بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات واهلاً ومرحباً بكم في هذه المحطة الجديدة التي نجدد من خلالها اللقاء بكم عند حكاية اخرى من حكايات الشعوب عبر برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا. ندعوكم لمتابعة ما اعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع.
أخواتنا إخوتنا من بلاد النيل موطن الحضارات العريقة والضاربة في جذورها في أعماق التاريخ ومن البلاد الحافلة بالحكايا والأساطير حول الموت والحياة. إخترنا لكم إحدى الأساطير الشهيرة المفعمة بالمعاني والدلالات، الملئى بالعبر والدروس بشأن الإنسان وطبائعه وخاصة تلك الفئة من البشر التي جبل طبعها على الغدر والخيانة وكيف أن الأقدار تقف بالمرصاد لهم لتنتقم منهم شر إنتقام ولينتصر الخير والحق في نهاية المطاف فلنتابع معاً إخوتنا وأخواتنا تفاصيل هذه الأسطورة الشيقة عبر القسم الأول منها.
مستمعينا الأحبة تفيد الأسطورة بأن شاباً كان يدعى أنوبيس، كان فلاحاً يسكن قرية صغيرة من قرى مصر القديمة وقد ورث عن أبيه حقلاً خصباً وبضع بقرات وقطيعاً من الغنم. وكان له اخ صغير إسمه باتا وصاه أبوه به عند موته قائلاً: يا أنوبيس إعلم أنك صرت كالأب لأخيك فعامله كإبنك وإطعمه من طعامك وألبسه من ثيابك وأسكنه معك ولاتكلفه عملاً شاقاً ولاتكن قاسياً عليه وسوف تسمع وشاية ضده فلاتصدقها لأنه سيعيش مخلصاً لك وسيكون اخاك الوفي وخادمك الأمين المطيع. أطاع انوبيس وصية أبيه وصار يعطف على أخيه باتا ويعامله بشفقة ومحبة ويفضله على نفسه في كل شيء. وكان باتا على صغره ذكياً نشيطاً محباً للعمل يخرج كل يوم في الصباح الباكر الى الحقل يحرث الأرض او بذر الحب او يسقي الزرع او يجمع الثمر وبقربه البقر وقطيع الغنم ترعى العشب وترقد في ظل الشجر فإذا وجد نفسه خالياً من العمل في الحقل أمسك المغزلة ليصنع ملابس لنفسه ولأخيه وكان باتا يعرف لغة الحيوانات والطيور فإذا جفّ المرعى امام البقر أخبرنه بمكان المرعى فيسوق البقر الى ذلك المكان فتأكل حتى تشبع وتمتلأ ضروعها باللبن وفي المساء يحلب اللبن ويصنع منه طعاماً شهياً لأخيه الكبير ويضع مابقي في آنية نظيفة ليصنع منه الزبد والجبن ثم يحضر الحطب ويشعل النار ليدفئ البيت في الشتاء ويجلس مع اخيه يتسامران حتى يغلبه النوم فيقوم الى الحظيرة لينام بالقرب منها كي يحرسها من اللصوص. سارت حياة الأخوين على هذا النظام عدة سنين وجمعا ثروة كبيرة وتحدث أهل القرية عن وفاءهما وحبهما لبعضهما البعض ثم أن أنوبيس أراد أن يخفف عن أخيه أعمال البيت فعزم على الزواج لتقوم زوجته بخدمتهما وتوفير الراحة لهما وهكذا تزوج انوبيس من فتاة جميلة ولكنها كانت خبيثة ماكرة كثيرة الغيرة والحسد خاصة حين أدركت حب زوجها لأخيه إشتد حسدها وأخذت تفكر في حيلة تفرق بها بينهما. فكانت اذا ذهب باتا ليرقد مع الماشية في الحظيرة تجلس مع زوجها وتقص عليه حكايات تتهم بها باتا وتغرس في قلب أخيه الكراهية وكانت البقرات تسمع الوشاية وفي الصباح تخبر باتا بما سمعته وتحذره من مكر زوجة أخيه وخبثها فكان باتا يحزن ويبكي كثيراً ولكنه لم يحاول تبرئة نفسه حتى لاينغص على أخيه حياته.
وذات يوم اعزائي ذهب الأخوان الى الحقل معاً يحرثان الأرض وبعد قليل نفدت البذور فأرسل انوبيس أخاه الى المنزل ليحضر بذوراً اخرى ولما حمل البذور وأراد الخروج هجمت عليه زوجة أخيه وأنشبت أظفارها في عنقه من الخلف حتى سال دمه وضربته حتى مزقت ملابسه، وكان باتا قوياً يستطيع أن يلقيها أرضاً ولكنه تخلص منها ولم يمد يده اليها بأذى إحتراماً لأخيه. وصل باتا الى الحقل ورآه اخوه مخدوش العنق ممزق الثياب فسأله عن سبب ذلك فأجابه قائلاً: بينما كنت سائراً في الطريق وقع عليّ غصن شجرة كثير الشوك فأصابني. وعندما رجع أنوبيس من الحقل وجد زوجته تبكي فظن أن مرضاً أصابها وأخذ يطيب خاطرها حتى هدأت وأخذت تخبره بأكاذيبها عن أخيه فقالت له: إني ياأنوبيس أعلم انك تحب أخاك كثيراً ولكنه لايستحق حبك فهو ولد شرير فاسد الخلق، لقد رآني وحيدة في المنزل ولاأحد معي فأخذ يحدثني عن حبه لي ويقول إن أنوبيس يكبرنني سناً وأني شابة جميلة وطلب مني أن أدس لك السم في طعامك حتى تموت ويتزوجني هو وقدم لي هذا السم فشتمته وضربته ومزقت ملابسه وأنشبت أظفاري في عنقه وهذا دمه على الأرض امامك. وهكذا أيها الأعزاء جعلته يصدقها فنسي وصية أبيه وصمم على قتل اخيه فأخذ فأسه وإختبأ وراء الباب ليقتله عند دخوله وبعد سويعات عاد باتا خلف بقراته الى المنزل ولما وصل الى باب الحظيرة الذي يقف خلفه اخوه قالت له البقرة الأخيرة: أهرب أهرب وأنجو بنفسك فإن أخاك يريد قتلك.
فولى هارباً وولت الماشية ولن يدخل معها فخرج أخوه من مخبأه يبحث عنه فرآه يجري فجرى خلفه فلم يدركه فدعا باتا الآلهة أن تخلصه من شر أخيه وأن تظهر لأخيه أنه برئ فاجابت الآلهة دعوته وحالت بينهما ببحيرة كبيرة مليئة بالتماسيح وصار كل منهما على جانب مختلف من البحيرة فخاف انوبيس أن يعبرها خلف اخيه وأخذ يتحدث معه من بعيد قائلاً: كيف نسيت اني ربيتك ياباتا وأني كنت لك أباً أفضلك على نفسي وأقدمك على زوجتي؟
اجاب باتا قائلاً: كلا كلا أيها الأخ أحلف لك بحياة راع العظيم أني مانسيت فضلك ولاتغير حبي لك.
لم يصدق أنوبيس كلام أخيه فخاطبه قائلاً له بإصرار: إن الحديث الذي جرى بينك وبين زوجتي اليوم حديث فضيع، تريد قتلي بالسم لتتزوجها بعدي، لقد كذبت عليّ وقلت إن غصن شجرة وقعت عليك فصدقتك ولما عدت الى البيت رأيت دمك على الأرض وقطع ثيابك بيد زوجتي فعرفت أنك كاذب وأنها صادقة!!!
فقال باتا: أقسم لك ياأخي بأنه ماجرى بيني وبينها أي حديث وما قدمت لها سماً كي تدسه لك، إنها تكرهني وتغار مني لحبك اي وكانت كل يوم تحدثك بحديث كذب حتى تغيرني وتبغض قلبك عليّ لتطردني من المنزل وتعيش معك وحيدة وقد أخبرتني البقرة بكل ما كانت تحدثك به وكنت لاتصدقها فلماذا صدقتها اليوم؟ وحياة راع العظيم ما كذبت عليك إلا لأني لاأريد أن أغضبك على زوجتك وأني لاأحب أن أنغص عيشك وحياتك وقد تحملت من زوجتك كثيراً من المتاعب ولم أخبرك لتعيش سعيداً معها والآن لم يعد بمقدوري أن أعيش معكما فسلام عليك وسأبحث لنفسي عن بلاد أعيش فيها.
وهنا مستمعينا الأفاضل سالت دموعه على خده فرقّ له قلب أنوبيس وبدأ يتذكر الماضي ووصية أبيه وندم على تسرعه في الغضب وعلى تصديقه زوجته الخبيثة وصار يناديه: عد يا باتا، عد الى قريتنا لنعيش معاً في سلام كما كنا ولم أصدق كلام زوجتي مرة ثانية!
فأجابه باتا: لاتأسف، لاتأسف ولاتحزن ياأخي لقد عزمت الرحيل الى وادي الأرز وهناك سأعيش وأحيا ولكني أطلب منك طلباً واحداً هو أن تبحث عني في بلاد الأرز وسأضع قلبي في زهرة في أعلى أشجار الأرز فإذا وقع على الأرض مت وستعرف هذا انت عندما ترى كأس الشراب في يدك تفور وتغلي فجأة فعليك حينئذ أن تبحث عن قلبي حتى تعثر عليه وتضعه في ماء مثلج واذا فعلت هذا عدت الى الحياة مرة اخرى.
مستمعينا الأفاضل سنتعرف في الحلقة القادمة بإذنه تعالى على المصير الذي سيكون بإنتظار باتا في بلاد الأرز بعد أن هاجر الى هذه البلاد بسبب وشايات زوجة اخيه وتنكر اخيه له، فكونوا بإنتظارنا والى الملتقى إن شاء الله.