البث المباشر

أساطير البحار والأنهار - ۳

الأحد 30 يونيو 2019 - 12:55 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم أحبتي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم تحية الحب تبعث بها اليكم أعزائي المستمعين ونحن نجول برفقتكم بين رحاب التراث الأسطوري لأمم الأرض وشعوبها حيث القصص والحكايات الحافلة بالمعاني والخفايا التي حاول الإنسان من خلالها تفسير ظواهر الحياة من حوله. ندعوكم أيها الأعزاء لمتابعة الأسطورة التي اعددناها لكم لهذا الأسبوع آملين أن تقضوا معنا اجمل الأوقات.
مستمعينا الكرام من فيتنام بلاد الثوار ورفض الظلم والبلاد التي حطمت الأسطورة الأمريكية على جبالها وشلالات أنهارها وقصب بحيراتها وأنهارها إخترنا لكم أسطورة هذا الأسبوع التي ترمز للسلام والوئام والصفاء بعد أن يحرر الإنسان نفسه من رقة العبودية للآخرين ويطهر حماه من هيمنة الأجانب وسيطرتهم فلنستمع معاً أعزاءنا الكرام الى هذه الأسطورة المعبرة.
تمتد في وسط مدينة هانوي بحيرة تسمى بحيرة السيف الكبير ورغم أن هذه البحيرة ليست بالغة الإتساع إلا انها تشكل مهمة كبيرة في ذاكرة الناس المرتبطين بأرض بلدهم والذين سيحكون لكل واحد منا لماذا سميت هذه البحيرة بهذا الإسم.
كان ذلك حوالي عام ۱٤۱۸ في زمن غزو الجيوش الصينية لمنطقة خليج تونكين ومثل كل الحروب فقد تسبب هذا الهجوم بما يصاحبه من انواع الإرهاب والبؤس فعاش شعب هانوي في ظل الإرهاب وصارت المجاعة خطراً محدقاً. وكانت هناك من جانب الشعب بعض محاولات العصيان غير أنه ما من محاولة بلغت من القوة بما يكفي للتنسيق بين حركات التمرد الصغيرة هذه المبعثرة والمشتتة لتتحول الى حركة كبيرة تلقي بهؤلاء الغزاة الى خارج البلد وبسبب هذه الحرب حدثت شحة في قوت الناس الضروري فإتجه صيادو السمك الى شواطئ البحيرة الصغيرة في قلب المدينة إلا أن السمك صار نادراً مثل كل ما يمكن أكله من فرط تعرضه للملاحقة فكان صيادو السمك يقضون صابرين ساعات طويلة على الشواطئ ليحصلوا من حين لآخر على كميات قليلة من الأسماك. وكان اعزائي المستمعين من بين الصيادين شاب يدعى لولوا، كان هذا الشاب جالساً على شاطئ البحيرة ينتظر بصبر إهتزاز صنارته وعلى حين فجأة إهتزت وحدثت أمامه حادثة غريبة تماماً في الموضع الذي كانت تطفو فيه فلينة صنارته فقد حدث أن ماء البحيرة الهادئ في العادة اخذ بالدوران مشكلاً دوامة حتى بدت البحيرة وكأنها إنسان أخذ يشد عضلاته قبل إنجاز عمل شاق. أخذ لولوا يراقب هذا الغليان فسيطرت عليه الحيرة وكان صيادو السمك الآخرون يراقبون البحيرة والشاب في آن واحد ملتهفين بمعرفة كيف قامت سمكة بإحداث مثل هذه الدوامة. أمسك بعض الرجال بخيزراناتهم وإقتربوا من الشاب قائلين: سنساعدم في إخراج هذه السمكة من الماء ولكن ينبغي إقتسامها فيما بيننا لأن جوعنا وجوع أطفالنا يساعدان بالفعل جوعك وجوع أطفالك. لم يرد لولوا وواصل التحديق في الماء وفي أعماقه كان يحدث ايضاً شيء غامض منعه أن يسمع ما يقال له. كان يلازمه إضطراب عظيم غير أنه إضطراب لذيذ محبب يشبه الى حد ما ماءاً منعشاً فقد أحس لولوا أن قوته تتزايد وصفاء نفسه يتعاظم.
أخذ الماء يدوي على ذلك النحو بضعة دقائق حتى صار قلب الدوامة رقيقاً صافياً فجأة وكأنها إنفجرت من الداخل بفعل لهب حي واذا بسيف طويل من الذهب يخرج من البحيرة وكان هذا السيف متوهجاً وأكثر لمعاناً من إنعكاس الشمس على البحيرة وكانت تحمله سلحفاة ضخمة ظهرت بدورها وأخذت تسبح بإتجاه لولوا وهُرع كل صيادي السمك الى المكان متحيرين ومع لذلك ظلوا على مسافة من الشاب لأنهم أحسوا أن شيئاً خارقاً للطبيعة في طريقه الى الحدوث فكانوا يتأملون ما يحدث أمامهم بكثير الإجلال والتهيب. إتجهت السلحفاة الى الشاطئ ووضعت السيف عند قدمي لولوا قائلة: خذ هذا السيف وإهتم بشعبك، إهتم ببؤسه وضائقته، إسمع شكواه وسوف تفهم عندئذ لماذا جئت. قالت السلحفاة ذلك ثم إبتعدت لتغطس في الماء والى الأبد.
