البث المباشر

أسطورة انوبيس وباتا ۲

الأحد 30 يونيو 2019 - 14:26 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم واهلاً بكم يسرنا أعزاءنا المستمعين أن نجدد اللقاء بكم عند واحة غناء اخرى من واحات الحكايا والأساطير عبر برنامجكم حكايا وخفايا حيث سنكمل المشوار في رحاب القسم الثاني والأخير من أسطورة الأخوين باتا وأنوبيس المصرية، ندعوكم لمرافقتنا.
مستمعينا الأكارم بعد أن ودع باتا أخاه أنوبيس شد الرحال بإتجاه وادي الأرز وأقام لنفسه كوخاً بين شجرتين وإختار شجرة عالية الأغصان وأخفى قلبه في زهرة من أزهارها وكان يقضي يومه في الصيد وإعداد الطعام والثياب لنفسه. ولما رأته الآلهة وحيداً عطفت عليه وصنعت له زوجة جميلة أقامت معه في كوخه وأحبها حباً شديداً وأخلص لها ولكن طلب منها طلباً واحداً فقط وهو أن تمكث في المنزل ولاتخرج منه الى البحر إلا اذا كان معها حتى لايحملها البحر بعيداً وأخبرها بأن قلبه في زهرة من أزهار الأرز.
في اليوم التالي خرج باتا للصيد وبعد قليل لبست زوجته أفخر ثيابها وتزينت أحسن زينة وتعطرت بعطر زكي وسارت الى البحر وما كادت تصل الى شاطئه حتى إرتفع من البحر عمودان من الماء وصارا مثل الذراعين وإمتدتا اليها بسرعة وطوقاها وجذباها الى الماء فصرخت صراخاً عالياً سمعه باتا الذي كان في غابة قريبة من البحر فجرى نحوها ورآها تحاول أن تخلص نفسها من هاتين الذراعين ولكنها لم تستطع فأمسكها بيديه القويتين وجذبها جذبة شديدة طارت بها بعيداً عن البحر ولم يأخذ البحر منها إلا خصلة صغيرة من شعرها سقطت فيه وهي تحاول التخلص منه. طفت خصلة شعرها على وجه الماء حتى وصلت الى شاطئ مصر ودخلت مياه النيل ففاح عطرها وملأ الجو شذاها حتى وصلت الى قصر فرعون فأخذ يبحث عن مصدر هذا العطر الزكي حتى عرف أنه خصلة شعر تطوف فوق الماء فأمر بإحضارها ولما نظر اليها شغل قلبه بحب صاحبتها وأحضر الوزراء والكهنة وأمرهم أن يبحثوا في كل مكان عن صاحبة هذه الخصلة.
خرج رسل فرعون يبحثون في كل مكان حتى وصل بعضهم الى وادي الأرز وهناك رأوا هذه المرأة الجميلة وعرفوا أنها صاحبة الخصلة. حينما نظروا الى شعرها وأرادوا أن يحتالوا عليها ليأخذوها الى فرعون ولكن باتا عرف حيلتهم وهجم عليهم بسلاحه حتى أثنى أكثرهم وهرب الباقون وعمدوا على مصر يقصون ماحدث لهم ويتحدثون عن جمال المرأة التي لم يروا مثله من قبل فإزداد فرعون حباً لها ورغبة فيها وأعدّ جيشاً كبيراً وأمره أن يذهب الى وادي الأرز في بلاد الشام ليحضرها. وصل الجيش الى وادي الأرز وقامت حرب شديدة بينه وبين باتا وأخيراً عثر الجيش على الكوخ الذي تقيم فيه زوجة باتا وقدم لها القائد هدية ثمينة من الجواهر والحلي وحدثها عن حب فرعون لها وأخبرها أنها لو سارت معهم راضية الى مصر فستكون ملكة عظيمة بل أعظم ملكة في الدنيا لأنها ستكون ملكة مصر سيدة البلاد والممالك.
إغترت الزوجة بما سمعت ونسيت أنها زوجة باتا الذي أحبها وأخلص لها ووقف امام الجيش الكبير يعرض نفسه للموت من أجلها ورضيت بالهروب مع الجيش الى مصر وسارت معهم طائعة مختارة ولما وصل خبر قدومها الى فرعون أمر أن تقام الزينة في قصره إحتفالاً بها وخرج بنفسه لإستقبالها مع رجال دولته ثم أعلن في البلاد أنها ملكة مصر وكافأ القائد الذي أحضرها ومضت عليها أيام وشهور وهي سعيدة بالملك أعظم سعادة لكنها كانت تخشى في نفسها باتا الذي كانت تعلم أنه قوي وأنه لايرضى أن يُهزم. وهكذا أرادت أن تتخلص من باتا لتتم لها السعادة فتذكرت ما أخبرها به عن قلبه ففي المساء عندما جلس معها فرعون ذكرت باتا زوجها الأول وأخذت تتحدث عنه بما يشعر الملك أنه رجل مخيف محب للإنتقام والأخذ بالثأر ثم أخبرته بعد ذلك أنه يسهل قتله والتخلص منه لن قلبه في زهرة بأعلى شجرة في وادي الأرز واذا أرسل مولاها من يقطع هذه الشجرة تخلص من عدوه الى الأبد.
وفي الصباح إختار الملك عدداً من الجنود وأمرهم أن يتجهوا الى وادي الأرز ويبحثوا عن الشجرة ثم يقلعوها من جذورها. وصل الجنود الى الوادي وصاروا يبحثون عن الشجرة حتى وقفوا امام أعلى شجرة في الوادي وقالوا إنها هي التي يريدها فرعون فأمسكوا فؤوسهم وأخذوا يضربون الشجرة ومضت عدة أيام في هذا العمل حتى إستطاعوا قطعها وطرحهاعلى الأرض ووقع قلب باتا كأنه ثمرة جافة، وحينما سقطت الشجرة على الأرض كان انوبيس يمسك بيده كأساً مملوءة بعصير فواكه ييد أن يشرب مافيها ولكنه فجأة رأى العصير يفور ويفور ويرتفع فوق الكأس ويتساقط على الأرض فصرخ صرخة عالية وقال: هذه العلامة لقد حدث لباتا شر عظيم !!!
قام انوبيس من ساعته يقصد الوادي وبحث أياماً وشهوراً سنين وهو لاييأس ولايشعر بالتعب وأخيراً عثر على قلب أخيه بين كومة من الأوراق الجافة كاد يطير من الفرح واخذ القلب بيده ووضعه في إناء كبير مليء بالماء المثلج وتركه فترة قصيرة فإذا به يجد القلب يتحرك وينبض ثم ينمو شيئاً فشيئاً حتى وقف امامه باتا كما عرفه بلحمه ودمه وإحتضن كل منهما الآخر وقبله وتعانقا طويلاً ثم قال باتا لأنوبيس: أشكرك اعظم الشكر والآن سأصير ثوراً عظيماً لامثيل له في البلاد فإركبني فستكون عند شروق الشمس أمام قصر الملك وسيقدم لك الملك مكافئة عظيمة فخذها وعد الى قريتك.
رأى الملك الثور امام قصره فإمتلأت نفسه إعجاباً به وبمنظره الذي لم ير مثله من قبل وقدم لأنوبيس مكافئة كبيرة فأخذها وإنصرف.
أعد الملك للثور حظيرة خاصة وجعل له خدماً مخلصين يخدمونه وفي احد الأيام أرادت الملكة أن ترى هذا الثور فزين لها الطريق ووقف الجنود لإستقبالها عند باب الحظيرة وأقبلت في كامل زينتها ودخلت الحظيرة وما كادت تقع عينها على الثور حتى كشف لها عن نفسه فرأت باتا امامها فإمتلأت رعباً وخوفاً وإرتعدت أوصالها حتى خافت عليها حاشيتها وظنوا أن مرضاً مفاجئاً أصابها فأحضروا لها العربة الملكية واعادوها الى القصر مريضة خائرة القوى.
شغل الملك بمرض الملكة واصبح لايفكر إلا في شفاء الملكة أما هي فلم تكن مريضة بل خائفة من بطش باتا الذي أصبح يقيم قريباً منها وبعد تفكير طويل دعت اليها كبير السحرة وأعطته اموالاً كثيرة وإتفقت معه أن يقول للملك بان شفاء الملكة لايتم إلا اذا اكلت قطعة من قلب هذا الثور. فرح الملك عندما عرف دواءاً لشفاء الملكة وإن كان هذا الدواء قلب هذا الثور العظيم فذبحه في الحال وأكلت الملكة قلب الثور وإنتفضت من فراشها سليمة وكأنها لم تمرض ففرح الملك وأقام الإحتفالات ووزع الهدايا وقدم القرابين للآلهة ولكن تشاء الأقدار أن تطير من دم الثور قطرتان تقعا في حديقة القصر فنبتت مكانهما نخلتان جميلتان ليس في البلاد تمر مثل تمرهما. وذات يوم جلست الملكة تحت ظلهما ومدت يدها الى رطبة جميلة وغسلتها ووضعتها في فمها فإنزلقت النواة الى جوفها وعندئذ رأت باتا وقد ظهر في النخلة وأخذ ينظر اليها واخذ يذكرها بخيانتها وهروبها ثم قال لها: لقد حلت ساعة الإنتقام فالنواة التي بلعتيها ستصير جنيناً في جوفك ينتقم لي منك.
مرض فرعون عقب ولادة الطفل وما لبث أن مات وكبر الطفل وجلس على عرش البلاد وصار ملكاً ولم يكن هذا الطفل إلا باتا نفسه فقرب اليه اخاه انوبيس وأبعد زوجته عن القصر وحرمها ماكانت تعيش فيه من عز وسلطان جزاء خيانتها.
وبهذا نأتي إخوتنا المستمعين الأكارم على ختام هذه الأسطورة الجميلة المعبرة من بلاد وادي النيل والتي تروي لنا كيف يلقى الانسان الشرور جزاء اعماله وكيف ينتقم الله منه جزاء خيانته لمن أحبوه وأحسنوا اليه في الدنيا قبل الآخرة وإن طال الزمن. حتى نلتقيكم عند حكاية اخرى ضمن برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نستودعكم الرعاية الإلهية والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة