أنخ الطّلاح .. ففي الطّفوف مرامها
واعقل .. فقد بانت لنا أعلامها
وارو بدمعك تربها .. فكم ارتوي
بدما نحور بني النبيّ رغامها
شمخت علي السّبع الشّداد بأنجم
بزغت غداة ابن النبيّ إمامها
إن من بواعث الحزن ومثيرات الأسي عند بعض المؤمنين، سماعه باسم الأرض التي أصبحت مصرعاً للإمام الحسين صلوات الله عليه ومدفناً له فيما بعد ثمّ حائراً وحرماً ومشهداً نورانياً تحجّ إليه القلوب والأرواح من أقطار الأرض وطبقات السماء، تزوره الملائكة وأرواح الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، كما ورد ذلك عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، ورواه ابن قولويه في (كامل الزيارات)، والميرزا النوريّ في (مستدرك الوسائل).
وكان الله تبارك وتعالي قد ذكر لرسوله الأكرم، محمّد (صلي الله عليه وآله وسلّم)، بيانات ما سيجري علي سبطه الحسين (عليه السلام)، وكان من ذلك أن أعلمه بالأرض التي يقتل فيها سيّد الشهداء، وأراه تربتها، فشمّها (صلي الله عليه وآله) وبكي، وقال: ريح كرب وبلاء!
وقد تعدّد اسم تلك الأرض في الروايات الشريفة، فمرّةً جاء بلفظ: (شاطئ الفرات)، ومرّةً بلفظ: (الطّفّ)، ومرّاتٍ عديدةً بلفظ:(كربلاء). تعدّدت الأسماء، لكنّ الحالة التي سمع بها ذلك رسول الله كانت واحدة وهي الحزن والبكاء، والمأتم والعزاء.
في الجزء الأوّل من (مقتل الإمام السبط الشهيد) روي الخوارزميّ الحنفيّ أنّه لمّا أتت علي الحسين من مولده سنتان كاملتان، خرج النبيّ في سفر، فلمّا كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك فقال: (هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها (كربلاء)، يقتل فيها ولدي الحسين ابن فاطمة).
وفي (المعجم الكبير) روي الطبرانيّ الشافعيّ عن عائشة أنّها روت أنّ جبريل (عليه السلام) قال لرسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ أمّتك ستقتله من بعدك، وأراه تربته ثمّ قال: في هذه الأرض يقتل ابنك يا محمّد، واسمها الطّفّ.
وتنقل مثل هذه الروايات والأخبار حتي راجت واشتهرت عند المسلمين. أنّ الحسين قتيل شهيد، وأنّ قتله وشهادته في أرض اسمها(كربلاء) وهي في العراق، فبعد الخبر الذي يرويه أحمد بن حنبل في (مسنده) عن أنس بن مالك، وينتهي إلي أنّ أمّ سلمة أخذت التربة الحمراء التي جاء بها الملك للنبيّ (صلي الله عليه وآله) من أرض المقتل، فصرّتها في خمارها، نقل ابن حنبل عن ثابت أنّه قال: بلغنا أنّها (كربلاء).
كذا في (دلائل النبوّة) كتب أبو نعيم الأصفهانيّ بسنده عن سليمان بن أحمد، أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) شمّ تلك التربة الزاكية فقال: ريح كرب وبلاء!
قال سليمان: فكنّا نسمع أنّه يقتل بكربلاء.
وفي كتاب (الشمائل) للحافظ الترمذي صاحب الصحيح عن أنس بن مالك أنّ أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضوان الله عليها جعلت التراب الأحمر في ثوبها، ثمّ قال الترمذيّ: قال ثابت (وهو ثابت بن أسلم البنانيّ): كنّا نقول: إنّها كربلاء.
*******
نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج تأريخ المجالس الحسينية، بأشارة الي الآثار التبليغية لإقامة المجالس الحسينية، بأشارة تبليغية في اقامة المجالس الحسينية نستمع لها من سماحة الشيخ نبيل حلباوي استاذ حوزوي وجامعي من دمشق:
الشيخ نبيل حلباوي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر الميامين.
السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين، السلام عليك وعلى الارواح التي حلت بفنائك واناخت برحلك عليك مني سلام الله ابداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ياليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً.
