ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
سلام من الله عليكم- إخوتنا المستمعين الأفاضل- ورحمة منه وبركات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الأسبوعي(ذخائر العبر) حيث يسرنا أن نلتقيكم حاملين لكم عبراً ودروساً جديدة من بطون أسفار التراث الأدبي والفكري الفارسي، نأمل أن تقضوا معنا أوقاتاً حافلة بالفائدة والمتعة في هذا التجوال الذي سنصطحبكم فيه مع رائعة الشاعر والحكيم ناصر خسرو (سفرنامه) تابعونا...
أعزتنا المستمعين الأكارم! قبل أن نجول في رحاب رحلة ناصر خسرو، لنا وقفه قصيرة مع ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور(سعد الشحمان).
المحاورة: اعزائنا المستمعين قبل ان نجول في رحاب رحلة ناصر خسرو لنا وقفة قصيرة مع ضيف البرنامج الاستاذ الدكتور سعد الشحمان، نرحب بالاستاذ اهلاً بكم.
الشحمان: سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته اقدم لكم شكري على هذه الفرصة التي اطعتموها لنا، نعم هذه الشخصية التي جمعت بين نظم الشعر وبين الكتابة يعتبر شاعراً مؤلفاً في نفس الوقت يعني يعتبر شاعراً كاتباً من الدرجة الاولى في الادب الفارسي وتعتبر مؤلفاته من ذخائر وكنوز الادب والثقافة المكتوبة في اللغة الفارسية بالاضافة الى آثاره الاخرى، له اثار كثيرة منها ديوانه، من بين الاثار التي تبرز لنا رحلته التي دونها باللغة الفارسية وحملت اسم سفرنامة اي الرحلة او كتاب الرحلة، تعتبر هذه الرحلة من اقدم الرحلات التي وصلت الينا حتى نستطيع ان نقول انها اقدم من رحلة ابن جبير وابن بطوطة وغيرهما ولاتتقدمها الا ربما رحلة ابن فضلان سبقتها تاريخياً لذلك فأن هذه الرحلة تعتبر ذات قيمة تاريخية كبيرة وان كانت كتبت باللغة الفارسية الا انها ترجمت الى اللغة العربية كما ترجمت الى لغات أخرى نظراً الى اهميتها. هذا الشاعر والحكيم والاديب الكبير ولد في مدينة بلخ وكان ينحدر من اسرة خراسانية نبيلة اشتهر افرادها بالجاه والثراء والنفوذ في جهاز حكم الدولة في ذلك الوقت، الدولة السلجوقية ونشأ هذا الرحالة الكبير نشأة تليق بأبناء الأسرة الفارسية العريقة، حفظ القرآن في صباه وتعلم شيئاً من الخطب والأشعار العربية والفارسية وهذا الاتقان لللغة العربية والاطلاع الواسع على مجالات الثقافة الاسلامية كان يعتبر في ذلك الوقت طبعاً شرطاً لتسلم المراكز المرموقة في ايران وقد فخر ناصر خسرو بنفسه كثيراً في اشعاره وخاصة في ديوانه مثلاً يقول بالفارسية:
اين فخر بس مرا كه به هردو زبان
حكمت همي مرتب وديوان كنم
يعني يقول يكفيني فخراً ان انظم وائلف بكلا اللغتين اللغة العربية واللغة الفارسية الحكمة وانشأ الدواوين.
المحاورة: طيب شكراً لو سمحت حضرة الدكتور سعد الشحمان ان نتوقف عند فاصل قصير ونعود بعده لنكمل هذا الحوار الشيق والممتع معكم.
الشحمان: نعم تفضلوا.
المحاورة: نرجو منكم ضيفنا العزيز أن تكلموا الملامح التي رسمتموها عن شخصية الشاعر والحكيم ناصر خسرو وأثره(سفرنامه) مع التركيز علي الأهمية التاريخية والجغرافية التي يتمتع بها هذا الكتاب... .
المحاورة: نرحب بكم مرة اخرى في ذخائر العبر ونرحب ايضاً بالاستاذ الدكتور سعد الشحمان، نرجو استاذ ان تكمل الملامح التي رسمتها عن شخصية الشاعر والحكيم ناصر خسرو واثره سفرنامة في التركيز على الاهمية التاريخية والجغرافية التي يتمتع بها هذا الكتاب
الشحمان: نعم في الحقيقة الرحالة الكبير ناصر خسرو الذي جال في البلاد العربية وبدأ رحلته من خلال بيت الله الحرام وذهب ايضاً الى القدس الشريف ووصف المناطق المقدسة في هذه البقاع المهمة من بقاع العالم الاسلامي، هذا الشاعر والحكيم كان يتمتع بعقل جبار وقريحة متوقدة وفؤاد ذكي وكما قلنا انه كان يكثر من الفخر بنفسه في اشعاره ومن بين هذه الاشعار هذه الابيات التي يقول فيها بالفارسية، اقرأها وبعد ذلك اقوم بترجمتها
المحاورة: جميل
الشحمان: يقول:
همان ناصرم من كه خالي نبود
زمن مجلس مير وصدر ووزير
يعني يقول انا ناصر يعني اشارة الى اسمه واشارة الى انه المعين في الشدائد يقول لايخلو مني مجلس امير وصدر ووزير
نخواندي بنامم كس از بس
شرف اديبم لقب بود وفاضل دبير
يعني يقول لم يقدم احد شخصاً اخراً على اسمي وانا لقبت بالاديب ولقبت ايضاً بالفاضل والكاتب
بتحرير اشعار من فخر كرد
همي كاغذ از دست من بر حرير
يقول الورق هو نفسه عندما اكتب عليه فأنه يفتخر بكتابتي اشعاري عليه ويتحول من ورق الى حرير.
مثل هذا الفخر بالنفس نجده كثيراً في ديوان هذا الشاعر والاديب الكبير ومع ذلك للاسف الشديد فأن هذا الاديب الكبير لم يحظى بمايستحقه من العناية والاهتمام في عصره طبعاً وليس في عصرنا هذا لأسباب عديدة منها انه كما قيل عنه كان يعتنق المذهب الاسماعيلي في مصر وكان داعية من دعاة الاسماعيلية في ايران وفي ذلك الوقت طبعاً لم يكن هذا المذهب يجد القبول والترحيب في ذلك لعصر.
الشحمان: طيب شكراً استاذ بارك الله فيك واحسنت حضرة الدكتور.
الشحمان: حياكم الله نرجو ان نكون قد قدمنا صورة ولو مختصرة عن شخصية الشاعر والاديب الكبير المعروف على نطاق وطنه ايران وعلى نطاق العالم الاسلامي الكبير.
المحاورة: نعم نشكرك على هذه المعلومات القيمة التي زودتنا وزودت مستمعينا الكرام بها حول هذا الاديب واثره، شكراً لكم ونستودعك الله.
الشحمان: حيأكم الله.
المحاورة: والآن، مستمعين الكرام، اسحموا لنا أن نبدأ تطوفنا في ربوع ما حفل به هذا الكتاب من سرد للأحداث التي صادفها مؤلفه خلال رحلته.
في الدافع الذي دفعه إلي رحلته
يقول ناصر خسرو في السبب الذي دفعه إلي القيام برحلته هذه، التي بدأها بزيارة الديار المقدسة في مكة المكرمة:
(كنت رجلاً أمتهن الكتابة، ومن جملة المتصرّفين في الأموال السلطانية وأعمالها ومنشغلاً بأمور الديوان، مكثت في هذه الحال بعض الوقت، نلت خلالها شهرة بين الأقران.
وفي ربيع الآخر من سنة سبع وثلاثين وأربعمائه، غادرت مرو فحططت الرحال بقري(مرو الرود) الخمس يوم كان القران واقعاً بين الرأس والمشتري، يقولون إنّ الباري تعالي يستجيب في ذلك اليوم لحاجات الناس، فذهبت إلي زاوية وصلّيت ركعتين، والتمست الله- تبارك وتعالي- المكنة الحقيقية، وتفاءلت وقلت لنفسي: لقد قضي الله حاجتي، فتوجّهت من هناك إلي(جوزجانان) وأقمت نحو شهر، أشرب النقيع. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (قولوا الحق ولو علي أنفسكم) وفي ذات ليلة رأيت في المنام من يقول لي: (كم من ذا الشراب تريد شربه؟! إنه يزيل عقل المرء، إن تك صاحياً خير لك). فأجبت: غير هذا لم يستطع الحكماء صنع ما يحدّ من هموم الدنيا، فأجاب: لا راحة في السكر، ونسيان هموم الحياة وتجاهلها، فليس بوسع الحكيم أن يدلّ الناس علي ما يشغلهم عنها، بل إنه مدعوّ لطلب ما يزيد العقل والذكاء). فقلت: أني لي هذا، فقال: (من جدّ وجد) وعند ذاك أشار نحو القبلة، فسكت عن الكلام، ولما أفقت من النوم كنت أتذكر كل ذلك، فقلت لنفسي: قد أفقت من نوم البارحة، وعليّ الآن أن أفيق من نوم طال أربعين سنة!) فغسلت الرأس والجسم وذهبت إلي المسجد الجامع وأقمت الصلاة واستعنت بالباري تبارك وتعالي في أداء ما هو واجب عليّ، والكف عن المنهيات والأعمال غير اللائقة كما أمر الحق سبحانه وتعالي، وعزمت علي السفر إلي القبلة...).
أحبتنا المستمعين!
بهذا نصل الي ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من «ذخائر العبر» ملتقانا معكم في الأسبوع القادم بإذن الله، عند عبر أخري من ذخائر الأدب الفارسي، فحتي ذلك الحين نستودعكم الرعاية الإلهية، وتقبلوا تحياتنا وأمانينا