بسم الله الرحمن الرحيم أحبتي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم، من دواعي سرورنا أيها الأحبة أن نجدد اللقاء بكم عند محطة اخرى من محطاتنا الأسبوعية التي نتوقف عندها لنتجول في أرجاء حكايات الشعوب وأساطيرها وما تحمله من خفايا وأسرار تعكس طبيعة رؤية الانسان الى الظواهر الكونية المختلفة من حوله، تابعونا إخوتنا المستمعين.
أيها الأحبة الأكارم ها نحن ذا نواصل التجوال معكم عند تفاصل اخرى من أسطورة رحلة الى الآخرة المصرية المختلطة بالكثير من ممارسات السحر والشعوذة التي عرف بها الفراعنة وذلك حسب تصورهم لمفهوم الخوارق والمعاجز وإلا فإنا كمسلمين لانؤمن بأن السحر من شأنه أن يأتي بالخوارق والمعجزات وإنما هو مجرد خدع وإحتيال على حواس الانسان ومداركه. كما أشار تعالى في محكم كتابه المبين مؤكداً على هذه الحقيقة "وأوحينا الى موسى أن ألقي عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون" حيث وصفت هذه الآية بأن السحر الذي يمارسه السحرة ماهو إلا إفك وكذب وإفتراء على الواقع ومنافاة للحقائق الثابتة. وهنالك آية اخرى أعزائي المستمعين ذكرت بصراحة تلك الحقيقة وإن السحر هو مجرد خدع بصرية يقوم بها الساحر لتحقيق غايته الشريرة من خلال إثارة الرعب والخوف بين الناس وإلا فإن السحر لاحقيقة له في الواقع حيث قال تعالى في محكم كتابه الكريم في سورة الأعراف في الآية السادسة عشرة بعد المئة "قال ألقوا فلما ألقى سحروا أعين الناس وإسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم" صدق الله العلي العظيم. على أي حال مستمعينا الكرام فإن الحضارات القديمة كانت تقوم على الكثير من الأسس والمفاهيم المتنافية مع تصور الأديان السماوية للكون والحياة ومنها حضارة الفراعنة التي نقوم بإستعراض بعض من أساطيرها لبيان مدى إمتزاج الفكر الديني لهذه الحضارات مع الخرافات والشعوذة ومفاهيم الشرك البعيدة كل البعد عن مفاهيم الأديان الإلهية في خلوصها ونقاءها.
مستمعينا الأكارم والآن نعود الى الأسطورة حيث تركنا سنوزريس وقد طاف بأبيه في جولة في عالم الآخرة ليواجه المزيد من المغامرات والتحديات بعد ذلك حيث تحكي لنا الأسطورة أن الإبن سنوزريس ظل يقدم الخوارق كل يوم الى اهل الأرض. وفي ذات يوم وبينما كان فرعون جالساً على عرشه في منفيس بين مستشاريه وقواده وكبار موظفيه دخل الحاجب يعلن وجود مشعوذ حبشي بالباب يبغي المثول بين يدي فرعون ويزعم أنه يحمل رسالة مختومة، وعندما أذن الملك دخل القاعة ثم سلم وقال: أنا قادم من بلادي أيها الملك لأسأل هل بإستطاعة احدكم أن يقرأ القصة المدونة في الكتاب الذي أحمله من دون أن يفظه؟ لو أن أحدكم إستطاع فسأعود الى بلادي بلاد الزنوج لأقول إن علماء مصر هم خير علماء الأرض واما إن عجزتم وعجز علماءكم عن ذلك فسأعلن أن مصر بلد متأخر لايعيش فيه سوى الجهال والأغبياء. وأحس الملك والجميع كأن الأرض تميل بهم وهتفوا جميعاً قائلين: كيف يمكن لعالم او كاتب مهما برع في فهم النصوص الغامضة أن يقرأ قصة في كتاب من دون أن يفظه؟ غير أن فرعون كان يخشى أن توصف بلاده بالجهل والتأخر فأرسل الى ولده سانتي كبير السحرة يستدعيه، وحضر الإبن وسجد لأبيه وقال له: أسمعت ياولدي ما قاله الساحر الحبشي؟ إنه يتحدى كل علماء مصر، أن يقرأ القصة في الكتاب الذي يحمله دون أن يفظه. وهنا أجاب سانتي: ياصاحب الجلالة ما من احد يتمتع بالقدرة على أن يقرأ كتاباً دون أن يفتحه، ومع ذلك أمهلني عشرة أيام أتدبر خلالها كيف أمنع الزنوج أن يتهموا بلادنا العزيزة بالجهل والتأخر، وافق الجميع على الإنتظار وأعدت للساحر الحبشي غرفة ينزل بها حتى يعقد الإجتماع المنشود ويرد فيه سانتي على هذا التحدي الغريب.
