هذي الطّفوف .. فقف وعينك باكية
تُجري الدّما .. بدل الدّموع الجارية
أنسيت خطباً قد ألمّ بكربلا
فتزلزلت منه الجبال الرّاسية
وقضي علي آل النبيّ محمّد
بخطوب غدرٍ لم تزل متوالية
يومٌ به للدّين أعظم حادثٍ
منه الهدي أركانه متداعية
قد هدّمته يدا أميّة بعد ما
بالحقّ قد شاد الوصيّ مبانية
بأبي أبيّ الضيّم حامي حوزة الإسلام
والإسلام يطلب حامية
حتي إذا أهدت إليه يد القضا
سهماً له قوس المنيّة رامية
فانقضّ عن فلك الهدي بدر الهدي
فسماؤه بعد الإنارة دامية
واهتزّت الأرض البسيطة والسّما
كادت تخرُّ علي البسيطة هامية
وبكت ملائكة السّماء لفقد من
في مهده جبريل كان مناغية
إخوتنا المؤمنين المواسين لآل الله، والمتأسّين برسول الله، السلام عليكم ورحمة الله، أعظم الله أجورنا وأجوركم.
كتب السيّد المقرّم الموسويّ في (مقتل الحسين (عليه السلام)): إنّ حديث مقتل الحسين (أي خبره) أبكي الرسول الأقدس وأشجاه وهو حيّ، فكيف به لو رآه صريعاً بكربلاء في جماعة من آله كأنهم مصابيح الدّجي، وقد حلّؤوه ومن معه عن الورد المباح.
نعم، والحديث ما زال للسيّد المقرّم - لقد شهد نبيّ الرحمة فلذّة كبده بتلك الحالة التي تتفطّر لها السّماوات، ورأي (أي من خلال الغيب) ذلك الجمع المغمور بالأضاليل متألبّاً علي استئصال آله من وجه الأرض، فشاهد النّبيّ بعض من حضر ينظر الجمع مرّة، والسماء أخري، مسلّماً للقضاء.
وأمّا بعد الواقعة الفاجعة، فقد خاطبة الشريف الرضيّ (رضوان الله عليه) وهو أحد أحفاده، قائلاً له يصوّر له مشاهد من كربلاء النكبات وشهدائها البررة:
يا رسول الله لو عاينتهم
وهم ما بين قتل وسبا
من رميض يمنع الظّلّ ومن
عاطشٍ يسقي أنابيب القَنا
ومسوقٍ عاثرٍ يسعي به
خلف محمولٍ علي غير وطا
ليس هذا لرسول الله يا
أمّة الطّغيان والبغي جزا
جزروا جزر الأضاحي نسله
ثمّ ساقوا أهله سوق الإما
هاتفات برسول الله في
بهر السعي وعثرات الخطي
يا قتيلا قوّض الدهر به
عُمُدَ الدّين وأعلام التقي
قتلوه بعد علمٍ منهم
أنّه خامس أصحاب الكسا
غسّلوه بدم الطعن وما
كفّنوه غير بوغاءٍ الثـّري
ميّتٌ تبكي له فاطمة
وأبوها، وعليُّ المرتضي
لو رسول الله يحيا بعده
قعد اليوم عليه للعزا!
نعم، لو رسول الله يحيا بعده.
قعد اليوم عليه للعزا!
*******
وقبل أن نسترسل في الحديث عن مجالس البكاء المحمدية علي المظلومية الحسينية، نتطرق الي شبهة يوردها البعض بشأن تلقيب الإمام الحسين (عليه السلام) بلقب سيد الشهداء، فكيف يكون ذلك وقد أطلق رسول الله (صلي الله عليه وآله) هذا اللقب علي عمه حمزة (سلام الله عليه)؟
نستمع معاً للاجابة من ضيف هذه الحلقة وهي الثامنة من برنامج تاريخ المجالس الحسينية سماحة الشيخ جعفر فضل الله الاستاذ في الحوزة العلمية من بيروت:
الشيخ جعفر فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
في البداية نعزي الامة الاسلامية جميعاً بذكرى ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) الذي انطلق ليجدد تأكيد الخط العام الذي انطلق به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مواجهة الواقع المنحرف الظالم واستشهد وهو يرفض ان يعطي بيده اعطاء الذليل او يقر اقرار العبيد، في الواقع التسميات تخضع لعنوان عام، نحن نعرف ان الاسلام الحنيف اكد على مسألة الشهادة بين يدي الله عزوجل وركز على ان الانسان الذي يجاهد فيقتل في سبيل الله فيكون شهيداً والتسمية تخضع للمنزلة او المرتبة التي يتمتع بها هذا الشهيد او ذاك فيمكن ان نسمي شخصاً امير الشهداء او سيد الشهداء او شيخ الشهداء او ما الى ذلك، نحن نعرف ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد اطلق لقب سيد الشهداء على عمه الحمزة (عليه السلام) الذي استشهد في معركة احد وكان لعمه الموقع المميز الذي حمى رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من كيد المشركين وهذه التسمية انطلقت لتؤكد منزلته وموقعه ذلك ولكن هذا لايعني انه يقتصر في التسميات على هذا الشخص بأعتبار ان الخط العام وهو خط الشهادة هو خط متحرك في مدى الزمن لأنه في كل زمان هناك جهاد في سبيل الله وهناك موقع للحق مقابل موقع للباطل وهناك موقف للباطل في مقابل موقف الظلم فبالتالي نحن نستطيع ان نطلق العنوان الاسلامي في مدى الزمن حيث يتحرك هناك رموز ليجاهدوا في سبيل الله ويعيدوا تأكيد حضور الدين الاسلامي في حياة المجتمع وفي حياة الناس بحيث يمكن الاشارة الى مرحلتهم او الى شهادتهم انها شكلت منعطفاً ينطلق فيه الاسم ليتحرك بأتجاه آخر يعود الناس فيه الى رشدهم والى صوابهم والى دينهم فيما لو ترك هذا الامر اذا ذهب الناس مذاهب عديدة ولذلك لا ضير من ان نطلق عنوان ولقب سيد الشهداء على الامام الحسين (عليه السلام) لأن هذا الامام قد انطلق ليعيد الاسلام حيث رأى الناس ترجع عن الاسلام ورأى دين الله تعالى الناس يتخذونه مذاهب واتجاهات منحرفة اشد الانحراف عن الاسلام فقام ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما كان عمه الحمزة قد انطلق ليحمي رسول الله وليساعد رسول الله وليؤكد من خلال موقعه المميز في قريش موقع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقابل المشركين، اذن التسميات تخضع للعنوان العام الذي يمكن ان يتحرك في متغيرات الزمن وبالتالي يمكن لنا ان نطلق لقب سيد الشهداء على ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ونطلق لقب سيد الشهداء على الحمزة كما ان القرآن اطلق لقب سيدة نساء العالمين على السيدة مريم (سلام الله عليها) ونطلقه نحن على سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، التسميات لا مشكلة فيها لأن التسميات تلعب دوراً في الاشارة الى الموقع المميز الذي تحتله هذه الشخصية في مرحلتها الزمنية والتي تؤكد القيمة الاساسية التي تنطلق بها وعليها ومن اجلها وفي خطها.
*******
فما يدرينا كم قعد رسول الله علي حبيبه وسبطه وريحانته الحسين للعزاء، بل وما يدرينا كيف حضر بعد الشهادة العظمي في كربلاء! بل وكم كان قد أقام المآتم في عشرات المواقف علي ولده أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وعلي أهل بيته عليهم الصلاة والسلام!
فكم بكي، فسأله أمير المؤمنين عليٌّ وصيّه: ما يبكيك؟
فيجيبه: (ضغائن في صدور قومٍ لا يبدونها لك حتي يفقدوني)، أو قال (صلي الله عليه وآله): (ضغائن في صدور قومٍ لا يبدونها، حتّي أفارق الدنيا، أو إلّا من بعدي).
هكذا روي البزّاز في مسنده، والطبرانيُّ في المعجم الكبير، وأبو يعلي في مسنده، وابن عساكر الدمشقيُّ الشافعيُّ في (تاريخ دمشق)، والهيثميُّ في (مجمع الزوائد) وغيرهم. وكم ضمّ الحسين إلي صدره وشمّه وقبّله وبكي، وعاد يلثم مواضع السيوف والرماح والسهام في بدنه، ويخصّ شفتيه بالتقبيل وهما مواضع الضرب بالقضيب والخيزران ولمّا أتاه جبرئيل (عليه السلام) بتربة مصرع الحسين، ومن موضع يهراق فيه دمُ أحد ولديه ولم يخبره باسمه، شمّها رسول الله وقال: (هذه رائحة ابني الحسين).
ثمّ بكي، فقال له جبرئيل: صدقت.
وكم شمّ تلك التربة وبكي وهو يقول: (ريح كربٍ وبلاء!)، أو يقول: (والذي نفسي بيده إنّه ليحزنني، فمن هذا يقتل حسيناً بعدي؟!)
وفي المقابل كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يمسك علي قلبه المقدّس بالصبر الجميل، والتسليم التّام لأمر الله تعالي، وينظر إلي محبّي ولده الحسين ومواليه بعين الرفق والرحمة والشفاعة. روي الشيخ المجلسيّ رحمه الله في (بحار الأنوار) من مؤلفات الأصحاب، عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضوان الله تعالي عليها أنّها قالت: دخل رسول الله ذات يوم، ودخل في أثره الحسين والحسين وجلسا إلي جانبيه، فأخذ الحسن علي ركبته اليمني، والحسين علي ركبته اليسري، وجعل يقبّل هذا تارةً وهذا أخري، وإذا بجبرئيل قد نزل وقال: يا رسول الله، إنّك لتحبّ الحسن والحسين؟
فقال: وكيف لا أحبّهما وهما ريحانتاي من الدّنيا وقرّتا عيني!).
فقال جبرئيل: يا نبيّ الله، إنّ الله قد حكم عليهما بأمرٍ، فاصبر له.
فقال (صلي الله عليه وآله): وما هو يا أخي؟
فقال: قد حكم علي هذا الحسن أن يموت مسموماً، وعلي هذا الحسين أن يموت مذبوحاً، وإنّ لكلّ نبيٍّ دعوةً مستجابة، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين، فادع الله أن يسلّمهما من السّم والقتل، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرةً في شفاعتك للعصاة من أمّتك يوم القيامة.
فقال النّبيُّ (صلي الله عليه وآله): (يا جبرئيل، أنا راضٍ بحكم ربّي، لا أريد منه إلّا ما يريده، وقد أحببت أن تكون دعوتي دخيرةً لشفاعتي في العصاة من أمّتي، ويقضي الله في ولديّ ما يشاء).
يا رسول الله، ويا حبيب الله، نرفع إليك أحرّ العزاء في ذكري مصيبتك النكباء العظمي بحبيبك الحسين، مشفوعةً بحبّنا وولائنا وحزننا علي ولدك الحسين، لعلّك تستغفر لنا ربّنا الرحيم ونحن المذنبون المقصّرون من أمتك، كما استغفرت لأحد أصحابك وقد أذنب فتغيّب عنك، حتي إذا لقي الحسن والحسين في الطريق وهما صغيراً سنٍّ، أخذهما وحملهما علي عاتقيه، وجاء بهما إليك، صلي الله عليك، وقال لك: يا رسول الله، إنّي مستجيرٌ بالله وبهما.
فضحكت حينها يا رسول الله حتي رددت يدك الطاهرة إلي فمك الشريف، ثمّ قلت للرجل: إذهب فأنت طليق، ثمّ التفتَّ إلي ولديك الحسن والحسين فقلت لهما: قد شفّعتكما فيه أي فتيان!
فأنزل الله تعالي عليك يا رسول الله: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا». (النساء، ٦۳)
فيا أيها الهادي الرؤوف، قد ظلمنا أنفسنا، واستغفرنا ربّنا، فاستغفر لنا الله بارئنا، عسي أن نجده بلطفك وشفاعتك توّاباً علينا رحيماً، ونحن لولدك الحسين ذاكرون، وعليه مكتئبون باكون، ولمآتمه مقيمون.
*******