ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم تحية ملئها الحب والمودة والوفاء نبعثها اليكم مستمعينا الأحبة في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم عند الحكمة البالغة الموعظة الحسنة ومع قوت القلوب غذا الروح عبر برنامجكم الأسبوعي ذخائر العبر
المحاورة: إخوتنا المستمعين في كل مكان ندعوكم قبل أن نبدأ حوارنا مع ضيف البرنامج حول ملحمة الشاهنامة ومؤلفها الحكيم أبي القاسم الفردوسي للإستماع الى الحكاية المُعبرة التالية التي قمنا بترجمتها نثراً من هذا الكتاب، تابعونا
الكنز الحقيقي
روي أن بهرام جور خرج ذات يوم متصلبه ومعه جماعة من ملابذته ووزراءه وخواص حضرته فإعترض الموكب فلاح وبيده مسحاة وسأل عن الملك فسأله موبذ عن حاله فقال: لست أتكلم حتى ارى وجه الملك!
فأتوا به الملك فقال: إن معي سراً أريد أن أبوح به اليك فثنى بهرام عنانه وعدل عن الطريق وخلا بالفلاح. فقال له: أيها الملك إني كنت أسقي زرعاً في هذه الأرض فإمتلأ القرواح ماءاً فإذا بثقبة في وسط الأرض ينزل منها الماء ويُسمع منها صوت يُشبه صوت الصنج وكأن المكان فيه كنز فمضى معه الملك الى ذلك المكان وضُربت اليه خيمة هناك فنزل فأحضر الفعلة فأمرهم بحفر ذلك المكان فإنتهوا الى أزج قضواً مبيناً بالآجور والنورة فظهر له باب ففتح ودخل فيه موبذ مع شخص آخر فرأيت بيتاً واسعاً وإذا بجاموسين مصبوغين من الذهب مربوطين على معطف كبير من الذهب مملوء من الزبرجد والباقوت مخلوطاً بعضه ببعض وقد رُكبت في عيون الجاموسين يواقيت تتقد كالحجر والجاموسان مجوفان مملوءة اجوافهما باللآلئ الشاهية وحواليهما تماثيل كثيرة قد صيغت على صورة السباع واليعافير والطواويس مرصعة بالجواهر والياقوت فخرج الموبذ وهو ممتلأ فرحاً وسروراً فقال لبهرام: أيها الملك قد اُعطيت كنزاً من الجواهر لم يُر ولم يُسمع بمثله. فقال له بهرام: من كنز كنزاً فلابد أن يكتب عليه إسمه ففتش لعل تجد إسم صاحب هذا الكنز مكتوباً في شيء فدخل الموبذ فرأى ختم جمشيد عليهما فخرج وأعلم بهرام بذلك. فقال للموبذ: أيها العالم العاقل مالي أفرح بكنز كنزه جمشيد من قبل لا كان مال لم يُعَن بجمعه السيف والعدل وأمره أن يُفرق جميعه على الفقراء والمحتاجين والمدينين والغارمين بعد أن يُسلّم عشره للفلاح الذي دلّ عليه وقال: لاحاجة لعسكرنا لتفريق هذا المال عليهم فإن الجواهر لايمكن تحصيلها وإبتياعها من الأرامل والعجزة الرجال وينبغي أن يكنز الملك ذكراً جميلاً ويدّخر اجراً جزيلاً ثم رجع وفتح أبواب كنوزه ودفائنه التي أخذها من الأعداء بسيفه وجمعها بعدله ففرقها على عسكره حتى أغناهم أجمعين وقال: معاذ الله أن أكنز دفائن الماضين وأفرح بما خُلق من ثناء او أفتخر إلاّ بإكتساب المجد والسناء فدعا له الحاضرون وقرّضوه وحمدوه.
