الحمدُ للهِ دَيانِ الدِّين، رَبّ العالمين، وصَلّي اللهُ علي رسولِه الصادقِ الأمين، وعلي آلهِ الطاهرين.
انتهي بنا الحديث في لقاءاتنا الطيبةِ السابقة إلي أنّه لابدّ مِن الإمامة بعد النبوّة، أي لابدّ من الخلافة الإلهيّة في الأرض، والحجيّةِ الإلهيّة علي العباد، وإلاّ لم تكن هنالك ثمرةٌ مُتوخّاةٌ من النبوّات، إذا لم تكن تَخلُفُها وصيّات، وإذا كانت النبوّةُ حجّةَ الله تعالي علي عباده، فإن هذه الحجّةُ لابدّ أن تستمرّفي خلافةٍ جديدة تسمّي الإمامة أو الوصاية، لكي تبقي بالغةً لله عزّوجلّ علي الناس.
في كتاب (الحجّة) من (أصول الكافي) روي الشيخ أبو جعفرمحمّدُ بنُ يعقوب الكلينيّ رحمه الله عن هشامِ بنِ الحَكم أنّ زنديقاً سأل الإمام الصادقَ (عليه السلام): مِن أين أثبتَّ الأنبياءَ والرسل؟
فأجابه (عليه السلام) بالقول: إنا لمّا أثبتَنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عناّ وعن جميع ما خَلَق، وكان ذلك الصانعُ حكيماً متعالياً، لم يجُز أن يشاهِدَه خَلقُه ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجَّهُم ويحاجُّوه، ثَبتَ أنّ له سُفراءَ في خَلقِه يعبّرونَ عنه إلي خَلقِه وعبادِه، ويدلّونَهم علي مصالحهم ومنافعهم، ومابهِ بقاؤهم وفي تركه فناؤُهم، فثبتَ الآمِرونَ والناهون عن الحكيمِ العليمِ في خَلقِه، والمُعبّرونَ عنه جلّ وعزّ، وهُمُ الأنبياءُ (عليهمُ السلامُ) وصَفوتُه من خَلقِه، حُكماءَ مُؤدَّبينَ بالحكمةِ مَبعوثين بها، غيرَ مشاركينَ للناسِ علي مشاركتهم لهم في الخَلقِ والتركيب في شيءٍ من أحوالِهم، مؤيّدينَ من عندِ الحكيمِ العليم بالحكمة. ثمّ ثبتَ ذلك في كلّ دهرٍ وزمانٍ ممّا أتت به الرُّسُلُ والأنبياءُ من الدلائلِ والبراهين، لكي لا تَخلَو أرضُ اللهِ من حجّةٍ يكونُ معه علمٌ يدُلّ علي صدقِ مقالتِه، وجَوازِ عَدالتِه.
*******
وتصرح كثيرٌ من الأحاديث الشريفة علي قضية مهمة وهي أنه لو لا وجود الحجة المعصوم لساخت الأرض بأهلها، وهذا يعني أن وجود حجة الله وخليفته المعصوم شرط أساسي لإستمرارالحياة الإنسانية فيها، فما السر في ذلك؟ وكيف نفهم هذه الأحاديث التي أثبت العلماء صحتها؟
الاجابة عن هذه التساؤلات نستمع لها من ضيف هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة:
السيد حسن الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
هذا الامر واضح جداً ويعرفه الكثير ممن له المام بالمطالعة والتدقيق وهو ان الله سبحانه وتعالى صان الارض واهل الارض بسلطته وسلطة الله سبحانه وتعالى نجسدها ونشخصها في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله)، لا يوجد هناك من رأى الله بنفسه مباشرة انما نتلقى حرام الله وحلال الله وكل احكام الله من النبي (صلى الله عليه وآله) وبطبيعة الحال لابد وان تستمر هذه السلطة على وجه هذه الارض والا تحترق الارض احتراقاً معنوياً لا احتراقاً مادياً، من هنا نعرف ان الخليفة والحجة هو بمثابة تقييد للانسان بعدم الفرار وعدم التنصل من ارتكاب التمرد او الخلاف، الله سبحانه وتعالى جعل حجته نبيه ومن بعد النبي وصيه الامام علي ومن بعده خلفاءه الائمة صلوات الله وسلامه عليهم، نلاحظ يرد في حديث رسول الله "وارحم خلفائي من بعدي"هذا ورد في عدة مصادر وبطرق متعددة ومضمونه واحد، النبي (صلى الله عليه وآله) كان يسأل من خلفاءك؟ احياناً يشير الى عددهم واحياناً يشخصهم من قريش، اثني عشر، بعدد الاسباط ثم الذين يعرفون فيما يرد في احاديث الائمة، من خلفاءك؟ الذين يعرفون حلالنا وحرامنا، النبي (صلى الله عليه وآله) اراد استباق الاحداث لأن هناك دعوات وادعياء للاسلام وللتقدس وكل يوفر الطبخة لمكاسبه، اراد النبي (صلى الله عليه وآله) الضمان للامة ان تبقى وفق المسار الصحيح لأوامر الله ووفق المنبع الصحيح لمعاني القرآن واسراره وهذا لا يمكن ان يحرز الا من خلال اهل البيت اذن لا يمكن ان نفهم الاسلام فهماً صحيحاً الا من خلال خلفاء الله وحجج الله وهم علي والائمة، صحيح هناك من صاحب النبي وسمع حديثه ولكن فرق بين من لا يقف امام صنم ولا دقيقة من حياته وبين انسان قضى كذا من عمره مع الاصنام والاوثان، ركز رسول الله من خلال اوامر الاهية على ان يحصر الامة في حججه هؤلاء، في خلفاءه هؤلاء، في وصيه الامام امير المؤمنين لألا تعاني الامة الضياع والانحراف ومن هنا يعيدنا هذا كله الى قوله الذي كرره (صلى الله عليه وآله) وربما بأختلاف الصيغة يعني "اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي" بمعنى ان القرآن لا ينفعنا بغير اهل البيت واهل البيت هم اللغة الصحيحة وهم الفوهه النقية التي تكشف لنا اسرار القرآن واحكامه، نحن حينما ندعو للامة الاسلامية خير دعاء نقول: "اللهم لا تبعد الامة الاسلامية عن خط اهل البيت لتعيش مرفوعة الرأس، لتعيش امة مجد وامة كرامة" ولكن اذا حصل العكس فيكون العكس والعياذ بالله هذا ما نعانيه اليوم، خمسة ملايين او اربعة ملايين من الصهاينة لقطاء من زبالات الكرة الارضية يتحكمون في مصير مئات الملايين من المسلمين، اكثر من مليار مسلم لماذا؟ لأنهم اضاعوا الله واضاعوا اهل البيت فضيعوا القرآن ومن ضيع الله والقرآن واهل البيت هذا مصيره يبقى يتحكم به فلان وفلان وهؤلاء طواغيت الضلال. نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن يعرف خلفاء الرسول بحق وان يعرف حجج الرسول وحجج الله على وجه الارض وهم امناء الله النبي ووصيه والائمة صلوات الله وسلامه عليهم.
*******
نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله وموضوعها هو إستمرار الخلافة الإلهية إستناداً الي الأحاديث الشريفة الكثير المصرحة بأن إستمرار الحياة علي الأرض مرهون بوجود الحجة وخليفة الله المعصوم وأن الله لا يخلي أرضه منه، فنتابع إستعراض نماذج لهذا الروايات الشريفة: ونبقي مع كتاب الحُجّة من (أصول الكافي) حيث عشراتُ الروايات الشريفة تؤكد ضرورة وجودِ حُجّةٍ لله في كلِّ مكان، وأنّ الخَلق في اضطرارٍ إلي ذلك الحُجّة، وأنّ الأرض لا تخلو منه أبداً منذ كان الخلق إلي يومنا هذا وإلي نهاية الحياة الدنيا، فدَعونا نستمتع بالاستماع إلي الروايات الواردة في ذلك. لتكتمل في أذهاننا وفي قلوبنا عقيدتُنا في الخلافة الإلهيّة، وتصوُّرُنا في خصوص الضرورةِ القطعية إلي خلفاءِ الله، أنبياء ومرسلين كانوا، أم أوصياءَ أئمّةً مستخلفين.
روي أبو حَمزةَ الثُّماليّ أن الإمامَ أبا جعفرٍ الباقرَ(عليه السلام) قال: (واللهِ ما ترك اللهُ أرضاً منذُ قَبضَ آدمَ (عليه السلام) إلاّ وفيها إمامٌ يهتدي بهِ إلي الله، وهو حجّتُه علي عبادِه، ولا تبقي الأرضُ بغيرِ إمامٍ حُجّةٍ للهِ علي عبادِه) وعن أبي بصير يروي عن أحدهما: الباقرِ أو الصادق (سلامُ الله عليهما)، أنّه قال: (إنّ اللهَ لم يدَعِ الأرضَ بغيرِ عالِم، ولو لا ذلك لم يعرَفِ الحقُّ من الباطل).
وعن أبي عبد الله الصادقِ (عليه السلام): (إنّ اللهَ أجَلُّ وأعظمُ من أن يترُك الأرضَ بغيرِ إمامٍ عادل).
وفي بيان بعض علل ذلك، قال إسحاقُ بن عمّار: سمعتُ أباعبد الله (عليه السلام) يقول: (إنّ الأرضَ لا تخلُو إلاّ وفيها إمام، كيما إن زادَ المؤمنونَ شيئاً ردَّهُم، وإن نَقَصُوا شيئاً أتَمّه لهم).
