بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأكارم سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات
السلام عليكم أيها الأحبة، يسرنا أن نلتقيكم من جديد عبر برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا حيث الحكايا والقصص الجميلة الحالمة التي نسجتها مخيلة الإنسان حول الظواهر الكونية المختلفة المحيطة به وحول أمانيه وطموحاته آملين أن تقضوا معنا أوقاتاً عامرة بالفائدة والمتعة إن شاء الله.
أيها الأعزة كان الانسان ولايزال وسيظل يبحث في مساعي محمومة للخلود والبقاء فالخلود يمثل حلماً جميلاً ظل يداعب مخيلته ويدفعه الى البحث عن أسبابه فهو يُجسّد أمنية تتناغم مع فطرته التواقة الى حب الحياة ومواصلة التمتع بمباهجها وملاذها ذلك لأن فكرة الموت والفناء ظلت تؤرقه لأنها تسبب له فراق كل ما أحبه وألفه من أشخاص وأشياء ومظاهر وأحداث فهو لايستطيع أن ينسجم ويتعايش مع تلك الفكرة لأنها تهدم ملذاته وتُفرّق جماعاته ولأن الموت يصحبه عادة ألم النزع ولأنه يمثل ظاهرة مخيفة مرعبة مجهولة لايدري ما ستخبأه وراءها من مفاجئات وأهوال وهو المفطور بطبعه على حب الحياة.
اخوتنا المستمعين الأكارم لعل أول أسطورة تتبادر الى الأذهان في مجال بحث الإنسان عن الخلود البقاء ملحمة جلجامش من بلاد الرافدين التي تُعد من اجمل الأساطير البشرية حيث يبقى جلجامش أقرب الأبطال الى نفوسنا في هذا المجال فمازالت هذه الأسطورة تجذبنا ومازلنا نتمتع بقراءتها ونحن في القرن الواحد والعشرين بينما يعود تاريخ هذه الأسطورة الى الألف الثالث قبل الميلاد.
ورغم أن هذه الملحمة سُميت بإسم ذلك البطل جلجامش إلا أن هذه البطولة تشترك فيها جميع شخصيات هذه الملحمة ولعل أهمها أنكيدو خصم جلجامش اللدود الذي تحوّل فيما بعد الى الرفيق والصديق الحميم بل لو لا هذا الرفيق لما كانت الملحمة أصلاً فقد غدا بعد موته المحرّك والمحرّض الرئيس لبحث جلجامش عن الخلود ومن الطريف أن الصداقة الحميمة بين جلجامش وأنكيدو جاءت على أثر التناقض بينهما والذي عمل لصالح الصداقة التي ربطت بينهما ودفعتهما الى أن يتمسكا بروح النضال ضد كل ماهو دنئ ومصدر للشرور فمجدا النضال من اجل الحرية ونبذا الخوف لتحقيق كل ما هو سامي وهذا ما تُعلنه الأسطورة قائلة "كل ماهو شرير نزيحه عن العالم، ياصديقي مَن يسقط في المعركة هو الخالد".
مستمعينا الأفاضل لكن أنكيدو صديق جلجامش الحميم ورفيقه المخلص مايلبث أن يُفارق الحياة خلال رحلتهما المحفوفة بالأخطار والمغامرات وبموته يصبح جلجامش وحيداً بعد أن ذاق طعم الصداقة الحميمة فبدأ يشعر بمأساة الوجود وبكى صديقه قائلاً: بكيته طوال النهار ورفضت الإذن بدفنه فلعل صديقي ينهض لصراخي. وهنا بدأ جلجامش يتسائل وقد إعتراه الخوف من الموت والفناء هل سأموت هكذا ميتة أنكيدو وهل يمكن للميت رؤية بريق الشمس؟ وهكذا بدأ جلجامش رحلته باحثاً عن الخلود حتى إلتقى رجلاً حكيماً أرشده الى نبتة الخلود فقرر جلجامش أن يأتي بها الى أبناء مدينته أوروك ليشركهم معه في الخلود حيث تبرز هنا صورة الخلود الجماعي في هذه الملحمة الفردية ولكن الأسطورة تروي لنا أن الأفعى رمز الشر تأتي لتلتهم نبة الخلود.
وفي ختام الأسطورة مستمعينا الأفاضل يُدرك جلجامش أن الإنسان إنما يحصل على الخلود بالعمل الجاد والمخلص والصادق فإذا بهذا البطل الذي أصابه الإخفاق في بحثه عن الخلود الفردي والجماعي يشير في نهاية ملحمته الأسطورية الى مدينته اوروك التي كانت من إبداع يديه وإبداع أجداده السبعة قائلاً: إصعد الى أسوار اوروك، إمشي عليها تفحَص الأساس في القواعد، إختبر الأرجل في البنية والمصاعد. ألن يضع أساسها في غابر العصور السبعة الحكماء؟ هم الذين علموا الإنسان منذ أقاموا أقدم المدائن السبع وأقاموا العمران.
وهكذا مستمعينا الأكارم تنتهي ملحمة جلجامش الأسطورية لتعلمنا أن الخلود الحقيقي الذي يمكن للإنسان أن يحصل عليه إنما هو العمل الصالح والذكر الحسن ومدى إخلاص الإنسان وصدقه في عمله وليس الخلود بجسده ومواصلة تمتعه بملاذ الحياة ومباهجها. حتى نلتقيكم عند أسطورة او أساطير أخرى من أساطير الأمم والشعوب والخفايا الكامنة وراء هذه الأساطير نستودعكم الله والى اللقاء.
راجين ان تتقبلوا تحيات أسرة البرنامج والتواصل معنا عبر البريد الألكتروني للبرنامج adabfan۹۱@yahoo.com أدب فن.
كنتم مع برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران حتى الملتقى نستودعكم الله، الى اللقاء.