مستمعينا الكرام ما زلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. نعم أيها الأخوة والأخوات كان السيف اللامع لايزال فوق الرمل المبلل حين كان الصمت سيد الموقف. ظل صيادو السمك جميعاً مشدودي الأنظار الى هذا السيف الطويل الذي كان أشبه بقطعة ساطعة من الشمس موضوعاً عند قدمي لولوا وهم مشلولو الحركة متجمدون لرؤية هذا الحدث الخرافي. وتوقع لولوا أن الأمواج التي إرتفعت بظهور السلحفاة سوف تهدأ وعندما إنتهت أعواد القصب على الشاطئ من الهمهمة جثا وأمسك بالسيف ونهض ببطء وإستدار نحو صيادي السمك المتجمعين. كان الضوء الذي يشع من السيف ينير وجهه وينتشر في السواد العميق لعينيه ذرات دقيقة من الذهب حتى بدا أنه يتخضم، رفع لولوا السيف بإتجاه الشمس وهتف قائلاً: أصدقائي هذه إشارة لاينبغي أن نغفل عنها، هذا السلاح مرسل اليّ لكي أقود ثورة تحرير بلدنا، كونوا معي كما سيكون أصدقاءكم ايضاً.
نعم أعزائي الكرام فقد كانت هناك دورية صينية تقدموا نحو المجموعة لتفريقها. زحف لولوا بعزم لمواجهة الجنود ورفع سيفه ليضرب به قائد الدورية فأرداه قتيلاً فيما ألقى صيادوا السمك بأنفسهم على الحنود الذين قذفوا بأنفسهم في بضع لحظات في قاع البحيرة وإنطلقت شرارة التمرد التي قادها الشاب لولوا ولم تمر مدة طويلة حتى طرد الصينيون الى خارج البلاد لأن لولوا إستطاع أن ينظم الأمور ويقذف الشجاعة في قلوب رجاله وكان إبتهاج كل شعب تونكين هائلاً وتم تنظيم مهرجانات كبرى في كل مكان وكان أجملها المهرجان الذي أقيم عند البحيرة في هانوي ذلك لأن الشعب كان قد قرر تتويج لولوا ملكاً.
وإحتفى الناس بهذا الإحتفال كدليل على الإكرام والتقدير وأعلن لولوا أنه سيقدم قرباناً الى البحيرة التي وهبته سيف الثورة وأصدر أشهى الفاكهة واللآلئ النفيسة والمجوهرات النابية ووضع كل هذا في مركب إتخذ فيه الملك مكانه وقاد المجدفون القارب الى وسط البحيرة وهناك عندما نهض لولوا ليقدم قربانه بدا أن السماء الخالية من السحب قد إنشقت فجأة ولم يكن هناك سوى دوي الرعد وكان دوياً هائلاً الى حد أنه لم يسمع مثله في يوم من الأيام وبينما كان القارب المليء بالقرابين الكبيرة يتفجر رأى الناس سيف الملك يترك غمده من تلقاء نفسه ويرتفع في الهواء ويتحول فجأة الى تنين عملاق بلون حجر اليشم وغلف الدخان الأسود المكان وكأنه معطف سميك غير أن الرياح مزقت الضباب وبمجرد أن شاهد التنين الشعب السعيد بأسره حول البحيرة غطس في أعماق الماء وإختفى.
وهكذا اعزائي الكرام أصبح لولوا ملكاً عادلاً وطيباً بالغ التواضع لأنه كان يعلم أن السيف الذي طرد به الصينيين لم يكن سوى روح البحيرة ومن دونه ماكان ليفعل شيئاً وما كانت فكرة إعلانه ملكاً لتخطر على بال أحد غير أن لولوا سأل نفسه قائلاً: ترى لماذا إستعاد روح البحيرة سيفه؟ طرح لولوا هذا السؤال على الشيخ الحكيم فأجابه قائلاً: أحط روح البحيرة بذراعيك لتسمح لك بمساعدة الشعب على تحرير نفسه من الغازي الظالم والآن وقد أصبح شعبك حراً وقوياً وصرت ملكاً يمكنك أن تحرر نفسك من نزعة الفتوحات والتوسع والإعتداء على الآخرين وقد كانت روح البحيرة تعرف بالتأكيد الوسيلة منع الحرب الى الأبد وهذه الوسيلة هي أن لايكون لدينا سلاح ولاجيش وهذا ما سيجعلك عاهل بلاد السلام بعد أن إستعادت منك روح البحيرة سيفك.
وهكذا اعزائي المستمعين عاش لولوا الى أن تقدم به السن وعرف كيف يحمي شعبه من الحرب وعلى سرير موته علّم حكمته لأبناءه وهي ان السلام هو خير هدية منحه الخالق للأرض وأفضل منحة فقدمها للبشر فمن خلاله يمكنهم التعايش مع بعضهم البعض في أمن ووئام وصفاء بعيداً عن ويلات الحروب وشرورها ومصائبها.
أعزائي الكرام من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران إستمعتم الى برنامج حكايا وخفايا نأمل أن تكونوا قد إستمتعم معنا بأسطورة هذا الأسبوع راجين إنتظارنا في حلقة الأسبوع المقبل عند أسطورة اخرى من أساطير الشعوب، حتى ذلك الحين تقبلوا تحياتنا وتحيات قسم الثقافة والأدب من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة