الحمد لله الفرد الصمد، الواحد الاحد، وأزكي صلواته علي حبيبه المصطفي محمد، وعلي آله اولي الحجي والنهي والسؤدد.
إن النبوات والرسالات، ثم الوصيات، جاءت كلها تدعو العباد إلي التوجه الي الباري تبارك وتعالي، ئتطلب لهم الهداية والخير والرحمة، والسلام والسعادة وهو القائل جل وعلا: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» (يونس، ۲٥).
قيل: دعوة الله سبحانه عباده هنا هي عطف نظرهم الي امر ما، وجلب توجههم الي قضية مهمة، والسلام والامن والسلامة، والسلام آسم من اسماء الله عزوجل، لأن ذاته المتعالية هي نفس الخير الذي لا شر فيه، وتسمي الجنة «دَارُ السَّلامِ»، لانها دار الله الذي هو السلام جل وعلا والمآل واحد، قيل: وفي تقييد «دَارُ السَّلامِ» بكونها عند الله عزوجل في الاية المباركة: «لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» (الانعام، ۱۲۷) دلالة علي قرب الحضور، وعدم غفلة المؤمنين عنه سبحانه هناك أصلاً، أولئك المؤمنون الذين كان الله تعالي قد خاطبهم فاستجابوا، وذلك في قوله عز من قائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ» (الانفال، ۲٤)، أي الي إطاعة الدعوة الحقة، وعدم التولي عنها بعد استماعها، بل اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ في دعوته التي فيها حياتكم، وفيها إنقاذكم من مهبط الهلاك والبوار وإذا كانت الحياة تعني في المنظار السطحي ما يعيش به الانسان في نشأته الدنيوية إلي أن يحل به الموت، ويصاحبها الشعور والفعل الارادي، ويعتبرها المرء أنعم نعمة وأغلي سلعة في الموجود الحي، فإن القرآن الكريم يري للانسان حياة أخري، هي أعلي كعبا، وأغلي قيمة من هذه الحياة الدنيوية التي تعرفها آيات الكتاب الحكيم بأنها لهو ولعب، فتلك حياة لا يدانيها لغو ولا تأثيم، ولا يسير فيها الإنسان إلا بنور الإيمان وروح العبودية لبارئه جل جلاله، وهو القائل جل من قائل: «أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا» (الانعام، ۱۲۲).
هي الحياة الطيبة الدائمة، والتي يضمنها لعباد الله خلفاء الله، أولئك هم رسل الله وسفراؤه هم وأوصياؤهم الميامين (صلوات الله عليهم أجمعين).
*******
ثمة قضية مهمة ينبغي الاشارة اليها هنا وهي ان التخلق بأخلاق خلفاء الله عزوجل هو اهم وأسمى السبل للفوز بالحياة الطيبة الحقيقية في الدنيا والاخرة.
وأهم ما يعين الانسان في التخلق بأخلاق خلفاءه (عليهم السلام) هو ترسيخ محبتهم ومودتهم في القلوب ولذلك امر الله عزوجل ان لا يسأل امته اجراً سوى مودة اوصيائه وعترته الطاهرة (عليهم السلام)، المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع لها من خبير البرنامج في هذه الحلقة سماحة الشيخ نجيب الحرز استاذ في الحوزة العلمية من السعودية:
الشيخ نجيب الحرز: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
من النعم التي اعطاها الله سبحانه وتعالى للبشرية انه اوجد شريحة من الائمة الاطهار ليكونوا نموذجاً ونبراساً عالياً ليقتدي الناس بهم، نعرف انه من النماذج الاساسية التي يحتاجها الناس في التربية غير العلوم المكتسبة وغير التهذيب يحتاج الناس الى قدوة والى نموذج فالله يشجع الناس ويحفزهم و واعدهم بالوفاء والجزاء يوم القيامة ليوالوا اهل البيت، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ» كونوا فعل امر يعني وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ في خصوصية، الارتباط بأهل البيت والاثار التي يتركوها على شيعتهم وعلى اتباعهم اولها انهم نموذج يتبع بأخلاقهم واخلاقهم تعطيك مواقف سريعة وفعلاً الانسان يميل اليهم لما تأتي للامام علي (عليه السلام) ويتولى