراها ترتبط بعالم القوى الغربية وغير المرئية وغالباً مايلعب فيها الجن والمردة والشياطين وسواها من الكائنات غير المرئية الدور الأكبر في تشكيل احداث تلك الأساطير كما نرى ذلك في أسطورتنا لهذا الأسبوع التي يبدو أن واضعيها أرادوا من خلالها أن يعبروا عن فكرة أن على الانسان أن يعتمد على القوة والقدرات التي حباه الله بها وأن لايركن الى القوى الأخرى ولايعطيها قياده وخاصة اذا كانت هذه القوى من الجن والمردة والشياطين التي تسعى دوماً لحرف الانسان والإيقاع به وربط مصيره بها فلنتابع معاً إخوتنا الأكارم تفاصيل هذه الأسطورة المثيرة التي تحمل العنوان "مزرعة الشيطان".
أحبتي المستمعين هناك بعيداً قرب قرية إنسالة حيث تجري مياه النيجر الزرقاء تمتد أرض بور شاسعة تحيط بها الغابات من كل صوب، في هذه الأرض كان يقيم شيطان اسمه الجينارو يثير ذكره الرعب في القلوب ويجعل كل من يسير مخترقاً إنسالة في طريقه الى المدينة يسرع الخطى في إضطراب مجنون وكأن من خلفه الموت. وفي ذات يوم وبينما كان فلاح اسمه سابونيومه يمر بالطريق أطل فإذا به يرى أرضاً شاسعة يثير مرآها الدافع لتملكها لموقعها من الماء الذي كان يمكن أن يجعل منها حديقة كالجنة اولا خوف الناس من الجينارو الذي يسيطر عليها ومنذ تلك اللحظة لم يكن بمقدور سابونيومه إخراج فكرة تملك هذه الأرض الشاسعة البور من رأسه فقد غاضه أن تظل دون رعاية في الوقت الذي يستطيع فيه أن يتعهدها بالرعاية والزراعة حتى بلغ به الضيق حداً جعله يصر آخر الأمر على إنتزاع هذه الأرض من الجن اللئيم وزراعتها. ولكن امرأته التي كانت تشعر بالقلق على مصير زوجها إنطلقت الى سحرة القرية تنبأهم بما إستقر عليه رأي زوجها فأحاطوا به جميعاً يمنعونه عن الذهاب ويؤكدون له أن هذه الأرض مابقيت بوراً إلا لأنها ملك للشيطان الذي لايسمح لأنسي قط بالتدخل فيها وإعمارها وما أكثر ما حاول السحرة إثارة الرعب في قلب سابونيومه وما اكثر ما ساقوا له من قصص أشخاص حاولوا إختراق الأرض الجرداء ولكن أسراب الشياطين الحمراء القرون كانت لهم بالمرصاد حيث ألقت بهم خارج حدودها بعد أن شوت اجسادهم بالنار.
نعم اعزائي الأفاضل ورغم كل ذلك ظل سابونيومه مصراً على حرث أرض الشيطان ففي الصباح إنطلق الفلاح الجرئ المغامر تاركاً داره وعلى كتفه فأسه مخترقاً طريق إنسالة بإتجاه الأرض التي إدعى السحرة أنها ملعونة منذ القدم ووقف سابونيومه على حدود أرض الشيطان وقد ملأته الرهبة وأسرع فوضع قدمه داخل الأرض وهو يحدث نفسه قائلاً: أبداً لن أتوقف عن العمل بسبب تلك الأقاصيص السخيفة، فها انا ذا قد إخترقت الأرض دون أن أرى ظلاً للشيطان، ألا ما أحمقها من خرافات. وبضربة واحدة من فأسه شق سابونيومه الأرض وعيناه تدوران حوله خشية أن يظهر الشيطان ومع كل ضربة كان سابونيومه يتوقف بضع لحظات غير أن شيئاً لم يحدث ولم يكن هناك مايدل على وجود احد في ذلك المكان الفسيح حتى اطمأن وبلغت به الثقة حداً بحيث أطلق عقيرته بالصفير والغناء وبينما كان يهوي بالفأس على الأرض لتشقها وتعدها لنثر البذور وحينما غابت الشمس وإختفت وراء الأفق جلس سابونيومه تحت ظل شجرة برية فوق حجر كبير يشرف على الأرض كلها وراح يتأمل في سرور وقد بدا له أنه أصبح مالكها الوحيد.
