بسم الله الرحمن الرحيم أعزاءنا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم. من دواعي سرورنا أن نلتقيكم من جديد أعزاءنا في حلقة أخرى من برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا والذي نأمل ان يكون قد نال رضاكم وإستحسانكم وزودكم لببعض المعلومات عن أساطير الشعوب وققصها وحكاياها فالقصص والأساطير التي تبدو عجيبة في بعض الأحيان ولكن من المؤكد هناك بين طياتها الكثير من الأسرار والخفايا.
نعم مستمعينا الأفاضل ولاشك في أن هذه الأسرار والخفايا ماهي إلا رموز إستعار بها الإنسان منذ القدم في تفسير ظواهر الكون والحياة المحيطة به من كل جانب. أما الآن فندعوكم إخوتي المستمعين لتقضوا معنا احلى الأوقات مع أسطورة هذا الأسبوع.
أعزائي المستمعين من بين الساطير المتعلقة بالبحار والأنهار والتي تزدحم بها ذاكرة الأمم الشعوب وخاصة تلك التي تزخر بلدانها بالأنهار والبحيرات وتطل على البحار والمحيطات أسطورة من القارة العجوز اوربا وبالتحديد من فنلندا، ربما حاول الفنلنديون من خلالها تفسير ظهور الأنهار او أرادوا عبرها أن يبينوا لنا أن الثروة والقوة ليستا كل شيء في هذه الحياة وأن الإنسان قد يستطيع تحقيق بعض المآرب المادية من خلالهما ولكنه يظل عاجزاً مع ذلك عن كسب ود القلوب وحب الناس له. على كل حال فنستمع الى هذه الحكاية الأسطورية معاً ولنا بعد ذلك أن نستنتج منها ما شئنا من عبر ودروس.
أيها الأحبة يُحكى في قديم الزمان أن فتاتاً رائعة الجمال كانت تعيش مع امها وأخيها الشاب في منطقة خصبة وازعة تمضي فيها الحياة بلا حوادث ولاهموم وغموم وكأنها في ربيع دائم ولم تسبب لهم الثلوج والغيوم الرمادية في فصول الشتاء الطويلة أي حزن لمنزلهم الذي نعموا فيه بالسرور والسعادة حتى بدا أن كل شيء سيدوم على تلك الحال الى نهاية الزمان. وفي ذات صباح جاء الى منزلهم خادم يعمل عند جار بلغ من الشهرة والثراء حداً لايوصف وقدم للأم رسالة مختومة بالشمع تحمل شعار النبل.
لم تكن الأم تعرف القراءة فطلبت من إبنها أن يقرأ لها الرسالة وكلما كان الصبي يتقدم في قراءتها كانت الأم ترى أن وجهه يزداد شحوباً وعندما وصل الى نهاية الرسالة مزّق الورقة وبدا في نظرته غضب شديد وفي صوته إرتجاف حيث صرخ قائلاً: هذه سفالة حقاً! جارنا عجوز جداً الى حد أنه لا أحد يعرف عمره بالضبط وها هو يتجرأ على طلب الزواج من اختي، إنه يتصور أن ثروته تمنحه كل الحقوق. وبعد أن قال هذا صفق الباب وراءه وخرج وإنطلق يسير عبر الثلوج في سبيل تهدئة غضبه الشديد. وعندما عاد وجد أخته تبكي فسألها عن سبب بكاءها فقالت الفتاة: ذهبت أمي لتحمل ردها على جارنا العجوز، نحن في غاية الفقر وأمي تقول إنني لابد أن أتزوج من هذا العجوز الواسع الثرى وصار من الصعب عليها ان تزيد من الكلام لأن عبراتها تحشرجت في حلقها في حين أن أخاها أصابها الوجوم والصمت، ثم أضافت لتنهي حديثها: لاينبغي لك أن تستسلم مرة أخرى للغضب وأرجو منك أن لاتقول شيئاً بعد الآن. أما أنا فأفضّل أن أموت على أن أكون مرغمة هكذا على أن أعيش مع ذلك الرجل.
