بسم الله الرحمن الرحيم أحبائي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم مستمعينا في كل مكان نرحب بكم أجمل ترجيب في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا معكم عند مجموعة اخرى من حكايا الشعوب وققصها وأساطيرها حيث التراث الإنساني الذي يختزن في تظاريفه الكثير من الخفايا والأسرار التي تعكس تطلعات الانسان وأمانيهم من جهة ومخاوفه وهواجسه من جهة اخرى، ندعوكم للمتابعة.
مستمعينا الأفاضل لآلاف السنين ظل التنين يأسر عقول البشر وكان مصر الإلهام الذي إستوحى منه الكثير من الكتّاب والشعراء والموسيقيين أعمالهم وإبداعاتهم وهناك أساطير عديدة تروى عن التنين على مر القرون وأقدمها يشير الى أن التنين أتى من البحر حيث إرتبطت هذه المخلوقات طوال عهود التاريخ بالماء وفي الماضي كانت خرائط العالم تضع على المناطق غير المكتشفة عبارة هنا يسكن التنين.
وقصص التنين المبكرة كانت تتمحوّر حول مسئلة الخلق او الحفاظ على الكون من الفوضى لكن تلك القصص أصبحت تركّز في العهود اللاحقة على حكايات البحث عن الكنوز وإنقاذ الأميرات. أقدم القصص المروية عن التنين هي أسطورة سومرية تعود الى العام خمسة آلاف قبل الميلاد وتدار حول تنين يسمى زو وقصة التنين زو هذا تتضمن عنصر الإلهة وتشرح كيف أن التنين زو سرق الألواح التي سجلت عليها القوانين من الإلهة إنيل ويقوم إنيل بإرسال إله الشمس نيلورتا لإستعادة الألواح وينفذ نيلورتا المهمة ويقتل زو في أثناء المواجهة. كما تتضمن الحضارة البابلية قصصاً مشابهة عن التنين.
نعم مستمعينا الكرام وثمة قصة حثية نسبة الى الحثيين تتحدث عن الطريقة التي تمكن بها إله العواصف من مساعدة الإلهة اوناراس وعشيقها البشري اوباسيغا من قتل تنين يقال له إيلوغانكا وهناك قصة كنعانية من أشعار بعل نروي كيف أن الإله بعل هزم تنيناً بحرياً له سبعة رؤوس يقال له يامنهار وفي مصر راجت أسطورة تتحدث عن تنين بحري حاول أن يلقي الهزيمة براع إله الشمس المصري لكن قتل على يد إله آخر إسمه سيف.
نعم اعزائي المستمعين وتعزى فكرة إنقاذ الأميرات من براثن التنين على يد أبطال شباب الى الأساطير اليونانية وكانت كائنات التنين اليونانية هي مصدر الأسطورة في الآداب الغربية وأقدم قصة إغريقية عن التنين هي قصة الفروة الذهبية وفي القصة أن رجلاً يقال له جيسون أبحر في سفينة بحثاً عن فروة ذهبية بمساعدة أميرة ساحرة تسمى ميديا وكانت الفروة بعهدة الملك إكلوشس وكان يحرسها تنين صعب المزاج وكانت ميديا قد وعدت جيسون بالزواج منها إن هو أفلح بإستعادة الفروة الذهبية من التنين وهذا ماحدث في النهاية.
أحبتنا المستمعين الصورة الشائعة عن التنين ترسم له ملامح مخلوق شرير وقاسي ومتعطش للدماء وله جسد ضخم ودائماً ما ينفس من فمه النار وله أربع قوائم ومخالب تشبه مخالب الأسد وجناحان هائلان وجلد خشن ومتغضن وبعض انواع التنين يملك القدرة على تغيير شكله ولونه والتنين حسب ماتفيد الأساطير يأكل ولكن مرة واحدة في الشهر وهو يتغذى على لحم خروف او ثور كما يأكل لحم البشر وتصرّح بعض الأساطير بأنه يفضّل لحم الفتيات العذارى بشكل خاص. وتقول بعض الأساطير إن مَن يأكل قلب تنين فإنه يصبح قادراً على فهم لغة الطير أما مَن يأكل لسانه فإنه يصبح حجة في النقاش والإقناع.
ومع مجيء المسيحية إنتهى التنين اذ كان فرسان القرون الخوالي تواقين الى إثبات شجاعتهم وإكتشفوا بسرعة أن صيد التنين كان عملية مربحة وسرعان ما إنقرض التنين بعد ذلك من العالم وكان الفايكينك ينحتون مقدمة سفنهم على هيئة تنين ايماناً منهم بأن ذلك يجلب لهم الحماية والأمان.