الخلافة ويتولى القيادة من اول يوم وهو يريد ان يتعامل مع الناس بعقلانية ويقول للجماهير: «ولا تعاملوني بالمصانعة» يعني انت لم تر رئيس دولة او رمز عبر التاريخ انه يبصر الناس او ينبه الناس حين يتبعونه انه لايميلوا الى العواطف ولا بالاندفاعية ولا يريد العشوائية بل يريد العقل يكون حاضراً بين الحاكم والمحكوم وهذه لفتة جميلة من الامام علي يريد اتباع متميزين وان يطلب اتباع ذا نوعية وكفاءة عالية ولا يريد جمهور وعدد وهكذا لا وانما يتعامل مع الناس بعقلانية وايضاً يغرق العقل الجمعي الاسلامي بعقلانية وهو المطلوب وهي ازمة الامة الاسلامية عبر التاريخ، ان انحصار العقلانية في قراءة الامور هو ولد الوهن والضعف في الامة الاسلامية فكل امام والائمة الاطهار يربون على هذا النموذج وعلى هذا النوع من التربية بالاضافة الى ان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه المنزل «قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» هنا يضع المودة هي الرابطة هي القناة هي المعبر وهي الصلة التي بيننا وبين اهل البيت والمودة فيها حب وفيها ولاء وفيها انصهار فيها ذوبان فيها اتباع فيها تقديس، تقديس الائمة (عليهم السلام)، التقديس العقلاني لا التقديس العشوائي فكل هذه الامور تجعل الانسان يرتبط بهذه النوعية من الناس، اهل البيت ليسوا ناساً عاديين، قراراتهم رزينة، خبراتهم واضحة، هم صناع التاريخ اضافة هم واقعيون، هم مرجعية تاريخية، الشعوب الان تفتقر الى مرجعية تاريخية، انظر الى اليهود الان هم في قلق، الامريكان في قلق لا توجد لديهم مرجعية تاريخية صحيحة واضحة يطمئنوا اليها اما اذا ترجع الى اهل البيت ناس عددهم اربعة عشر معصوم نزلوا الى الساحة، نزلوا الى الواقع، تعاملوا بعقلانية مع الناس، قدرتهم على تلبية مختلف حاجات الناس، قدرتهم على التكيف السياسي، امتلاك المرونة الفائقة، قدرتهم على اختيار البرامج التربوية للحفاظ على القاعدة الاساسية وتعاطيهم مع الجماهير بعقلانية وعدم الاستخفاف بعقلية الجماهير فكل هذه المؤشرات تجعل الانسان يرتبط بهم ويبقى المردود الذي انت تستفيد منه وهو الاثر الذي تقوي علاقتك فعلاً، ما هو الاثر؟ الاثر انه يكون عندك اطمئنان على المستقبل الاخروي، لم تكن لك حياة مرة ثانية ولم يكن لك عمر مرتين، عندك عمر مرة واحدة فلابد ان تتقن الاختيار وان تحسن الاختيار، اختيارك لجهة جيدة والتي الله امر بأتباعها تعطيك اطمئنان في الدنيا ان اعمالك مقبولة، اعمالك صحيحة، مسيرتك واضحة «يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ»، ثانياً اهل البيت (عليهم السلام) لما ترتبط بهم اي هزيمة تقابلك في الحاضر او في المستقبل او اي تلكأ في الدنيا يعطيك نوع من القوة والحماس والتحدي لأجتياز العقبات والتاريخ اذا اهل البيت غير موجودين فيه لاطعم له ولاقيمة له يعني هم الذين صنعوا التاريخ يقول الشاعر الاحسائي:
قم واقرأ التاريخ تعلم عاجلاً
من نور وجه الزمان واسعد
اصب على وجه الزمان وقل
له من ذا عليك لوفضائل تحمد
سيجيبك مفتخراً بدون تلعثم
ما شادني الا اليتيم محمد
فهنا الاثار التي يتركها تعطيك رواية سريعة وصغيرة للأستراتيجية الاساسية التي تجعل الانسان لأهل البيت اثر على شيعتهم.
قال الامام الصادق (عليه السلام) في كتاب الاختصار: (ان الله تبارك وتعالى اوجب عليكم حبنا وموالاتنا وفرض عليكم طاعتنا الا فمن كان منا فليقتدي بنا)، اذن ما هي الاستراتيجية؟ ما هو الاقتداء؟ ما هو ملاكه؟ ما هو الذي اريد ان انتجه من هذه العلاقة؟
قال: فأنك من الورع والاجتهاد واداء الامانة الى البر والفاجر وصلة الرحم واقراء الضيف والعفو عن المسيء فمن لا يقتدي بنا فليس منا.