نعم مستمعينا الأفاضل دخل سنوزريس على أبيه فوجده يتقلب كمن يرقد فوق جمر وهنا سأل الإبن أباه: ما بك ياأبتي؟ بح لي بسر ألمك وانا كفيل بأن أبدد أوجاعك وآلامك.
فقال الأب: دعني يا سنوزريس إن ما بي لايتعدى قدرة الصغار على تخفيف الآلام والأوجاع وحتى لو كانوا يعلمون ويجيدون كل أصول السحر. ولكن الإبن لايزال يلح ويحلف حتى أضطر سانتي آخر الأمر أن يقص عليه قصة الساحر الحبشي وتحديه لكل اهل مصر، حتى فرعون نفسه. ولم يكد سنوزريس أن يسمع القصة حتى برقت عيناه ببريق غريب ثم إنفجر ضاحكاً في صخب أثار تعجب سانتي فراح يقول له: ماالذي يضحكك كل هذا الضحك ياولدي؟ أوتسخر مني؟ فأجابه: انني أضحك لأن الهموم التي تهدد قواك لم يسببها سوى هذا الأمر التافه الضئيل. إنهض ياأبت ولك مني العهد بأن أقرأ قصة الحبشي كاملة دون أن أفظ كتابه!
وقف سينوزريس يرد التحدي قائلاً: ها انا ذا ياأيها الحبشي أمام سيدك وسيدنا فرعون العظيم أتلو كل حرف من قصة الكتاب الذي تخفيه تحت ثيابك واذا نجحت في مهمتي فإياك أن تنكر عليّ ذلك. إنحى الحبشي أمام سينوزريس وقد احس بشيء من الرهبة وساد القاعة صمت رهيب، فرعون والأمراء والكهنة والقادة وأفراد الشعب كلهم كانوا في إنتظار كلمة النصر المعلقة على شفتي سينوزريس الصغير.
أهلاً بكم من جديد أيها الأحبة ما زلتم تستمعون الى برنامج حكايا وخفايا من طهران.
مستمعينا الأفاضل بدأ سينوزريس يتلو قصة الساحر الحبشي قائلا: هي قصة مجهولة جرت حوادثها في عهد الفرعون سياأمون وفي ذلك العهد كان ملوك الحبشة اعداء مصر وكانوا يتحينون الفرص للنيل منهم وقد إجتمع مرة ثلاثة من سحرة الأحباش الماهرين وأخذوا يبحثون عن وسيلة لإهانة مصر وإذلال شعبها.
قال الأول: إن بإستطاعتي أن أرمي مصر بسحر يغرقها في الظلمات الدامسة ثلاثة أيام وثلاث ليال دون أن يتسلل اليها خيط واحد من النور.
وقال الثاني: أما انا فبمقدوري أن أرمي مصر بسحر يجلب كل مافيها من حقول لسنوات ثلاث.
وقال الثالث: وأنا بإمكاني أن أرمي مصر بسحر ينقل ملكها من الحبشة حيث يجلد علناً خمسمئة جلدة ثم يعود الى بلاطه في أقل من ست ساعات.
وصفق ملك الأحباش للإقتراح الثالث فقد إستهوته فكرة جلد فرعون مصر وإذلاله هو ومملكته وسأل الساحر عن اسمه فأجاب: أنا نازي إبن السيدة زنجاو.
وهنا امره ملك الأحباش قائلاً: نفذ إقتراحك الخارق يانازي وأنا أعدك بحق آلهتي أن أصونك من إنتقام فرعون وأغدق عليك بأنفس الهدايا.
وعندئذ صنع نازي محفة من شمع محمولة على أكتاف أربعة حمالين قم تلا تعاويذ جعلت الحياة تدب في الحمالين الأربعة حيث خاطبهم قائلاً: إنطلقوا في الحال الى مصر واحضروا ملكها على المحفة أمام ملكنا العظيم وبعد أن يجلد خمسمئة جلدة عليكم أن تعيدوه الى بلاطه في أقل من ست ساعات.
وطار الحمالون الأربعة الى مصر بقوة السحر وعندما بلغوا القصر راحوا يتلون تعاويذ أغرقت كل حرس البلاط في نوم عميق ثم حملوا الفرعون سياأمون في المحفة ثم نقلوا الى قصر ملك الحبشة حيث إنهالوا عليه بخمسمئة جلدة ثم عادوا به الى بلاطه قبل أن تمضي الساعات الست.
أحبتنا المستمعين وفي الصباح أفاق فرعون محطماً منهكاً وأحس كأن النار تلتهم جسده ثم دعا رجال بلاطه وقال لهم: ما الذي حدث في الليل لقد حملت في محفة الى خارج القصر؟
بهت أفراد الحاشية وتبادلوا النظرات وقد ظنوا أن الجنون قد أصاب الملك وأدرك فرعون ما يدور في خلدهم فكشف عن ظهره الذي ألهبته السياط وإقترب كل رجال البلاط من الملك يتفحصون آثار السياط التي تركت جروحاً بالغة في ظهر الملك. وكان بين رجال البلاط ساحر يدعى بنيشي ماكاد يرى آثار الجلد حتى صاح قائلاً: إنه سحر الزنوج يا صاحب الجلالة ولكن وحقك يامولاي وحق أمون وراع وبتاح لأنزلن بهم عقاباً ما خطر على بال أحد جزاء مافعلوا!
وإستعاذ بنيشي بطلاسمه وتعاويذه وصلى لتوت رب السحر فمنحه سحراً عظيماً، وعندما حلّ الليل سلط نازي سحره ليعيد الكرة مع فرعون ولكن دون جدوى وأما بنيشي فقد سلط سحره الخارق على ملك الزنوج فنقله ليلاً الى مصر حيث جلد امام فرعون وكل سكان مصر بضعة آلاف من الجلدات، كرر بنيشي سحره ثلاثة أيام متتالية حتى ثار ملك الأحباش ودعا نازي وقال له متوعداً: أنت سبب المصائب التي حلت بي وعليك أن تنقذني من سحرة مصر وإلا لن يكون رأسك فوق عنقك متى أصبح الغد.
أجاب نازي: سمعاً وطاعة يامولاي، سأذهب بنفسي الى مصر لأنازل خصمي الساحر المصري في عقر داره!
وهكذا تلاحظون مستمعينا الأفاضل كيف كان الملوك القدامى للحضارات التي قامت على إستعباد الشعوب وإستغفالها، يستغلون الأساليب الرخيصة ومنها السحر والشعوذة بالنسبة للملوك الفراعنة لتحقيق مآربهم السياسية منطلقين من تنافسهم المحموم مع الدول الأخرى في سبيل دفع شعوبهم الى خوض المعارك والحروب الطاحنة ضد تلك الدول والحضارات الأخرى وإستغلالها في تحقيق نزواتهم.
سنواصل مستمعينا الأكارم سرد ما تبقى من تفاصيل هذه الأسطورة المصرية العجيبة في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى لنرى نتيجة تلك المنازلة الكبرى بين سحرة مصر ونظرائهم من الحبشة. فحتى ذلك الحين نستودعكم العلي القدير وكونوا في الإنتظار لحلقة اخرى من سلسلة حلقات حكايا وخفايا التي تستمعون اليها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم سالمين وفي امان الله.