أعزاءنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم أطيب التحايا نبعثها لكم ونحن نلتقيكم في هذه الحلقة الجديدة التي تجمعنا واياكم عبر برنامجنا الأسبوعي حكايا وخفايا آملين أن تروق لكم إن شاء الله وتحظى بحسن متابعتكم.
مستمعينا الأفاضل أسطورة الرجل الذئب او ما يسمى في اللغة العربية المستذئب او المذؤوب تعد من أقدم الأساطير وأشهرها في تاريخ البشرية حيث يمكننا أن نجد قصصاً عن المذؤوبين في التاريخ القديم والكثير من هذه القصص عن هذه المخلوقات المتحوّلة في الصين ورومانيا وآيسلندا والبرازيل وهايتي وأياً كانت التسمية التي تطلق على هذه الفئة من الكائنات الأسطورية إلا أنها تتكلم عن شخص واحد يتحوّل في ضوء القمر الكامل او البدر الى ذئب في حجم إنسان يعيث في الأرض فساداً ليلة كاملة حتى يغيب القمر او يطلع الفجر ويستمر مسلسل الرعب في كل ثلاث ليالي يكتمل فيها ضوء القمر ثم في الصباح يعود ذلك الكائن لطبيعته ويكون من العسير معرفة شخصيته وتذكر الأسطورة أن السبيل الوحيد للتخلص من هذه الكائنات الفتّاكة التي تتمتع بقوة هائلة هو طعنهم بنصل من الفضة في القلب بعد نزع مخلب من مخالبهم او أي شيء آخر من أجسادهم. والآن وقد عرفنا المستذئب حُق لنا أن نعرف إخوتنا المستمعين من أين نشأت الأسطورة؟
أيها الأعزاء هنالك الكثير من الروايات المتضاربة في هذه الأسطورة لكننا سنتناول ثلاث قصص مختلفة تفسر لنا ظهور هذه الأسطورة، تمثل الأسطورة الأولى إحدى الكتابات المبكرة عن المستذئبين وقد كان مصدرها الإغريق ورومانيا وتفيد أن آلهتهم المزعومة قد مرت بقصر الملك اليس يوماً لكنه لم يصدق أنهم آلهة لذلك فقد وضع بعض اللحم البشري في أحد الأطباق العديدة التي وزعت على مؤدبة الإحتفال بهم وبالرغم من ان أكل لحوم البشر أمر مقيت لكن في تلك المناطق النائية كان يستهان به وبإكتشاف الطبق المعني كان غضب الآلهة عليه شديداً فمسخوه الى ذئب وبما أنه يحب أكل لحم البشر فقد رأت الآلهة أن هذه الصورة تناسبه أكثر فمن البشاعة أن يأكل الإنسان إنسان واما أن يأكل الذئب فإن هذا قانون يمثل شريعة الغاب ليس إلاّ.
أما الأسطورة الثانية أعزتنا المستمعين فهي ايضاً من رومانيا وتفيد أن كورن فليوس رجل نبيل عاش في قرية أصابها بعد حين وباء مات الجميع على أثره ما عداه حيث لم يصب حتى بسعلة كما إكتسب مناعة من نوع ما وجاء من بعده ثلاثة أولاد أحدهم عضه الخفّاش فصار مصاص الدماء والآخر عضه الذئب فأصبح مستذئباً والأخير حُكم عليه أن يمضي وحيداً في طريق البشر الفانين. وتأتينا الأسطورة الثالثة من ترانسلفانيا ويُقال إنها نشأت من أسرة إسمها سخارو زان وكانت عائلة إقطاعية منذ القرون الوسطى حكمت البلاد بالحديد والنار الى أن أصابت اللعنة نسلهم حيث يولد أطفالهم مذئوبين وكان المرض يبدأ بإسوداد لون الإدرار ثم مغص ثم يتحولون الى مسوخ ذئاب تعدي كل من تعضه وتصيبه باللعنة.
مستمعينا الأحبة ومنأشهر القصص التي تتحدث عن الذئب هي قصة ذات الرداء الأحمر حيث يتنكر الذئب بصورة جدة الفتاة البريئة ليخدعها ويبدو أن الذئب لايصب عليه شيء في هذه القصة سواء تنكراً او كلاماً ولقد كان السحرة يتنكروا في أشكال الحيوانات ليسافروا عبر البلاد غير مرئيين فهل هناك رابط ما؟
وعبر التاريخ كانت هنالك شواهد مريبة على هذه الأسطورة وقد وصفها علماء كانوا يتمتعون بمكانة مرموقة فقد وصفها الطبيب اليوناني مارسيل ليوس من أركاديا حين تحدث عن ما يدعى لايكا آنثروبي أي حالة التصوّر الذئبي حيث يأكل المريض اللحم الني ويعوي كلما رأى القمر بدراً وحتى العلماء المسلمون فأنهم يبدون جادين حينما كتبوا عن هذا المرض ومنهم إبن سينا والزهراوي حيث لاحظ إبن سينا عند أحد مرضاه كثافة في الشعر وكبراً في الجبهة وخوفاً من الضوء وأسماهم حينها بالقطرب وهي محاولة لتعريب لفظة لايكا آنثروبي في صورة قريبة من فهم العقل العربي.
نعم اعزائي الكرام وفي خلال البحث في عادات وتقاليد رجال الشمال أي إسكندناويا وما حولها وجد أن هنالك محاربين أسطوريين يدعون البرسركيين كانوا يمثلون مجموعة من رجال الشمال والذين عرفوا بوحشيتهم وعنفهم في القتال، لايخافون ولايشعرون بالألم وقوتهم البشرية خارقة، يقاتلون حتى النهاية دون إستسلام ولإستعدادهم للحرب فيرتدون جلود الدببة او الذئاب وعند البحث عن أصل كلمة بيرسيرك وتعني المقاتل المسعور والشرس في لغة اهل الشمال نرى أنها تأتي من جلد الدب وهنالك محاربون آخرون يلبسون جلد الذئب فقط لكنهم في النهاية صنفوا جميعاً تحت اسم البيرسيركيون. وكان إعتقادهم اعزائي المستمعين أنهم يكتسبون قوة وشراسة هذه الكائنات عند لبس هذه الأردية المخيفة ويصف رجال الشمال الفايكينك طريقة قتال البيرسركيين بأنهم يتميزون بشراسة ووحشية لانجدها إلا في الوحوش البرية. جدير بالذكر اعزاءنا المستمعين أن الرحال العربي أحمد بن فضلان الذي سافر مع بولفاي أحد أمراء الشمال قابل هؤلاء الوحوش وفي تلك المعارك كسرت شوكتهم الى الأبد بفضل هذا الرحالة وقد اوصاه بولفاي بكتابة هذه الملحمة ليتذكرها من بعدهم لذلك فقد أرخت في التاريخ العربي ضمن رحلات بن فضلان وخلدت في عالم السينما في فلم المقاتل الثالث عشر.
ترى أعزائي الكرام ما رأي العلم في كل هذا؟
تحدثت النشأة الثالثة للأسطورة عن ظاهرة إسوداد البول والمغص المصاحب له والتي كان يبتلى بها بعض الأشخاص كما تحدث العلماء عن كثافة الشعر وحب اللحم الني وهي اعراض مرض له تفسير علمي أطلق عليه مرض الرجل الذئب أما الأسم العلمي له فهو برفيليا وهو عبارة عن إختلال تمثيل الحديد في جسم الإنسان ومن ثم تحدث اعراض المغص والبول الأسود أي المحتوي على كميات من الحديد وفي حالات نادرة تستطيل الأظفار وتبرز الأنياب ويتجعد الجلد وتصبح الحواجب كثيفة والشفاه متشققة والعينان حمراوين ويتجنب المريض الشمس لأنه لايتحملها. وبإختصار اعزائنا المستمعين فإن الإنسان تظهر عليه في هذه الحالات بعض الصفات الشبيه بصفات الذئب من الناحية الظاهرية ومن ثم تولد الأسطورة بوصفها عليها خيار الإنسان وخوفه من المجهول ذلك الكيان المرعب التي نعرفها حالياً من قصص وأفلام الرعب التي يستخدمون فيها المؤثرات المذهلة المخيفة. وربط القمر الكامل او البدر بالمستذئب هو بسبب ما يرمز له القمر من قوة غير طبيعية عند القدماء وقدرته على دفع البشر نحو الجنون حيث يرتبط الإنسان بالوحش بشكل سحري وخارق للطبيعة ولربما بدأ مريض الرجل الذئب على هذه الهيئة ولكن هل وجدت هذه الكائنات حقاً؟
بقي أن نذكر أعزتنا المستمعين أن مصاصي الدماء الذين تربطهم علاقة وثيقة بإسطورة الذئاب البشرية يرمزون الى الطبقة الراقية من المجتمع المتميزة بالجشع والحرص ونهب ثروات المجتمع وإمتصاص دماء الطبقة الدنيا من البشر بينمت يرمز المذئوبون او المستذئبون الى الطبقة العاملة والكادحة وربما يرمز بهم الى الطبقة التي تقتص من الطبقة المستثمرة لصالح الطبقات المعدومة. أما الزونبي او الموتى الأحياء فيرمزون الى الطبقة المسحوقة والمعدومة.
مستمعينا الكرام على امل اللقاء بكم عند أسطورة معبرة أخرى من الأساطير التي نسجتها مخيلة الإنسان وأودعتها الكثير من آماله وتطلعاته فجاءت محملة بالكثير من الخفايا والأسرار نودعكم وكلنا أمل في أن نقدم لكم المزيد في حلقة الأسبوع المقبل من برنامج حكايا وخفايا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران إن شاء الله، لكم منا أطيب المنى والتحايا ودمتم بألف خير، الى اللقاء.