ان المجالس الحسينية التي نعتقد ونوقن ان اول من اقامها وشيد لها واسس لها وبنى لها ونظر له هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان يرثي الحسين (عليه السلام) قبل ان يستشهد وحين شد الامة اليه بأعتباره رمزاً للثورة والرفض للظلم وعندما نوه بهذا الامام العظيم وقال: "حسين مني وانا من حسين" هذه المجالس التي ايضاً اقامها وشيدها الائمة (عليهم السلام) من الامام علي (عليه السلام) الى الائمة جميعهم هذه المجالس لها دور ولها وظيفة ولها هدف ولها رسالة في خدمة الاسلام وفي خدمة المسلمين بل في الانفتاح على الانسانية كلها، الدور التبليغي العظيم لهذه المجالس ان تبلغ الاسلام كله، ان تبلغ الاسلام عقيدة وان تبلغ الاسلام قيماً واخلاقاً وان تقدم الاسلام سلوكاً ومنهجاً ونظماً يعني على مستوى النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، وظيفة هذه المجالس ان تقدم الاسلام النقي الصافي الخالص من كل الشوائب والبعيد عن كل الاباطيل وكل الخرافات وكل الخزعبلات، وظيفة هذه المجالس الحسينية ان تبث في الامة دائماً وابداً زخماً من حيوية الضمير لأن لا يموت الضمير وان تتدفق في عروق الناس ارادة لأن لا تموت الارادة، وظيفة هذه المجالس ان تذكي في الناس عاطفة مقدسة لأحترام كل مقدس وللدفاع عن كل المقدسات وللوقوف الى جانب الحق وللوقوف بوجه الباطل في كل زمان وفي كل مكان، وظيفة هذه المجالس ان تجعلنا نتحد ونلتقي معشر المسلمين في وجه الباطل الاستكباري والباطل الصهيوني الذي يريد ان يدمر مقدساتنا ولا سيما المسجد الاقصى والقدس وان نكون مع المقاومة الشريفة العظيمة التي تدافع وتقف شامخة في وجه ذلك العدو سواء في لبنان ام في فلسطين ام في اي مكان من ارض الاسم والمسلمين، وظيفة هذه المجالس ان تربي وان تصوغ الناس، ان تصوغ شبابنا صياغة حسينية يعني ان يكونوا على منهج الحسين وطريق الحسين وخط الحسين (عليه السلام) وان تصوغ بناتنا صياغة زينبية ليتعلموا من السيدة زينب (عليها السلام) شموخها واباءها وفهمها وجرأتها ومواجهتها للطواغيت في مجالسهم ودورها الاعلامي العظيم في خدمة اهداف الثورة الحسينية اذن هذا هو الدرس التبليغي الذي يجب ان تذيعه هذه المجالس وان تبتعد عن كل الوان الاساءة الى تلك القيم العليا وان ترتقي عن كل تحريف معنوي او تحريف لفظي وان تكون في خدمة وحدة المسلمين وعزة المسلمين وكرامة المسلمين بل ان تكون في خدمة الانسانية كلها وان تنقتح على الانسانية وان تشد كل الناس الى هذا المنهج العظيم الذي لا نجاة للبشرية الا ان تنخرط فيه وتنسلك فيه لتتغلب على الطواغيت والمستكبرين جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******
ننقل لكم بعضاً من روايات إقامة أمير أمير المؤمنين (عليه السلام) لمجالس العزاء الحسيني قبل إستشهاد نجله سيد الشهداء (سلام الله عليه).
وتمضي عقود السنوات، ويسير أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) إلي صفين، فيكون طريقه علي أرض كربلاء، فتستوقفه تلك الأرض بل تبكيه بكاءً شديداً، ذكر ذلك الخوارزميّ في (مقتل الحسين (عليه السلام))، ذاكراً حديثاً كان أخرجه الطبرانيّ في (معجم) عن شيبان، قال: إنّي لمع عليّ إذ أتي كربلاء، فقال: في هذا الموضع شهداء، ليس مثلهم شهداء!
ثم قال قال الخوارزميّ: ذكر الحاكم الجشميّ أنّ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) لمّا سار إلي صفين نزل بكربلاء وقال لابن عبّاس: (أتدري ما هذه البقعة؟!
قال: لا.
قال: لو عرفتها لبكيت بكائي.