نعم اخوتنا المستمعين الأفاضل وفجأة انتبه سابونيومه الى صوت رقيق ينطلق غير بعيد عنه ويخاطبه قائلاً: مرحا يا سابونيومه مرحا، يا أذكى رجال القرية، يامن سخرت من كل خرافات السحرة وكنت وحدك على صواب. إنهم يدعون إنني الشيطان فهل يدل صوتي الرقيق على ذلك؟
راح سابونيومه يطل على ما حوله في فزع ولكنه لم يجد أحداً ولا استطاع أن يحدد المكان الذي ينطلق منه الصوت وعاد يسمع من جديد: لكم يؤسفي أنك لاتستطيع أن تراني، اذن لرأيت أني لصغير قزم أكاد لاأبلغ ركبتك طولاً ولأكتشفت أن رأسي خالي من قرون الشياطين، إن جسدي شفاف يا سابونيومه ولكنك بإمكانك أن تحدد مكاني اذا نظرت الى ذلك الغصن القريب فستراه يتمايل كأنما يداعبه النسيم. أنا أجلس فوقه الآن وأتخذ منه أرجوحة صغيرة فهل يعقل أن أكون مارداً عملاقاً كما يزعمون؟
كان الروع يكاد يزول من قلب سابونيومه الذي بدأ يسأل في غير خوف: ومن أنت اذن؟
أجابه الصوت: أنا ألجينارو صاحب الحقل لقد رأيتك تعمل عليه طوال اليوم بقوة ونشاط حتى لقد سارت فيّ الرغبة لمساعدتك خاصة عندما وجدتك شجاعاً تزدري تهديد السحرة وتسخر من خرافاتهم فقررت أن أصنع لك من هذه الأرض البور حقلاً جميلاً مثمراً يمكنك أن تصبح بسببه أغنى الأغنياء.
أجاب سابونيومه: وكيف تستطيع مساعدتي في زرع هذه الأرض وانت صغير ضئيل كما تقول لاتملك من القوة ما يجعلك تحمل الفأس لتضرب هذا التراب وتحرثه؟
أجابه ألجينارو: إطمأن أيها الصديق فما كنت لأستعمل فؤوسك وادواتك الثقيلة ولكن سأدعو أصدقائي الكثيرين الذين يلعبون الآن في الغابات فيأتون سراعاً ويستخدمون تلك الحجارة الكثيرة المسطحة الملقاة هنا وهناك في حرث الأرض. فتح سابونيومه عينيه مدهوشاً بينما اطلق ألجينارو نداءاً غريباً حاداً يشبه صفير الريح ولم يكد ينطلق حتى إهتزت الأرض من تحته وأمامه واذا بالحجارة ترتفع وتنخفض وحدها تشق الطين وتحرثه ببراعة وإتقان. وهنا صاح الفلاح حائراً: أين انت يا ألجينارو؟ إن مشهد الأرض وهي تتحرك ليذهلني ويدهشني ويجعلني أتمنى أن أراك؟
أجابه ألجينارو: ها انا ذا واقف الى جوارك أنضح عرقاً كما ينضح من حولي من الأصدقاء ولكننا مع ذلك سنظل نعمل طوال الليل حتى اذا ما بزغ الصباح رأيت الأرض محروثة معدة ولعلك بعدئذ ستصفق طرباً لأنك لم تخشى الشيطان الذي هددك به الأغرار والجهلاء من سحرة قريتك.
أجاب سابونيومه في سرور: أجل أجل ياصديقي العزيز، انا فرح فعلاً اذ أراك تمد لي يد العون وتحرث الأرض بكل هذا النشاط والقدرة ولكن أخبرني لماذا تركتها بوراً وانت تحسن وأصدقاءك مثل هذا العمل العجيب؟
أجابه ألجينارو: نحن لسنا بحاجة الى الثمار والخضرة كما تحتاجون اليها يامعشر الإنس فقوام حياتنا الهواء الذي جعل أجسادنا شفافة كما ترى ونحن مع ذلك لانحب العمل بل عملنا من اجل أن نسرك أنت وحدك. وإننا لانعاهدك أن نستمر في مساعدتك في كل المناسبات.
إنتصب سابونيومه قائلاً: شكراً جزيلاً ياصديقي إلجينارو وإني لأقسم اني سأظل صديقاً لك مدى الحياة.
أجاب ألجينارو: اذن ضع يدك في يدي ولنقسم معاً على الوفاء.
شعر سابونيومه بما تشبه اليد تصافحه وتهز كفه واحسّ برعشة غير أنه غمره الفرح وهو يجد نفسه في الطريق السريع نحو السراب.
إنتظرونا عند القسم الثاني من إسطورة مزرعة الشيطان الأفريقية في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى حيث سنتعرف معاً على المصير الذي ينتظر الفلاح سابونيومه مع الشياطين الذين بدوا متعاونين معه مسرورين بمساعدته، ولكن مستمعينا الأفاضل هل سيستمر الوضع على هذه الحال أم أن هناك مفاجئات بإنتظاره؟ حتى ذلك الحين وموعد آخر مع برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نترككم أيها الأحبة في رعاية الله وحفظه والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة