بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم يسرنا أن يجمعنا بكم لقاء جديد عند محطة اخرى من برنامجكم الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا حيث الخفايا الطريفة الكامنة وراء حكايا الشعوب وأساطيرها، ندعوكم اخواتنا المستمعين لمتابعتنا عبر ما أعددناه لكم لهذا الأسبوع.
مستمعينا الأفاضل من الثابت تاريخياً أن المصريين برعوا في السحر كما يؤكد القرآن الكريم ذلك حتى تحول الى علم يتقنه السحرة ويتفننون فيه وأصبح لهؤلاء السحرة النفوذ الأكبر والمقام الأسمى عند الفراعنة حيث كانوا يدعونهم لتأويل أحلامهم والإنتصار بهم على اعداءهم بخارق ما يقدمون من معجزات وقد روى لنا تراث الحضارات الفرعونية الكثير من القصص والأساطير في هذا المجال ومنها الأسطورة الشيقة المسماة "رحلة الى الآخرة" التي سنتابع تفاصيلها معكم عبر ثلاث حلقات من عمر البرنامج راجين أن تروق لكم وتحظى بحسن إصغاءكم ومتابعتكم.
مستمعينا الكرام تحكي لنا هذه الأسطورة أن أبناء بعض الملوك قد نبغوا هم أيضاً في السحر حتى أقيمت لهم التماثيل وكان من بينهم بطل هذه الأسطورة سانتي الذي كشف خلال رحلته نحو العالم الآخر عن سر يوم القيامة والحساب عند قدماء المصريين. وتفيد الأسطورة بأن سانتي إبن الفرعون أوزيناريس لم يكن ليعرف السعادة قط رغم العلم الخارق الذي وهبه له الإله بتاح والحكمة والمهارة والبراعة في السحر، وكان عقمه هو سر تعاسته ولم تستطع زوجته الأميرة ماهي إنجاب ولد يخفف عنهم شقاء الوحدة وما عرفت رموزه السحرية ولا الطقوس والتعاويذ كيف تمنحه القدرة على إنجاب ولد بعد أن حرمته عليه الآلهة.
نعم احبتي ومع ذلك فما كفت ماهي قط عن الصلاة للإله بتاح رب مانسيس والإبتهال اليه أن يجود عليها بولد ولم يحتمل قلب الإله بتاح كل تلك الآلام التي تعتمل في قلب المرأة التي تقدم له كل يوم عشرات القرابين فأخذته بها شفقة رقيقة حانية فأرسل اليها رسله تهتف في أذنها إذ تملكها النعاس وهي تصلي في المعبد "أبشري يا إبنة فرعون الآله لاتنسى عبيدها المخلصين. ها هم قد إستجابوا لصلواتك" وفي ذات اللحظة سمع سانتي في نومه هاتفاً يهتف به "ياإبن فرعون ستضع امرأتك طفلاً سمه سنوزريس ولتهنئ مصر بالخوارق التي سيأتي بها لكل الناس". وهكذا كان الإله بتاح عند وعده فما مضت أيام حتى كانت ماهي قد وضعت طفلاً سماه أبوه سنوزريس، لم يكد يرى النور حتى هتف بإسم بتاح ثم هوى ساجداً يصلي.
وفي ذات يوم وبينما كان سانتي يترسل على سطح بيته والى جواره ولده سنوزريس شق السكون صوت عويل يرتفع في الطريق تختلط به أهازيج موسيقى الموت فأطل سانتي فإذا مأتم رهيب لواحد من الأغنياء يشيع الى مدفنه الأخير في موكب فخم يزيد جلاله شجو الألحان التي تسير معه حتى مقابر منفيس. مضت لحظات واذا ميت آخر يعبر الطريق ملفوفاً بخرقة يشيعه بضعة أفراد من ولده الى خارج منفيس بغير موسيقى ولا إحتفال ولا موكب، هتف سانتي وهو يرفع عينيه نحو السماء يا أزريس يا أيها السيد العظيم القدرة في العالم الآخر أكتب لي دخول دار الأموات في عظمة وجلال كهذا الغني ولاتحرمني شجو الموسيقى وندب النادبين كما حرمت هذا الفقير. هنا نظر اليه ولده سينوزريس طويلاً ثم قال: يا أبت إنني لاأتمنى لك أن تموت ميتة هذا الفقير لاميتة ذلك الغني! فأجابنه والده سانتي معاتباً: لكم تؤلمني ياولدي، أهذا دليل حبك لأبيك؟
فأجابه الصبي: إن شئت ياوالدي أطلعتك على مصير كل منهما في الآخرة، الغني الذي بكاه الناس والفقير الذي لم يجد من يبكيه!!
مستمعينا الأفاضل عند ذلك أمسك سينوزريس بيد أبيه وأخذ يتلو تعويذة بدت غريبة حتى على أبيه الساحر العظيم ثم إنطلق به يقوده الى جبل منفيس حيث هبطا معاً في فجوة ضيقة بين الصخر. وماكادا يهبطان حتى وجدا نفسيهما في قاعدة قادتهما الى اخرى أكثر سعة ثم الى ثالثة تزيد إتساعاً عن كل قاعات قصر الفرعون نفسه. وهنا شهد سانتي جماعة مزدحمة من الناس فيها الفقير والغني والوضيع والرفيع والجميل والقبيح. وعاد سينوزريس يقود أباه ويجتاز به الباب الى قاعة رابعة حيث شهدا قوماً مولين وعلى ظهورهم حمير تأكل وقوماً آخرين يمدون أيديهم الى الطعام المعلق فوق الظهور فلا يستطيعون اليه سبيلاً حيث تقف دونهم حفر يحفرها قوم آخرون تتسع وتتسع وتحول بينهم وبين الوصول الى الزاد. ثم إجتازا معا القاعة الرابعة الى الخامسة وشهد سانتي باب القاعة يرتكز على عين رجل راح يستغيث ويصرخ ومن خلفه ناس يبكون ويلحون في طلب الدخول فلايسمح لهم أبداً.
نعم أحبائي وكان لابد لسانتي وولده أن يطئا الرجل المنطرح تحت الباب كي يدخلا القاعة الخامسة وكان ذلك جزءاً من العقاب الذي قدر له وهو أن يطأه كل الأموات الذين يجتازون قاعات العذاب الى مواضع السعداء. وأخيراً بلغا القاعة السادسة وشاهد سانتي محكمة الموتى منعقدة، يرأسها القاضي الأكبر أوزيروس سيد الدار الاخرة متربعاً على عرش من ذهب وفوق رأسه تاج مزين من جانبيه بريشتي نعام والى جوار أوزيرس كان يتربع الإله أنوبيس والإله توت وحولهما من الشمال واليمين إثنان وأربعون قاضياً من الآله تكتمل بهم هيئة المحكمة ورأي سانتي في وسط القاعة ميزاناً توزن فيه الحسنات والسيئات حيث يستجوب أنوبيس الميت ويدوّن توت أجوبته فمن رجحت حسناته السيئات قاده الآله المحيطون بأوزريس الى جنة الأموات الصالحين حيث يتمتع بالسعادة الأبدية وأما من رجحت مساوئه حسناته فإنه يسلم الى الكلبة المفترسة لسيد الآخرة المستلقية تحت قدميه لتمزيق كل محكوم عليه بالعقاب.
وتفرس سانتي في آلهة العقاب واذا فمها فاغر كأتون ومخالبها حادة كالسكين ورأسها مدبب كالتمساح وجسمها بشع كالتنين. وبينما كان يتأمل آلهة العقاب اذا به يلمح رجلاً نبيل الطلعة يرتدي ثوباً من كتان فاخر يقف الى جوار أوزريس، وهنا سأل سانتي ولده عما يكون هذا الرجل. فأجاب: هذا هو الفقير الذي رأيته مكفناً بخرقة بالية ومحمولاً بلاموكب الى خارج منفيس، إنه نفسه الذي تمنيت يا أبي أن لاتموت ميتته. لقد مثل الآن امام محكمة الموتى فرجحت حسناته على سيئاته لقد تعذب كثيراً في الأرض ليسعد طويلاً في السماء ولكي تتم سعادته فقد خلع أوزريس عنه كفنه الممزق وألبسه كفن الغني الذي رأيته مشيعاً بحفاوة الى مقبرة منفيس. وهذا الغني هو نفسه الذي وطأت قدماك عندما دخلت القاعة وكان محور الباب مرتكزاً في عينه اليمنى يفريها كلما فتح او أغلق فقد حكم هذا الغني فرجحت سيئاته حسناته وحكم عليه بالعقاب الصارم. وهكذا ترى ياأبي أنني تمنيت لك في الأرض ميتة الفقير لاميتة الغني لأنني كنت أعلم مصير كل منهما في الاخرة.
وهنا سأل سانتي ولده: لقد رأيت يابني في دار العقاب ما أدهشني، فهل يمكنك أن تخبرني عن هؤلاء الذين رأيناهم مولين وعلى ظهورهم تأكل الحمير؟ وعن أولئك الذيم لايملكون سبيلاً الى الزاد بسبب الحفر التي تزداد وتتسع تحت أقدامهم؟
أجاب سينوزريس: أجل ياأبتي. الأولون هم أبناء هذه الأرض الذين لعنتهم الآلهة يعملون ليل نهار ليضمنوا بقاءهم فتتحول نساءهم الى حمير نهمة تنهب أموالهم وتأكل على ظهورهم وأما الذين يمدون أيديهم عبثاً الى الطعام فهم أولئك الذين إستأثروا بخيرات الأرض وما شبعوا فعُقبوا بالحرمان جزاء حرمانهم الآخرين. وما كاد سينوزريس ينتهي من شرح ما عمي على أبيه حتى اخذ بيده ليعود به الى الأرض من جديد.
مستمعينا الكرام سنتابع بإذن الله المزيد من تفاصيل هذه الأسطورة الفرعونية التي تعكس وجهات نظر المصريين القدامى وتصوراتهم حول الآخرة وما ينتظر الإنسان فيها في حلقة الأسبوع المقبل من برنامج حكايا وخفايا والذي يأتيكم دائماً من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نشكركم على طيب المتابعة والإصغاء والى اللقاء.