الحمد لله آناء الليل والنّهار، وأسمي الصّلاة والسّلام علي النبيّ المختار، وعلي آله الطيّبين الأبرار.
أهلاً بكم في هذا اللقاء، وكلّ لقاء طيّب معكم، وقد رسا بنا الحديث حول الخلافة الإلهيّة إلي ضرورة استمرارها في الأولياء، بعد الرسل والأنبياء، حيث الحاجة المبرمة للناس إلي من يمضي معهم يكمل لهم مسيرة النبيّ الراحل، مرشداً، إيّاهم الى طريق الحقّ، ومبيّناً لهم معالم الدين، ومحذراً من الانحراف، ومنبّهاً من الضّلال والتزوير، ومجيباً علي كلّ تساؤل، ورادّاً كلّ شبهة وتشكيك، وواضعاً الحلول لكلّ معضل ومشكل.
إذاً لا بدّ بعد النبيّ من وصيّ يكون قيّماً علي الأمة، يكون به الأمان، وحفظ الإيمان، روي الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) في كتابه القيّم: عيون أخبار الرضا (عليه السلام) في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنّه سمعها من الإمام الرضا (عليه السلام) مرّةً بعد مرّة، وشيئاً بعد شيء، مجيباً علي من يقول: لم جعل الله أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟
قائلاً (عليه السلام): لعلل كثيرة، منها: أنّ الخلق لمّا وقفوا علي حدّ محدود، وأمروا ألّا يتعدّوا ذلك الحدّ لما فيه فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من التعدّي والدخول فيما حظر عليهم، لأنّه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها - والحديث ما زال للإمام الرضا (سلام الله عليها) -: أنّا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملّة من الملل، بقوا وعاشوا إلّا بقيّم ورئيس، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدّين، فلم يجز في حكم الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه، ولا قوام إلّا به، إلي أن قال (عليه السلام): ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً، لدرست الملّة، وذهب الدّين، وغيّرت السّنّة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبّهوا علي المسلمين، لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين، محتاجين غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتّت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيماً حافضاً لما جاء به الرسول لفسدوا علي نحو ما بيّنا، وغيّرت الشرائع والسّنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.
*******
وكما تلاحظون فإن صحاح الأحاديث الشريفة تصرح بأن من أهم مهام خلفاء الله الصادقين في كل عصر هو حفظ الدين الإلهي وأحكامه النقية من الإندراس والتحريف، هنا يثار سؤال فيما يرتبط بخليفة الله في عصرنا وهو الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) فكيف يقوم (عجل الله فرجه) بهذه المهمة المحورية في عصر غيبته؟ يجيبنا عن هذا السؤال ضيف هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله سماحة الشيخ علي الكوراني الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة:
الشيخ علي الكوراني: بسم الله الرحمن الرحيم، سؤالكم ما معنى خليفة الله وان خليفة الله عزوجل له مهام على الارض ومنها حفظ الدين من التحريف وحفظ القرآن من التحريف فكيف يقوم بذلك الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه؟ جواب هذا السؤال انه اولاً مصطلح خلفاء الله، خلفاء الله في الارض هذا مصطلح قرآني وفي كتاباتنا الاسلامية وادبياتنا المتعارفة مع الاسف في العالم الاسلامي يتصورون ان خلفاء الله اسم للناس وانه صفة لكل انسان هو خليفة الله، الانسان خليفة الله، هم يخلطون بين المعنى اللغوي «يَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ» يعني خلفاً عن خلف، هذا المعنى اللغوي يعني اجيال متناسلة في الارض هذا معنى خلفاء الارض تخلفون الاجيال الماضية لكن خليفة الله الذي الله عزوجل يجعله خليفته والحاكم بأسمه والمخول بأسمه من الله عزوجل هذا محدود في أناس معينين، آدم خليفة الله، داوود خليفة الله ليس كل الانبياء خلفاء الله، بعضهم ولا كل الرسل، الانبياء مئة واربعة وعشرون الفاً كما روت ذلك مصادر المسلمين جميعاً والرسل ثلاثمئة وستون، من هؤلاء خلفاء وورد عندنا ان الملائكة، الله عزوجل قال للملائكة تعلموا من لقمان قولوا له: هل تريد ان يجعلك الله خليفة في الارض؟
فقالوا: له.
