الحمدُ للهِ علي وافرِنَعمائِه، وأزكي صَلواتِه وأشرفها علي خاتَمِ رُسُلِه وأنبيائِه، وعلي آلِهِ أوصيائِه وخُلَفائِه.
أهلاً بكم في لقاءٍ طيّبٍ آخر، ووقفةٍ أخري عند شروط الخلافة الإلهيّة، وقدِ اقتضانا البحثُ إلي أن نقول بأن لابدّ لخلفاءِ الله، أنبياءَ ومرسَلين كانوا أم أوصياء، لابدّ لهم من أن يكونوا قد وَهَبَهُم اللهُ شرفَينِ متلازمين، هما: الطّهارةُ والعصمة.
فقد ورَدَ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قولُه: (الأنبياءُ وأوصياؤُهم لاذنوبَ لهم؛ لأنّهم معصومون مُطهّرون). وكان رسولُ الله (صلّي الله عليه وآله) قد أكد ذلك، في رواياتٍ عديدة، نَقَلتها مصادرُمتعدّدة.
فقد جاء في (ينابيع المودّة لذوي القربي) للشيخ سليمان القُندوزيِّ الحنفيّ، و(مودّة القربي) للسيّد علي الهمدانيّ، و(فرائد السمطين) للجُوينيِّ الشافعيّ، و(عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) للشيخ الصدوق وغيرها، عن ابن عبّاس أنّ النبيّ (صليّ الله عليه وآله) قال: (أنا وعليّ، والحسنُ والحسين، وتسعةٌ من وُلدِ الحسين، مُطهّرون معصومون). وكان الله تبارك وتعالي قد أنزل في ذلك آية التطهير، وهي قولُه عزّمن قائل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (الأحزاب، ۳۳) وقد أجمعت كتبُ التفسير والحديث والسيرة والرجال والتاريخ، أنّ الآية نازلةٌ في النبيّ وآله صلواتُ اللهِ عليه وعليهم. كان منها: صحيح مسلم، وصحيح الترمذي، والدُرُّ المنثور للسيوطيّ الشافعيّ، وجامع البيان للطبري، ومستدرك الصحيحين للحاكم النَّيسابوريِّ الشافعيّ، ومُسند أحمد بن حنبل إمامِ الحنابلة، وتاريخُ بغداد للخطيب البغداديّ وعشرات المصادر من كتب علماء السنة فضلاً عن مئات مصادر علماء الشيعة، أنّ رسول الله (صليّ الله عليه وآله) جمع عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسين، ثمّ أدار عليهُم الكساءَ فقال: اللهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي، اللهمّ أذهِب عنهُم الرجسَ وطهّرهُم تطهيراً. ومن هنا جاء عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قولُه: (إنّ اللهَ عزّوجلّ فضّلنا أهلَ البيت، وكيف لا يكون كذلك واللهُ عزّوجلّ يقول في كتابه: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، فقد طَهَّرنا اللهُ من الفواحش ما ظَهَرمنها وما بَطَن، فنحنُ علي منهاج الحقّ)، كذا ورد عنه (سلامُ اللهِ عَليه) قوله: (إنّ اللهَ طَهّرَنا وعَصَمنا، وجَعلنا شهداءَ علي خَلقِه، وحُجّتَه في أرضه، وجَعلنا مع القرآنِ وجعلَ القرآنَ معنا، لا نُفارقُه ولا يفارقُنا).
*******
كما لاحظتم تصرح الايات الكريمة وصحاح الاحاديث الشريفة ان من المهام الاساسية لخلفاء الله وحججه على خلقه كونهم (عليهم السلام) شهداء لله عزوجل على خلقه فماهي هذه الشهادة وماهي آثارها؟ نستمع معاً ايها الاخوة والاخوات لما يقوله ضيف الحلقة الاخيرة من برنامج خلفاء الله سماحة الشيخ خضر نور الدين الباحث الاسلامي وعضو في تجمع علماء المسلمين من بيروت:
الشيخ خضر نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم الاية الكريمة واضحة بقوله عزوجل: «وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم»حيث انه في يوم القيامة، يوم المحكمة الالهية الكبرى الانبياء والاوصياء طبعاً معهم يشهدون على الناس ويؤتى ايضاً بالشهداء ليشهدوا مع الانبياء وهذا واضح في الاية التي قرأتها، هذه الشهادة المقصود من خلالها ان كان للانسان حجة ان النبي هو اقدر على ان يكون في دائرة التكليف الشرعي حسب الارادة الالهية فيؤتى بالشهيد ليقول انا منكم اي انني لا اختلف عنكم، انا منكم وانا عشت حياتكم وولدت بنفس المجتمع الذي ولدتم فيه، انا استطعت ان اقف في مواجهة الظلم والمحتل ودمي غلب سلاح هذا المحتل وبالتالي نحن كبشر كان علينا ان نكون منتسبين للحكم الالهي بالعمل على اقامة دولة العدل الالهية وحكومة الخلافة التي تمثل خلافة الله عزوجل على الارض خير تمثيل، التقصير من الانسان وان كان له مبرراً كما هو حال البشر عموماً في ايجاد التبريرات والذرائع لمشاكلهم تأتي شهادة الشهيد الذي هو جزء من هذا المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه بنفس الظروف، بنفس الكيفية، بنفس الاوضاع ويظهر نفسه انه استطاع ان يصل الى التكليف الشرعي ويعمل حسب الارادة الالهية وبالتالي الانسان المقصر يحاسب ويقف على انه متهم ثبت عليه الذنب.