واليوم اعزائنا المستمعين مازال عالم ويلز يحمل صورة التنين الأحمر على خلفية من اللونين الأخضر والأبيض ومازال التنين هو الرمز الرسمي لذلك البلد ويعتقد أن جسد التنين كان مزيجاً من الخصائص الفاسيولوجية لحيوانات عديدة فله جسم أفعى ورأس جمل وقرون غزال ضخم وعينا أرنب أذنا ثور وبطن ضفدع ومخالب نسر. ويصوّر التنين في الشرق بإعتباره مخلوقاً طيباً ورحيماً وذكياً والصينيون يحتفظون بأقدم تاريخ مكتوب في العالم عن هذه الكائنات يعود الى آلاف السنين. ومن الناحية التاريخية هناك ربط دائم بين التنين وحالة الطقس اذا يقال أن أسوء الفيضانات في آسيا كانت تحدث بسبب موت تنين.
نعم اعزائي الكرام وفي الصين كان التنين رمزاً لبعض الأباطرة وكذلك كان هناك قانون قديم في الصين ينص على أن الأمبراطور وحده مَن يحق له إرتداء ملابس عليها نقش تنين كرمز للسلطة والمناعة وكان لون التنين الأمبراطوري أصفراً وهو أعلى الفصائل مكانة ومقاماً واذا ما قبض على أي إنسان عدا الإمبراطور مرتدياً رمز التنين الأصفر فإنه يحكم عليه بالموت فوراً وما تزال حيوانات التنين تظهر في الإستعراضات والإحتفالات العامة في آسيا وأشهرها الإحتفال بعام التنين في الصين.
أخوتنا المستمعين يتميز التنين الأوربي في الأساطير بالشر الشديد وقسوته بالتعامل مع البشر وإنحيازه الى جانب الشر وأنه لايستطيع التفاهم مع البشر ويقاتله البشر دوماً. ونحن نجد التنين في الثقافة الأوربية يحرس شيئاً ما ويقاتل لأجله ويدافع عنه بإستماتة ويقتل كل من يقترب من الكنز إلا أصحابه. ومن حيث الشكل فإن التنين الأوربي يحتوي ظهره على الكثير من الزعانف ويمكنه الطيران ونفث النار وأحياناً الحديث وأعداد أقدامه لاتقل عن أربعة.
وفي رومانيا مستمعينا الأفاضل يحتل إسم دراكويلا مكانة خاصة عن الرومانيين ومعناها في لغتهم الدارجة إبن التنين وهو ترمز الى والد الكونت فلاد الملقّب بدراكيولا وكان والده يلقّب بدراكيول ومعانا التنين وفي هذه إشارة في الثقافة الشعبية الى قوة التنين وقسوته كأن يصف المرء الشخص بالثعلب لما يرى منه من الذكاء او بالأسد لما يرى منه من القوة فكذلك يصف الرومانيون الكونت بالتنين ولما يرون منه من القسوة والبطش وهذا يلقي الضوء على تصوّر الناس عن الناس لدى هذا الشعب.
وبكن أيها الأحبة لم يرد ذكر التنين في الحضارة العربية إلا في كتاب لسان العرب حيث جاء فيه أن التنين ضرب من الحيات من أعظمها كأكبر ما يكون منها وربما بعث الله عزوجل سحابة فإحتملته وذلك فيما يقال والله اعلم إن دواب البحر يشكونه الى الله تعالى فيرفعه عنها. قال أبو منصور: أخبرني شيخ من ثقاة الغزاة أنه كان منزلاً على سيف بحر الشام فنظر هو وجماعة اهل العسكر الى سحابة إنقسمت في البحر ثم إرتفعت ونظرنا الى ذنب التنين يضطرب في هيدب السحابة وهبت بها الريح ونحن ننظر اليها الى أن غابت السحابة عن انظارنا. وجاء في بعض الأخبار أن السحابة تحمل التنين الى بلاد يأجوج ومأجوج فتطرحه فيها وأنه يجتمعون على لحمه فيأكلونه.
وهكذا أخوتنا المستمعين فقد عاشت قصص التنين آلاف السنين ويبدو أنها لن تتلاشى تقريباً ومن المؤكد أن العديد من تلك القصص والأساطير عن ذلك الوحش الخرافي سوف تروى لتملأ خيال الأطفال والكبار على حد سواء وسيستمر الفنانون والشعراء والأدباء في إستلهام قصص التنين ورسمه بشتى الأوضاع والصور طالما أطلقوا لمخيلتهم العنان بإتجاه عوالم السحر والأساطير.
أعزاءنا المستمعين على أمل أن نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل من برنامج حكايا وخفايا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران بإذن الله تعالى نستودعكم الرعاية الإلهية شاكرين لكم حسن الإصغاء والمتابعة وراجين منكم مستمعينا الأفاضل أن تكونوا في إنتظارنا عند قصص وأساطير اخرى من تراث الشعوب وأسرار وخفايا اخرى كامنة فيها، حتى ذلك الحين نستودعكم الله والى اللقاء.