وقال (عليه السلام) أيضاً: (مازالتِ الأرضُ إلاّ وللّهِ فيها الحُجّة، يعرِّفُ الحلال والحرام، ويدعو الناسَ إلي سبيلِ الله).
ويسأل أبو حَمزةَ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام) يوماً: أتبقي الأرضُ بغيرِ إمام؟
فيجيبُه: (لو بَقِيتِ الأرضُ بغيرِ إمامٍ لَساخَت). أي لَانخَسَفَت. وفي بيانٍ آخر، قال الإمام محمّدُ الباقر (عليه السلام): (لو أنّ الإمامَ رُفِعَ من الأرض ساعةً لَماجَت بأهلها، كما يمُوجُ البحرُ بأهله).
أجل، إنّ هذه الرواياتِ وأمثالَها تُوقُفنا علي حقائقَ مهمّةٍ كثيرة، منها: عدمُ انقطاع الخلافةِ الإلهيّة بعد النبيّ أو الرسول، وأنّه لابدّ من الخليفةِ وصيّاً أو إماماً، حُجّةً لله تعالي في أرضهِ علي عباده، وأنّ هذا الإمامَ الحُجّة لابدّ أن يكون موجوداً وأنّه مُعيّن من قِبَلِ الله تعالي، فلابدّ للناس أن يعرفوه أوّلاً، وأن يتّبعوه ثانياً، وأن يتولّوه ويرفضوا مُخالفيه ثالثاً. ليقفوا بذلك علي حقيقة الإيمان.
فقد رُوي عن أحدهما عليها السلام قولُه: (لا يكونُ العبدُ مؤمناً حتّي يعرِفَ اللهَ ورسولَه والأئمّةَ كلَّهم، وإمام زمانِه، ويرُدَّ إليه ويسلِّمَ له).
ويسأل زُرارةُ بنُ أعينَ يوماً أبا جعفر الباقر(عليه السلام): أخبِرني عن معرفةِ الإمام منكم، واجبةٌ علي جميع الخَلق؟
فيجيبُه: (إنّ اللهَ عزّوجلّ بعثَ محمّداً صلّي الله عليه وآلهِ إلي الناسِ أجمعينَ رسولاً وحجّةً علي جميعِ خلقِه في أرضهِ، فمن آمَنَ بالله، وبمحمّدٍ رسولِ الله (صلّي الله عَليه وَآلِه)، واتّبَعَه وصَدّقَه، فإنّ معرفةَ الإمامِ منّا واجبةٌ عليه).
ومن الإشاراتِ الواضحة إلي استمرارِ الخلافة الإلهية للأنبياء في الأوصياء، ماجاء في الخُطبة الغديريّة المباركة لرسولِ الله (صلّي الله عَليه)، حيث قال فيما قاله: (معاشرالناس، إنّ عليّاً والطيبينَ من وُلدي هُمُ الثِّقلُ الأصغر، والقرآن الثِّقلُ الأكبر، هُم أُمناءُ اللهِ في خَلقِه، وحُكماؤُه في أرضه.
معاشر الناس، ذريةُ كلِّ نبيٍّ من صُلبِه، وذُرّيتي من صُلبِ عليّ.
معاشر الناس، النورُ من الله عزّوجلّ فيَّ مسلوك، ثمّ في عليّ، ثمّ في النَّسلِ منه إلي القائم المهديّ.
معاشر الناس، إنّي أَدَعُها إمامةً ووِراثةً في عَقبي إلي يومِ القيامة.
معاشرَ الناس، أنا صراطُ اللهِ المستقيمُ الذي أمَرَكم باتِبّاعِه، ثمّ عليٌّ بعدي، ثمّ وُلدي مِن صُلبِه، أَئِمَّةً يَهْدُونَ إلي الحقِّ وبه يعدلون. ألا إنّ أولياءَهُمُ الذين ذكرَهُم اللهُ في كتابه فقال عزّوجَلّ: «تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (المجادلة، ۲۲) إلي آخرالآية. ألا إنَّ أولياءَهُم الذين وَصَفَهُم الله عزّوجلّ فقال: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» (الأنعام، ۸۲).
معاشرالناس، إني نبيّ، وعليٌّ وصيّ، ألا إنّ خاتمَ الأئمّةِ منّا القائمُ المهديَّ، ألا إنّه الباقي حُجّةً ولا حُجّةَ بعدَه، ولا حقَّ إلاّ معه، ولا نورَ إلاّ عنده، ألا إنّه لا غالبَ له، ولا منصورَ عليه، ألا وإنّه وليُّ اللهِ في أرضه، وحُكمُه في خَلقِه، وأمينُه في سرّه وعلانيته).
*******