أهلاً بكم في لقاء آخرمن هذا البرنامج أعددنا لكم فيه حكايةً واحدة هي حكاية الصبي الحكيم، وهي حكاية تشتمل علي عدة هدايات بليغة لمن أراد النجاة في الدنيا والآخرة.
حكي العلامة عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليافعي الشافعي اليمني في كتابه: روض الرياحين في مناقب الصالحين وعلي الصفحة 67 من الطبعة المصرية قال: الحكاية السادسة والخمسون عن بهلول رضي الله عنه قال: بينما أنا ذات يوم في بعض شوارع البصرة وإذا الصبيان يلعبون بالجوز واللوز، وإذا بصبي ينظر إليهم ويبكي.
فقلت: هذا صبي يتحسرعلي ما في أيدي الصبيان ولا شيء معه فيلعب به.
فقلت له: أي بني ما يبكيك؟ أشتري لك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان.
فرفع بصره الي وقال: ما للعب خلقنا؟
فقلت: أي بني فلماذا خلقنا.
قال: للعلم والعبادة.
قلت: من أين لك ذلك بارك الله تعالي فيك.
قال: من قوله عزوجل: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ».
قلت له: أي بني إني أراك حكيما فعظني وأوجز، فأنشأ يقول:
أري الدنيا تجهز بانطلاق
مشمرة علي قدم وساق
فلا الدنيا بباقية لحي
ولا حي علي الدنيا بباق
كأن الموت والحدثان فيها
إلي نفس الفتي فرسا سباق
فيا مغرور بالدنيا رويدا
ومنها خذ لنفسك بالوساق
حكاية هذا (الصبي الحكيم) طبق ما نقلها العلامة اليافعي الشافعي قال: قال بهلول رضي الله عنه: ثم رمق الصبي السماء بعينيه وأشارإليها بكفيه ودموعه تنحدرعلي خديه، وأنشأ يقول:
يا من إليه المبتهل
يا من عليه المتكل
يا من إذا ما آملٌ
يرجوه لم يخط الأمل
قال الراوي: فلما أتم كلامه خرمغشيا عليه، فرفعت رأسه إلي حجري ونفضت التراب عن وجهه بكمي، فلما أفاق قلت أي بني ما نزل بك وأنت صبي صغير لم يكتب عليك الذنب.
قال: إليك عني يا بهلول، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا يتقد لها إلا بالصغار، وأنا أخشي أن أكون من صغار حطب جهنم.
فقلت له: أي بني أراك حكيماً فعظني وأوجز فأنشأ يقول:
غفلتُ وحادي الموت في أثري يحدو
فإن لم أرح يوماً فلابد أن أغدو
أُنعّم جسمي باللباس ولينه
وليس لجسمي من لباس البلا بُدُ
كأني به قد مرفي برزخ البلا
ومن فوقه ردم ومن تحته لحد
وقد ذهبت مني المحاسن وانمحت
ولم يبق فوق العظم لحم ولاجلد
أري العمر قد ولي ولم أدرك المني
وليس معي زاد وفي سفري بُعُد
وقد كنت جاهرت المهيمن عاصيا
وأحدثت أحداثا وليس لها رد
وأرخيت خوف الناس سترا من الحيا
وما خفت من سري غداً عنده يبدو
بلي خفته لكن وثقت بحلمه
وإن ليس يعفو غيره فله الحمد
فلوا لم يكن شيء سوي الموت والبلا
عن اللهو لكن زال عن رأينا الرُشد
عسي غافر الزلات يغفر زلتي
فقد يغفر المولي إذا أذنب العبدُ
أنا عبد سوء خنت مولاي عهده
كذلك عبد السوء ليس له عهدُ
فكيف إذا أحرقت بالنار جثتي
ونارك لا يقوي لها الحجر الصلدُ
أنا الفرد عند الموت والفرد في البلا
واُبعث فردا فارحم الفردَ يا فردُ
ننقل لكم حكاية هذا الصبي الحكيم الذي لم يعرف بهلول هويته بعد، نشير الي أن الأبيات التي أنشأها الصبي تعبر عن حال من أغفلته الدنيا عن الإستعداد للآخرة وقد تقدم به العمر ولا تعبر عن حاله هو وإنما أراد من إنشائها موعظة بهلول وقد أثرت فيه بالفعل كما نري في تتمة الحكاية التي نقلها العلامة اليافعي في كتاب رياض الرياحين في مناقب الصالحين، حيث قال بهلول: فلما فرغ من كلامه وقعت مغشياً عليّ وإنصرف الصبي فلما أفقتُ نظرت الي الصبيان فلم أره معهم.
فقلت لهم: من يكون ذلك الغلام؟
قالوا: أو ما عرفتَهُ؟
قلت: لا.
قالوا: ذلك من أولاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين.
قلت: قد عجبت من أين تكون هذه الثمرة إلا من تلك الشجرة، نفعنا الله تعالي به وبآبائه آمين.
*******