ضيف البرنامج: سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم نرحباً بكم أحبتنا المستمعين حيثما كنتم في هذه الحلقة من البرنامج التي ستكون تكملة لحلقة الأسبوع المنصرم التي كنا قد خصصناها لإستعراض قصة حسنك الوزير الشهيرة المقتطفة من كتاب التاريخ المسعودي لأي الفضل البيهقي، ندعوكم احبتنا للمتابعة.
المحاورة: قبل أن نبدأ أيها الأعزة بالجزء المتبقي من قصة حسنك الوزير يسرنا أن نلتقي من جديد ضيف البرنامج الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان ليكمل حديثه عن الكتاب والمؤلف، السلام عليكم أستاذنا الكريم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وعلى المستمعين الكرام
المحاورة: شكراً لك ايضاً على هذا الحضور في حلقة اليوم ونرجو إكمال الحديث الذي تفضلت به في الحلقة السابقة راجين أن تُركز حديثك في هذه الحلقة حول قصة حسنك الوزير نفسها ودلالاتها العرفانية والأخلاقية. تفضل
الشحمان: نعم في القسم السابق من حديثنا تحدثنا عن شخصية البيهقي نفسه وعن تاريخه ومكانة هذا التاريخ بين التواريخ الأخرى التي كُتبت حول تاريخ ايران بعد العصر الإسلامي؛ في هذا القسم سوف نُركز حديثنا حول القصة الشهيرة وهي قصة حسنك الوزير وحسنك هي مُصغرة لكلمة حسن. على كل حال هي قصة من بين القصص البارزة ولعلها أبرز القصص التي أوردها أبو الفضل البيهقي في تاريخه وهي قصة تراجيدية من الدرجة الأولى تصوّر لنا أنه كيف يذهب الإنسان ضحية خاصة الشخص الذي يعمل في جهاز الحكم، كيف يذهب ضحية المكائد والمؤامرات في سبيل أن يصل الطرف المقابل الى السلطة ثم يُبتلى هذا الإنسان الذي تعرض للمكائد بالقتل بشكل فضيع ومُفجع وبشكل وحشي وفضيع بأن صُلب جسده لمدة أشهر عديدة وبقي جسده حتى نهاية حكم السلطان مسعود على المشنقة وكيف أن الناس تأثروا بهذا المنظر كثيراً وكيف أن هذه الحادثة تركت آثارها العميقة على الحوادث التي جرت بعدها، هي تصوّر لنا شخصيتين الشخصية الأولى هي الشخصية التي تتمثل فيها قيم الخير والنبل في الأخلاق وهي شخصية هذا الوزير من جهة الذي اُتهم كما يقول البيهقي ظلماً وعدواناً بعلاقته بالقرامطة الذين كانوا يُمثلون الأعداء الأساسيين واللدودين للحكم العباسي في ذلك الوقت وكان السلطان مسعود ايضاً تابعاً للخلافة العباسية في ذلك الوقت وتصوّر لنا من جهة اخرى شخصية رجل البلاط وهو أبو سهل الزوزني والعقد التي كان يُعاني منها او ما يسمى في عصرنا الحديث بالسادية وهي التلذذ عندما يرى هذا الشخص المُصاب بهذه الحالة لذلك وصفنا هذه القصة بأنها قصة تراجيدية من الدرجة الأولى ومن اللطيف أن المؤلف نفسه الذي أرخ لحكم السلطان مسعود كان معاصراً بل وكان شاهداً لهذه الحادثة واللحظات التي دوّنها هي ملاحظات حقيقية وواقعية نقلها لنا بأمانة وصدق.
المحاورة: شكراً لكم أستاذنا الكريم على هذه المعلومات القيمة التي زودتنا بها نحن والمستمعين الكرام عن قصة حسنك الوزير من كتاب التاريخ المسعودي لأبي الفضل البيهقي، نشكرك مرة أخرى على هذا الحضور ونستودعك الله
الشحمان: في أمان الله
المحاورة: شكراً والآن نرجو منكم مستمعينا الفاضل متابعتنا في الفقرة التالية عبر وقائع الجزء الثاني والأخير من القصة بعد الفاصل
المحاورة: مستمعينا الأحبة وفي خلال ذلك الوقت الذي كان حكم الإعدام قد صدر على حسنك الوزير من قبل السلطان مسعود كان حسنك قد وصل الى هرات ولم يكن يعلم بأي شيء وكان أبو سهل في إنتظار وصوله ذلك ان مسعوداً كان قد أذن له بأن يقبض على حسنك ويوصله مخفوراً الى بلخ حتى يصل اليه فيما كان أبو سهل يشعر بسرور عظيم للنجاح بإيقاعه بحسنك فكان يعد اللحظات كي ينهال على عدوه اللدود تعذيباً وتشفّياً منه وكان لأبي سهل رائض للخيل معروفاً بتعذيب الحيوانات فأوكل حسنك الى هذا الجلاد الذي لم يتورع عن إيذاءه وسومه سوء العذاب وغلّه بالسلاسل والأصفاد حتى بلغ به بلخ حتى إعترض عليه من شهد ذلك وفي اليوم الذي وصل فيه السلطان مسعود الى بلخ أصدر الأمر بأن يجتمع كل كبار الدولة في البلاط كي يُبلغهم بأمره بشأن حسنك ثم ان السلطان خاطب أبي سهل قائلاً: هل إتخذت الإجراءات اللازمة كي يتعرف حسنك بذنبه؟ فأجاب أبو سهل قائلاً: لقد تكفّل الرائض بالأمر فإسمح لي أن أحضر المجلس كي ينطق حسنك بكلمته الأخيرة كما ينبغي فأذن له الأمير وقال: سوف أخرج للصيد لثلاثة أيام وقم أنت بالمهمة كما أمر الخليفة وبينما كان الحاضرون في المجلس منشغلون بحديثهم دخل حسنك المجلس مع أبي سهل وقد بدا عليه الإنكسار وتمزّقت ملابسه فإلتفت اليه القاضي وقال: كلنا آذان صاغية لك، قل مافي نفسك فأجاب حسنك وقد فقد القدرة على الوقوف فكان ينحني على ركبتيه بين الحين والآخر: ياقاضي القضاة لقد إكتشفت اليوم أن كل الأعمال التي صدرت مني كانت خطأ أنني كنت مطيعاً لكم فقد إستوزروني ظلماً ولم أكن أستحق الوزارة ولكني إرتكبت الكثير من الأخطاء فإنني أستحق أي عقوبة يأمر بها سيدي فلقد يأست من الحياة ثم بكى بكاءاً مراً. وفي صبيحة ذلك اليوم اُقتيد حسنك الى المشنقة وكان القراء منشغلين بتلاوة بعض الآيات من القرآن الكريم فأمر الجلاد حسنك بأن يخلع ثيابه فإمتثل للأمر بأيدي مرتجفة ثم رفع الجلاد الكيس الذي كان على رأسه وكان حسنك لايزال على المشنقة ولكنه كان أحياناً يضرب أخماساً بأسداس ويهز برأسه وهو لايكاد يُصدق مايحل به فيما كان الحاضرون الملتفون حوله ينظرون اليه بإشفاق وقد اُجهشوا بالبكاء وفجأة وبعض لحظات قدم فارس من بعيد نحو المشنقة وعندما إقترب منها أعلن قائلاً: لقد جئت برسالة من السلطان مسعود الى حسنك وعليّ أن أتلوها، يقول السلطان: ياحسنك لقد كانت هذه أمنيتك فلقد كنت قلت لي إنني سأعلّقك على حبل المشنقة إذا ما تربعت على عرش المُلك ومع ذلك هممت أن أرحمك وأتنازل عن حقي ولكن امير المؤمنين بعث برسول يخبرني فيه أنك أصبحت قرماطياً فامر بإعدامك ولارجوع عن حكمه. وفي أثناء ذلك خاطبه الجلاد قائلاً: ياحسنك عليك أن تستدير كي يراك الحاضرون أينما وقفوا فلم يُبدي حسنك أي حراك ولكن الحاضرين صرخوا معترضين على الجلاد: أتركه وشأنه ولاتؤذيه اكثر من ذلك! ثم أن الجلاد وضع الحبل على عنق حسنك وفي هذه الأثناء هتف الجلاد قائلاً: أيها الناس أرجموا هذا القرماطي بالحجارة ثم كرر هذه العبارة عدة مرات دون ان يُحرك الناس ساكناً بل كانوا يبكون بأصوات عالية وعندما رأى الجلاوزة أن الناس لايمتثلون للأمر أشاروا على جماعة كانوا قد أعدوهم من قبل برجم حسنك وبعد لحظات أحكم الجلاد الحبل حول عنق حسنك وسحب المسند من تحت رجليه وبعد شنقه عاد أبو سهل ومرافقوه ليبقى حسنك وحيداً كما ولدته امه.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل كما أن أبا سهل أقام بعد ذلك حفلاً أدارت فيه الكؤوس وإنطلقت الأغاني من حناجر المطربين ثم أمر أبو سهل الخدم قائلاً: أملو وأتوني بفاكهة يانعة فمضى الخدم وجاؤوا بطبق كبير قد وُضع عليه غطاء فخاطب أبو سهل الحاضرين قائلاً: هل تأكلون فاكهة يانعة؟ فقالوا: نأكل ثم امر أحد الخدم أن يرفع الغطاء عن الطبق ليفاجئ الجميع برأس حسنك فعقدت الدهشة الألسنة واُغمي على البعض فيما كان أبو سهل غارقاً في الضحك والشراب وهو يقول: هذا جزاء رؤوس الأعداء وبعد أن تسرّبت أخبار ذلك كان الجميع من صديق وعدو يُرسلون اللعنات على أبي سهل ولكنه كان يستهزأ بهم في جوابه ومنذ ذلك الحين لم يُر قاضي القضاة جالساً على مسند القضاء.
ويروي البيهقي أن حسنكاً ظل معلقاً على خشبة الإعدام سبع سنوات حتى تفسّخت كل أعضاءه وتساقطت وتيبّست ولم يتبق منه شيء سوى هيكله العظمي وأخيراً اُنزل جثمانه المتيبّس من المشنقة بأمر السلطان مسعود ليُدفن ولكن أحداً لم يكن يعلم أين رأسه وأين جسمه وكانت أم حسنك تجهل ماحدث لإبنها مدة ثلاثة أشهر وعندما بلغها ماحدث لم تستلم للبكاء كما هي عادة النساء ولم يسمع احد بكاءها وولولتها وعويلها في حين أن المقربين اليها كانوا يبكون دماً وعندما كان الناس يُقدمون التعازي اليها كانت تقول: لقد كان أبني رجلاً عظيماً فلقد منحه السلطان محمود هذا العالم ومنحه السلطان مسعود ذلك العالم.
المحاورة: مستمعينا الأكارم نرجو أن تكونوا قد قضيتم معنا دقائق ممتعة ونافعة في حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج ذخائر العبر شاكرين لكم حسن الإصغاء والمتابعة وآملين أن تكونوا في إنتظارنا حتى الأسبوع المقبل بإذن الله عند رائعة اخرى من روائع الأدب والبيان الزاخرة بالدروس والعبر حتى ذلك الحين دمتم بكل خير.