آثار هذه الشهادة ان الانسان المقصر يحاسب بحسب تقصيره حيث انه يمكن ان يكون هناك مقصراً درجة اولى ومقصراً درجة ثانية ومقصراً درجة ثالثة مثلاً من يكن مسؤولاً عن سكوته في خراب الامة وخراب الدين هذا تكليفه كبير وعقابه كبير بحسب التقصير الذي كان به، من كان مقصراً في شهادة، في استنقاذ حق شخصي طبعاً تكون درجته اخف وبالتالي بمقدار ما تكون المشكلة التي ارتكبها المكلف لها علاقة بالوضع الاجتماعي العام وبالوضع العام وخصوصاً في موضوع الدين والامة والوطن والشرف والكرامة والعزة كلما كان حسابه اكبر لذلك بالعموم الشهيد يأتي من المجتمع الزمن الذي عاشه يشهد على اهل زمانه، في كل مرحلة الله عزوجل يأتي بشهداء يشهدوا على اهل تلك المرحلة، يمكن القول بأختصار ان الشهيد يظهر في الوهلة الاولى بأعتبار انه يشفع وفيه فائدة لأهله ولرفاقه ولأخوانه هذا صحيح لكن هو سمي شهيد لأنه يؤخذ كشاهد يوم القيامة لذلك اقول للناس انه عليهم ان يلتفتوا الى ان الشهداء الذين كانوا بظرفهم سيكونوا خصومهم يوم القيامة اذا ما كانوا مقصرين فبأعتبار ان الشهيد الذي عاش نفس الظرف للاخرين استطاع ان يخرج من ظروفه وان يقوم بتكليفه فبالتالي كان بأستطاعة اي انسان ان يقوم بما قام به الشهيد لذلك يؤخذ الشهيد كحجة على المقصر ويكون شاهداً على الانسان وهذه الشهادة يمكن القول فيها ان من باب اقامة الحجة البالغة على الانسان تكفي المحكمة الالهية، تكفي ان يكون الانسان شاهداً على نفسه فلنلتفت الى امانة الشهداء ونعمل على حفظها كي لايكونوا خصومنا يوم القيامة فبالتالي هؤلاء الشهداء تركوا لنا ما نعمل على حفظه بعيداً عن هوى النفس وبعيداً عن التسلط وبعيداً عن حب الرئاسة والمواقع بحيث تأخذنا هذه المسائل بحيث نكون غير امناء على هذه الامانة الكبرى اي التي هي امانة الانبياء والشهداء، ونحن نعيش في ذكرى عاشوراء لنلتفت الى شهادة الامام الحسين (عليه السلام) الكبرى التي ترك من خلالها الامانة وكانت بالغة حجته سلام الله عليه على الامة من زمانه الى يوم القيامة بحيث ان الانسان مطلوب منه ان يعمل لعزته، لكرامته في العيش كما يريد الله عزوجل بعيداً عن الاستسلام للذل وانه من خلال العيش في الذل يحمل العار وبالتالي يفقد شيء من انسانيته ويمكن ان يتصف بالهوام والدواب وهذا ما لايحبه الله لهذا الانسان الذي كرمه وسخر له ما في السموات وما في الارض وعلى الانسان ان يكون بالمقام الذي اراده الله فيه، كرمه الله فعليه ان يحفظ هذه الكرامة وان يعمل بحسب القيم الانسانية وان يؤمن عقله جيداً لاان يكون اسيراً لغرائزه وشهواته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******
أحباءنا مستمعي علي جميل المتابعة للحلقة التاسعة والثلاثين من برنامج خلفاء الله وهي الحلقة الأخيرة منه وقد تعرفنا فيه علي الخصائص التي يتحلي بها خلفاء الله الحقيقيين والتي تميزهم (عليهم السلام) عن أدعياء الخلافة الإلهية علي مرالعصور والآن. يحسُن بنا أن نتعرّفَ علي معني العصمة، وضرورتها في الأنبياء والأوصياء.
قال علماء العقيدة: العصمة هي التنزُّهُ عن الذنوب والمعاصي، صغائرِها وكبائرِها، وعن الخطأ والنسيان.
قالوا: والدليل علي وجوبِ العصمةِ أنّه لو جاز أن يفعَلَ النبيّ مثلاً- حاشاه - المعصيةَ أو يخطأَ أو ينسي ويسهو، فإن وَجب اتّباعُه فقد جاز فعلُ المعاصي بل وجب، وهذا باطلٌ بضرورة الدين والعقل، وإن لم يجبِ اتّباعُه فذلك ينافي النبوّة التي لابدّ أن تُطاع.
أجَل، وكيفُ يوثَق بشخصٍ ينبغي أن يتَّبَعَ ويطاع وهو لا يسلمُ من الوقوع في الآثام والغفلات، ويطرأ عليه النسيانُ والسهو والخطأُ والغفلة؟! ولا يدري ما يأتي به أيكون قد صورعن وعيٍ أم لا، عن تذكرٍ وصحّةٍ أو عن اشتباهٍ وخَلطٍ واحتمالٍ مُتخيّل! وكيف يكون قيّماً علي الدين والشَّرع وهو لا يطمَأنّ إلي ما يأتي به ويصدُر عنه، لعدم تصوّر العصمة. إذن لابدّ من هذه الموهبة الإلهيّة المُودَعة في كلِّ قيّمٍ علي الدين، من نبيٍّ أو رسولٍ أو وصيّ، أو من كلِّ خليفةٍ لله تعالي رسولاً كان أو نبيّاً أو وصيّاً مُستحفظاً علي شريعة ربِّ العالمينَ جلّ وعلا.
كذلك لابدّ للخليفةِ الحقّ أن يعرفَ الحقَّ حقَّ معرفته، ويلتزمَ به ويثبّتَ عليه ولا يفارقَه، ولا نعلمُ في تاريخ الإسلام، بل ولا في تاريخ الأديان أنّ هذه الحالات كانت خَصلةً معروفة إلاّ فيمَن رُويَ عنه في كتب المسلمين سُنّةً وشيعة:
ففي (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر الشافعيّ عن أبي ذرّ، و(تُحفة المحبّين). لمحمّد بن رستم البخشانيّ، أنّ رسول الله (صليّ الله عليه وآله) قال: (عليٌّ مَعَ الحقّ والحقُّ مع عليّ، ولن يفترقا حتيّ يرِدا عليَّ الحوضَ يومَ القيامة)، كذلك روي هذا النصَّ الخطيبُ البغداديّ في (تاريخ بغداد/ ج ۱٤)، فيما نقل الهيثميُّ الشافعيُّ في (مجمع الزوائد ج۷) عن سعد بن وقاص، عن النبيّ (صليّ الله عليه وآله) قولَه: (عليٌّ مع الحقّ، والحقُّ مع عليٍّ يدورُ حيثمُا دار)، أي الحقُّ يدورُ مع عليٍّ حيثما دار، فقد أصبح (سلامُ الله عليه) هوالحقَّ الحقيق، وأصبحَ الحقُّ تابعاً له، فهوأولي أن يتَّبَع ويطاع، ولهذا جاء محمّدُ بن أبي بكرٍ يومَ الجَمَل إلي أخته عائشة فسلَّمَ عليها فلم تُجِبه، فقال لها: أسألُك بالذي لا إلهَ إلاّ هو، ألا سَمعتك تقولين: الزِم عليَّ بنَ أبي طالب؛ فانّي سمعتُ رسولَ الله (صليّ الله عليه وآله) يقول: (الحقُّ مع عليّ، وعليٌّ مع الحقّ، لا يفترقانِ حتّي يردا عليَّ الحوض)؟!
فقالت: بلي قد سمعتُ ذلك منه.
نعم، لابدّ من الطهارة الإلهيّة للخليفة ذاتاً ولادةً ونشأةً، أصلاً وأُرومةً وإدامةً، ولابدّ من العصمةِ العاصمة، والكمالات الكاملة في كلِّ الفضائل، من: العلم والعبادة، والتقوي والهداية، والأخلاق والمعجزات وغيرها، ليتمّ الاعتقادُ به إماماً وصيّاً خليفةً لرسول الله بالحقّ، وليوثَق به في أخذِ كلِّ ما تحتاج إليه الأُمّة في حياتها، بل وكذلك في آخرتها، في جميع الشؤون والأمور والأحوال والقضايا، فتراه مُجيباً لمُتطلَّباتها، عاملاً بأمر الله تعالي، قاضياً بالعدل والحقّ، ناشراً إحسانَه ورحمتَه وهدايته، حافظاً للدين، مُصلِحاً محافظاً علي المسلمين، يكون للناس جميعاً طيباً دوّاراً يعالج أمراضَهم، ويسقيهم ما يشفيهم، وهو في الوقت ذاتِه أمينُ الله، وحُجّةُ الله، والهادي إلي طاعةِ الله، والمُوصِلُ إلي مَرضاة الله.
وقد جاء في (حِلية الأولياء) لأبي نُعيم، و(كفاية الطالب) للگنجيِّ الشافعيّ أن بعضَ الصحابة قالوا: يا رسولَ الله، ألا تَستَخلفُ عليّاً؟
فقال: (إن تَستَخلِفُوا عليّاً- وما أراكم فاعلين- تَجدوه هادياً مهديّاً، يحمِلُكم علي المحجّة البيضاء)، وفي روايةٍ أخري: (تَجدوه هادياً مهديّاً، يسلُك بكم الطريقَ المستقيم).
*******