قال: انا لا اريد فالله عزوجل.
قال للملائكة أسألوه: لماذا وتعلموا منه.
قال: انا لا اريد، ان هو يريد نعم اقبل.
قالوا له: لماذا انت لا تريد؟
قال: اذا اردت انا فهذا طلب مني والله عزوجل يعطيني طلبي ويجعلني خليفة ولكن لا يسددني ويوكلني الى نفسي، يمكن الذي احصل عليه في النتيجة اقع في اخطاء واضر نفسي، لا انا لا اريد لكن اذا هو قال لي: انت كن خليفة فهو الذي يجيزني ويسددني وينجحني، اذن خليفة الله مصطلح ونحن عندنا ان النبي والائمة (عليهم السلام) خلفاء الله في ارضه، خليفة الله في ارضه اذا هو حاكم مبسوط اليد يدير الامور كما يهديه ربه سبحانه وتعالى واذا لم يكن حاكماً، كثير من الانبياء كانوا محكومين ماكانوا حكاماً وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله) قبل ان يكون مبسوط اليد، اكثر الائمة (عليهم السلام) كذلك محكومين فكيف يعملون؟ يعملون ببرنامج رباني ومهام يحفظون هذا الدين وقد وردت في الاحاديث الشريفة من مصادر الفريقين ان الله عزوجل تكفل لدينه في كل عصر من ينفي عنه تحريف المحرفين وتأويل الغالين، الامام المهدي (سلام الله عليه) ايضاً بأجماع كل المسلمين انه مهدي، الان له برنامجه مع الخضر وجنود الله في الغيب وعندما يظهر (سلام الله عليه) يظهر الاسلام غضاً ندياً، انما سمي المهدي لأنه يهدي الى امر جديد قد ظل عنه الجمهور، يهدي الناس الى واقع الدين ويخرج القرآن للناس حياً غضاً طرياً، نفس القرآن بأملاء النبي (صلى الله عليه وآله) وبخط علي (عليه السلام)، نفس قرآننا هذا، في فروقات في ترتيب الايات فهو اذن يحفظ القرآن بالمهام الموكولة اليه الان ويحفظ القرآن اذا ظهر ويظهر علومه (سلام الله عليه) الى العالم والمعجزة الاساسية للامام المهدي (سلام الله عليه) انه يحفظ هذا الدين بالعلم وبمعجزات العلوم، العلوم تكون في عصره جزئين فيضم اليها خمساً وعشرين جزءاً يعني خمساً وعشرين ضعفاً ويبثها في الناس سبعاً وعشرين وعلوم القرآن في طليعتها فحفظه للقرآن يكون بتعميمه، بأظهار اسراره، بأظهار معجزاته (سلام الله عليه) وشكراً.
*******
وبعد وصل الحديث بنا إلي ضرورة الخليفة بعد النبيّ، ولا بدّيّة الوصيّ، يوقفنا البحث العلميّ علي مسألتين:
الأولي: من يعيّن ذلك الخليفة الوصيّ.
والثانية: ما هي الخصائص التي ينبغي أن يتحلّي بها وليّ الأمر بعد النبيّ - باعتباره خليفته - لينهض بإكمال دوره في حياة الدين وحياة الأمّة؟
بلا شك يحكم العقل والمنطق، والذوق الاجتماعي، فضلاً عن الدين، بأنّ آراء الناس - مهما نضجت - فهي ناقصة متعارضة، مشوبة بالأهواء والجهالات والقصور، ولذلك تكون نتائجها الفساد والخصومات والتسقيط والجهالات والقصور، ولذلك تكون نتائجها الفساد والتسقيط والتخطئة والمخالفة وكما عجز الناس ويعجزون عن تعيين الأنبياء، كذلك يعجزون عن تعيين الأولياء، بل لا حقّ لهم أن يتدخّلوا في مثل هذه الأمور الإلهيّة، وإلّا لأجازوا لأنفسهم تعيين الأديان والشرائع التي تتناسب مع أمزجتهم وتعصّباتهم وضلالاتهم!
إنّ الله أعزّ من أن يفوضّ الأمور الخطيرة إلي عامة الناس، فيتركهم في هرج ومرج، وتناقضات وصراعات، بل أكرمهم بأن جعل لهم ديناً قيماً، وبعث إليهم أنبياءه ورسله الذين ربّاهم علي عينه، ووهبهم من ملكاته، وأنزل عليهم بيّناته، وقد هداههم ليهدي بهم، ثمّ عيّن لهم خلفاءهم من بعدهم أولياء علي عباده، أوصياء حكماء تعييناً منه جلّ وعلا، وتبليغاً من أنبيائه عليهم.
يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): الدّين لله، فلا يقبل الله من أحد القيام به إلّا رسولاً، أو نبيّاً، أو وصيّاً.
ويقول حفيده الإمام الرؤوف عليّ بن موسي الرضا (سلام الله عليه): (هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلّ قدراً، وأعظم شأناً، وأعلي مكاناً، وأمنع جانباًف وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم).
إلي أن قال (عليه السلام): راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلّة ولقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً، وضلّوا ضلالاً بعيداً.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته إلي اختيارهم، والقرآن يناديهم: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (القصص، ٦۸).
وقال عزّوجلّ: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» (الأحزاب، ۳٦).
وهنا يطيب لنا أن نقرأ فقرات قليلة من كتاب (عقائد الإمامية) حيث كتب فيه مؤلّفة الفاضل الشيخ محمّد رضا المظفر طاب ثراه يقول: إنّ الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ من الله تعالي علي لسان النبيّ وليست هي بالاختيار والانتخاب من قبل الناس، فليس لهم إذا شاؤوا أن ينصبوا أحداً نصبوه، وإذا شاؤوا أن يعينوا إماماً لهم عيّنوه، ومتي شاؤوا أن يتركوا تعيينه تركوه، فيصحّ لهم البقاء بلا إمام، وقد جاء الحديث المستفيض عن الرسول الأعظم يقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة).
وكتب الشيخ المظفر في موضع آخر من كتابه هذا مؤكداً ومستدلّاً يقول: ليس للناس أن يتحكموا فيمن يعيّنه الله هادياً ومرشداً لعامّة البشر، كما ليس له حقُ تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه، لأنّ الشخص الذي له من نفسه القدسيّة استعداد لتحمّل أعباء الإمامة العامّة وهداية البشر قاطبة، يجب ألّا يعرّف إلّا بتعريف الله تعالي، ولا يعيّن إلّا بتعيينه.
ويضيف الشيخ المظفر رحمه الله قائلاً: ونعتقد أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) نصّ علي خليفته وعلي الإمام من بعده، فعيّن عليّاً أميراً للمؤمنين، وأميناً للوحي المبين، وإماماً علي الخلق أجمعين، في مواطن عديدة، ونصبه وأخذ له البيعة بإمرة المؤمنين، وذلك يوم الغدير حيث قال: (ألا من كنت مولاه، فهذا عليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه كيفما دار).
وأوّل مواطن النصّ علي إمامة عليّ قوله (صلي الله عليه وآله): (هذا أخي، ووصيّي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا)، إلي غير ذلك من روايات، وآياتٍ كريمات، دلّت علي ثبوت الولاية العامّة لعليّ (عليه السلام)، كقوله تعالي: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (المائدة، ٥٥).
*******