وقال: (فلا تسفهوا فأن ائمتكم ليسوا بسفهاء)، فهنا شروط جميلة الانسان لما يرتبط بأهل البيت الاثار التي تتركه انه يخرج بقيم بخلق بمبادئ بمثل، يكون انساناً حقيقياًً، واقعياً يكون الانسان مناراً لبقية اهله على مستوى تربية الاسرة، على مستوى تربية الشعوب واياً كان مستواه فهذه كلها تترك آثار فعلاً في نفسية الموالي لأهل البيت وينام وهو مطمئن ويحشر يوم القيامة مستأنس ومبسوط ومرتاح على مستقبله في الاخرة ونسأل الله سبحانه وتعالى ان نكون فعلاً من اتباعهم ومن شيعتهم والمحبين لهم والموالين على طريقهم والسير في دروبهم وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
*******
ربما يتساءل متسائل، ويستفهم طالب حقيقة: ما هي فلسفة بعث الرسالات والنبوات، ولماذا كان لله عزوجل خلفاء ورسل وأنبياء، وأئمة وأوصياء؟ وللاجابة علي أسئلة كهذه لابد من اللجوء إلي الآيات والروايات.
في (اصول الكافي) يروي الشيخ الكليني رحمه الله عن هشام بن الحكم أن الأمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنا لما أثبتنا لنا خالقاً صانعاً، متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز يشاهده خلقة، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلي خلقه وعباده، ويدلونهم علي مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤه، وفي تركه فناؤهم"، وفي (علل الشرائع) يروي الشيخ الصدوق أعلي الله مقامه عن الامام الرضا (عليه السلام) في بيان علة وجوب معرفة الرسل والاقرار بهم وطاعتهم، قوله في بعض حديثه: "وكان الصانع متعالياً عن أن يري، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً، لم يكن بد لهم من رسول بينه وبينهم معصوم، يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويوقفهم علي ما يكون به آجتلاب منافعهم ودفع مضرهم، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارهم".
ثم أراد الله تبارك شأنه أن ينتشل عباده من ظلم الطواغيت، ويأخذ بأيديهم الي عز طاعته، وذلك عن طريق خلفائه، فكان هذا من دعوته عزوجل وهو القائل: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ» (النحل، ۳٦).
وجاء في كتاب النبي (صلي الله عليه وآله) الي اهالي نجران: "بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمد رسول الله، الي أسقف نجران وأهل نجران. إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد، فأني أدعوكم إلي عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلي ولاية الله من ولاية العباد".
وفي بيانه لبعض علل البعثة المحمدية الشريفة، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في بعض خطبه: "إن الله تبارك وتعالي بعث محمداً (صلي الله عليه وآله) بالحق، ليخرج عباده من عبادة عباده الي عبادته (أي عبادة الله تبارك وتعالي)، ومن عهود عباده إلي عهوده، ومن طاعة عباده الي طاعته، ومن ولاية عباده الي ولايته، بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا".
نعم، ولقد جاهد الأنبياء والمرسلون، والائمة الوصيون، لينقذوا الناس من وطأة الطاغوت وإرعاب الجبابرة المعتدين، فنفثوا في نفوس الملأ روح العزة والكرامة والإباء، ودعوهم إلي الخروج من طاعة شياطين الجن والانس الي طاعة الرحمان، ومن التخبط في أو حال الضلالة الي التنور بنور الايمان، ومن الخضوع للمنحرفين القساة الي عزة ولاية الحق سبحانه وتعالي وذاك سيف رسول الله وسيف الامام علي في زمانهما، وتلك دماء الامام الحسين وأهل بيته، كذا تلك مهج آل الله من بيت العصمة والوحي والنبوة أهل بيت النبوة المقدسة، كلها شاهدة علي ذلك، حتي كان للاسلام عزته واشراقه في آفاق الدنيا، وكان للمسلمين شموخهم وكرامتهم ما استمسكوا بالثقلين: كتاب الله، وأهل بيت رسول الله، أوصيائه خلفاء الله.
*******