ثم بكي (عليه السلام) بكاءً شديداً ثمّ قال: مالي ولآل أبي سفيان؟!
ثمّ التفت إلي الحسين (عليه السلام) وقال: صبراً يا بنيّ، فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقي بعده.
ثمّ تمضي سنوات أخري، ويسير الإمام الحسين (عليه السلام) إلي كربلاء، قال هلال بن خبّاب: فلمّا أصبح الحسين في المكان الذي أصيب فيه (أي فيما بعد في كربلاء)، وأحيط به، أتي له بنبطيّ، فقال له الحسين: ما اسم هذه الأرض؟!
سأله وهو يعلم، ولعلّه أراد أن يسمع الآخرين ما سيكون من جواب النبطيّ، وما كان صدر من قبل من رسول الله (صلي الله عليه وآله) من إنباء وهو الصادق المصدّق، فأجابه النبطي قائلاً: أرض كربلاء.
فقال الحسين: صدق رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أرض كرب وبلاء.
ثمّ قال (عليه السلام) لأصحابه: ضعوا رحالكم، مناخ القوم مهراق دمائهم.
روي ذلك الزرنديّ الحنفيّ في (نظم درر السمطين) عن هلال بن خبّاب، هذا الراوي الذي روي هو نفسه أنّ جبريل خفق بجناحه فجاء بتربة فقال لرسول الله (صلي الله عليه وآله): أما أنّه (أي الحسين) يقتل علي هذه التربة، فسأله النبيّ: ما اسم هذه التربة؟!
فقال: كربلاء.
وفي رواية الطبرانيّ أنّ جبريل قال له: إنّ أمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول جبريل من تربتها فأراها النبيّ (صلي الله عليه وآله).
فلمّا أحيط بالحسين حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟!
قالوا: كربلاء.
فقال (عليه السلام): صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء!.
ولم يزل رسول الله (صلي الله عليه وآله) يذكر بكربلاء، ويقيم المآتم في بيوت زوجاته، ومسجده وبين أصحابه وخاصّته، ينبّه إلي واقعة عظمي ستقع، وأمر خطير سيكون، وفاجعة كبري ستحلّ، حتي إذا وقعت وكانت فحلّت بالحسين، عاد رسول الله ينبّه من جديد إلي حدث، أخرج الحافظ الترمذيّ في (الجامع الصحيح) بسنده عن رزين أنّ سلمي حدّثته قائلة: دخلت علي أمّ سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟!
قالت: رأيت رسول الله - تعني في المنام - وعلي رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟!
فقال: شهدت قتل الحسين آنفاً!
وفي رواية المحبّ الطبري في (ذخائر العقبي)، والسيوطيّ في (تاريخ الخلفاء)، والذهبيّ في (سير أعلام النبلاء) أنّ أمّ سلمة رأت رسول الله في المنام أشعث مغبراً وعلي رأسه التراب، فقالت له: يا رسول الله، مالي أراك أشعث مغبّراً؟!
قال: قتل ولدي الحسين، وما زلت أحفر القبور له ولأصحابه.
هذا، فيما روي ابن عساكر في (تاريخ دمشق) أنّ زيد بن جدعان قال: استيقظ ابن عبّاس من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله!
فقال له أصحابه: كلا يا ابن عبّاس!
قال: رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا تعلم ما صنعت أمّتي من بعدي؟! قتل ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعها إلي الله عزّوجلّ!
قال ابن جدعان راوي هذا الخبر: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه ذلك ابن عبّاس وتلك الساعة، قال: فما لبثوا إلّا أربعةً وعشرين يوماً حتي جاءهم إلي المدينة أنّه قتل الحسين في ذلك اليوم، وفي تلك الساعة!!
قد إتضح منها أن لهذه المجالس دوراً أساسياً في تعريف الأمة بالإسلام المحمدي الأصيل من جهة ومن جهة أخري تعريفها بأعدائه ومحرفي حقائقه.
كما إتضح دور مجالس العزاء الحسيني التي كان يقيمها النبي المصطفي ووصية المرتضي (عليهما السلام) وقبل إستشهاد ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، اتضح دورها في حث الأمة الإسلامية بمختلف أجيالها علي الإستمرار في إقامة هذه المجالس حفظاً علي إسلامها النقي من تحريف المحرفين.
*******