نعم أعزائي الكرام ومرت عدة أيام سيطر فيها صمت ثقيل قاتل على المنزل الذي كانت الأم تعد فيه لإبنتها فستان الزفاف وبإنقياد جرّبت الفتاة الفستان غير أنها ذات صباح لم تظهر في وقت طعام الإفطار. كان الثلج قد تساقط في بداية الليل فلم تكن هناك صعوبة في التأكد من أنها غادرت البيت قبل الفجر فتتبعوا آثار قدميها، سأل الثلج. فقال إن الفتاة كانت تجري فسقطت فسارت ثم جرت قبل أن تسقط مرة اخرى وهكذا تتبعوا آثار قدميها على الثلج حتى شاطئ البحيرة وهناك توقفت آثار القدمين لأن الماء يمكنه أن يصون أسرار أولئك الذين يأتون طالبين منه الملاذ.
عند ذلك عادت الأم مسنودة على إبنها وجلست أمام منزلها وراحت تبكي وذرفت الكثير والكثير من الدموع الى حد أن ثلاث جداول ماء قد تكونت وأخذت تكبر وسرعان ماصارت ثلاثة أنهار وجرت انهار الماء الثلاثة الى البحر سالكة طرق ثلاثة وديان كانت تفصل بينها ثلاث تلال مكسوة بأشجار تغرد فوقها الطيور. واحس الرجل العجوز ايضاً بحزن شديد غير أنه لم ييأس من العثور على خطيبته مقتنعاً أن الثراء يمكن أن يحقق كل شيء له فأمر بصنع خيط وصنارة لصيد السمك، كان الخيط من الذهب وفي طرفه صنارة من الفضة علقت بها ماسة ضخمة فأبحر ذات مساء وأخذه الزهو على مركب يصطاد السمك في عرض البحر وعند الصخور العالية حيث إختفت الفتاة الجميلة.
نعم احبتي الأفاضل راح الرجل العجوز يصطاد حتى الفجر دون أن يحصل على شيء غير أنه في اللحظة التي بدا فيها نور السماء قد أخذ بالإنبلاج جذب من البحر سمكة في منتهى الجمال إلا أنها لم تكن تنتمي الى أي نوع معروف، تأهب الرجل العجوز لإلقاء غنيمته في حوض سمك مركبه من دون ان يخطر على باله او من دون أن يحدثه قلبه بأن هذه السمكة الغريبة الجميلة هي نفس الفتاة الرائعة الجمال التي تقدم للزواج منها وفتن بها وأصّر على عقد قرانه بها ولكن السمكة إنزلقت من بين يديه وقفزت الى البحر. وبين موجتين ظهر رأس السمكة وإنفتح فمها ومن بين الأمواج إرتفع صوت الفتاة يهتف قائلاً: أنت لم تعرفني اذن ولسوف تأمر بطبخي لتلتهمني ومع هذا أنا تلك التي إدعيت أنك تحبها!
ومنذ فجر ذلك اليوم لم يأخذ الرجل العجوز خيط وصنارة السمك ولاقاربه بل حبس نفسه داخل بيته مع كنوزه العديمة الجدوى. أما الأم فلم يرها الناس مرة اخرى غيره أن هناك من يؤكدون أنها تبكي دائماً لأن الأنهار الثلاثة لم تكف مطلقاً منذ قرون عن الجريان نحو الخليج حيث إختفت إبنتها ذات صباح في الشتاء.
أعزائي الكرام من طهران إستمعتم الى حلقة اخرى من برنامج حكايا وخفايا، إنتظرونا عند حلقة الأسلوع المقبل وعند أسطورة اخرى من أساطير البحار والأنهار. حتى ذلك الحين تقبلوا تحياتنا ودمتم بكل خير، الى اللقاء.