المحاورة: مستمعينا الكرام اهلاً بكم من جديد ومعنا في الأستوديو خبير البرنامج الدائم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان نرحب بك أجمل ترحيب، أهلاً بكم
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى مستمعينا الأعزاء الأفاضل
المحاورة: وعليكم السلام أهلاً بكم وشكراً، ضيفنا العزيز نحن بإنتظار القسم الثاني والأخير من حديثك حول ملحمة الشاهنامة وأهميتها وناظمها الفردوسي ومكانته بين شعراء الملاحم الآخرين، نستمع اليكم
الشحمان: نعم إن شاء الله سوف نكمل حديثنا عن الشاهنامة وحول صاحبها الفردوسي في هذا القسم من البرنامج، سبق وأن أشرنا الى قيمة الشاهنامة ومكانتها وفي هذا القسم سوف نسلط الضوء على الأسلوب الذي إتبعه الفردوسي في نظم الشاهنامة ونقول إنه كان أسلوباً في غاية البساطة والوضوح الإيجاز وفي نفس الوقت كان بعيداً عن التزويق اللفظي وعن الحشو الزائد الممل وبلغ إيجازه في بعض الأحيان الى حد الذروة والقمة في الفصاحة والبلاغة وبالطبع فقد كان قصص الشاهنامة منثورة بالأصل يعني كانت مكتوبة بشكل نثري وحولها الفردوس الى شعر، نشير هنا الى أن الفردوسي إستند الى حد كبير في نظم الشاهنامة الى شاهنامة الدقيقي الذي سبق ونظمها قبله ولكنه لم يُكملها؛ نظمها في القرن الرابع الهجري وأكملها الشاعر الكبير الفردوسي. في الحقيقة الشاهنامة ليست مجرد كتاب قصص وحكايات بل هي تاريخ وهي أدب وتتطرق الى مختلف مجالات الحياة، كتاب مهم أرّخ للأمة الإيرانية منذ عصور موغلة في التاريخ وحتى عصره، للفردوسي الفضل الكبير كما يقول المستشرق الإنجليزي كول يقول حول الفردوسي وقد صدق فيما قال، قال: إن الفردوسي وجد بلده بدون أدب فسلّم اليه الشاهنامة التي لم يستطع الأدباء من بعده سوى تقليدها. لم يستطع أحد أن يأتي بنظير لها ولم يستطع أحد أن يتفوق عليها، هي ملحمة بإمكانها أن تنافس كل أثر ولانظير لها في آسيا كلها اللهم إلاّ ملاحم هوميروس في اوربا يعني للشاهنامة مكانة تشبه مكانة ملحمة هوميروس الشاعر اليوناني في القارة الأوربية
المحاورة: يعني تقارن بها؟
الشحمان: نعم فعلينا أن نعرف قيمة الشاهنامة فهي تتحدث عن ثقافة الأمة الإيرانية وعن علمها وفنها وتاريخها القديم ونستطيع أن نقول إننا بحاجة الى سنوات عديدة من البحث والدراسة حتى يمكننا أن نعرف وندرك بعمق قيمة هذا الكتاب الكبير الذي ضم وتطرق الى أبواب عديدة إعتباراً من الفلسفة والأخلاق والحكمة والعقائد وغيرها وصّور لنا الحياة الإجتماعية في العصور القديمة من تاريخ ايران بأروع كلمة وأجمل ريشة ولعل هذا هو سر خلود الشاهنامة أنها جمعت بين البساطة وفي نفس الوقت بين الفصاحة والبلاغة دون أن يضطر الشاعر الى أن يستخدم التزويقات اللفظية وماشاكل ذلك، هذا هو سر خلود الشاهنامة وهذا هو سر عبقرية الشاعر الكبير الفردوسي الذي كان بلاشك الشاعر الأكبر في تاريخ ايران دون منازع.
المحاورة: نعم لك منا ضيفنا الكريم كل الشكر والتقدير على هذه المعلومات القيمة وهذه الصورة الجامعة والشاملة التي قدمتها عن هذا الأثر القيم في تاريخنا الأدبي وطبعاً في هذا الوقت الضيق، شكراً لك ونستودعك الله حتى الحلقة القادمة.
الشحمان: حياكم الله وفي امان الله
المحاورة: والان نستمر في تواصلنا مع مستمعينا الكرام من خلال إستعراض المزيد من حكايات الشاهنامة بعد الفاصل.
الظلم مراعه وخيم
روي أن أحد الملوك بينما كان خارجاً للصيد إذا به يرى في طريقه ضيعة فرأى امرأة على باب بستان وبيدها جرّة تريد الماء فغطت وجهها عن الملك فسألها الملك عن خراجها ومقدار ما عليها من كل سنة فقالت للسلطان: كل سنة على هذا البستان وأمثاله خمس دراهم، فإستقل الملك المقدار المذكور في نفسه ونسب عماله في التقصير في حقه ونوى أن يزيد من مقداره فنام على هذه النية الظالمة ولما أصبح ارادت المرأة أن تصلح له لبنية فقامت الى بقرة كانت لها لتحلبها فمسحت ضرعها فلم تدر ووجدت ضرعها خالياً من اللبن فقالت لزوجها: إن قلب السلطان قد تغيّر وكأنه قد نوى سوءاً وأضمر ظلماً. فقال لها الزوج: وما هذا التطيّر؟ فقالت: أما تعلم أن الملك إذا صار ظالماً جفّت الألبان في الضروع وشاع الزنا والربا في الخلق وصارت القلوب قاسية كالحجر الصلد وعافت الذئاب وضريت بالإنس وتخوّف ذوي العقول من ذوي الغواية والجهل.
فلما سمع الملك ذلك من المرأة ندم على ما أضمر وإستغاث الى الله في سره وتاب عما عزم عليه، ثم عادت المرأة الى البقرة ومسحت ضرعها فدرّت بلبن غزير ففرحت المرأة وقالت: إنك يامستغاث الخلق قد قلقت الظالم عادلاً حتى عاد الى ضرع هذه البقرة حاصله فحلبت وأصلحت لبنية وقدمتها الى ضيفها فطعم متعجباً من الحالة التي شاهدها ثم أنه وهبهم الضيعة وأوصاهما بإطعام الأضياف وركب منشرح الصدر مسروراً.
المحاورة: اخوتنا المستمعين الأفاضل نختتم حلقتنا لهذا الأسبوع سائلين الله أن يجمعنا معكم في حلقة الأسبوع المقبل عند دروس وعبر اخرى من الحياة شاكرين لكم حسن متابعتكم لنا وراجين التواصل معنا عبر بريد البرنامج الألكتروني adabfan۹۱@yahoo.com، شكراً لكم الى اللقاء.