المثنوي المعنوي هو اشهر كتاب عند جلال الدين الرومي، وبواسطته طارت شهرة هذا الشاعر العارف في دنيا الادب الفارسي في ازمنته السالفة وعصوره الاخري لا سيما في عصرنا هذا.
واذا كان المثنوي هو النتاج البارز لجلال الدين فان لهذا الشاعر نتاجات اخري ما بين منظومة ومنثورة، وكنا في حلقات مضت من هذا البرنامج قد تحدثنا عن ديوان شمس او كليات شمس بما تحتوية من غزليات ورباعيات.
بيدان يراع جلال الدين جاد كذلك بالمكاتيب والمجالس السبعة وكتاب فيه ما فيه، ولنتابع الحديث بعد قليل.
نعم الي جانب مجالس المثنوي، كانت هناك مجالس شخصية اخري تشكل في كل يوم، وكان حديث مولوي في هذه المجالس يسجل ويحرر، وقد تجمعت هذه التحريرات فيما بعد في كتاب "فيه ما فيه".
حسام الدين الچلبي كان هو الذي يشرف علي تحرير وتدوين اقوال مولانا. كما ان حسام الدين هذا كان يكتب بخطه مكاتيب مولانا الشخصية ويقوم بارسالها الي من يريد مولانا ارسالها اليهم.
وهذه الفترة من حياة مولانا تمثل فترة الاستقرار الروحي له، ولعل من الضروري القول ان الهدوء الروحي عند الرومي هو الذي أدى الي ظهور المثنوي في عالم الادب والعرفان وليس من قبيل المبالغة فيما لوقلنا ان المثنوي يعد درجة جديدة لجلال الدين المولوي علي سلم العرفان والعروج نحو الكمال والمنازل العرفانية العالية.
وفي تلك الفترة من حياته كان جلال الدين يري انه مثل الناي الفارغ او القصبة الفارغة ياخذ في الحكاية والشكاية.
انه وبلغة الناي يبث شكواه واشتياقه وكان الناي بالنسبة لمولانا رمز القلب المحروق للعارف الذي يريد الوصول الي المبدا الازلي للوجود.
لقد علم مولانا السالكين طريق الحق انه من اجل وصال الحق لابد من التحرر من قيود الذات المادية.
حسام الدين وعدد معدود من المريدين كانوا يحررون اقوال مولانا، ومن هنا كانت مجالس املاء المثنوي فرصة مناسبة امام خواص المريدين للارتشاف من نمير العرفان المولوي.
و في هذه المجالس وكما هو الحال في مجالس وعظه كان مولانا يفيض علي الحضار ما يترشح من ذهنه من ادعية ومناجات وتفسير للايات واحاديث وقصص وحكايات.
ويذكر من ارخ للادب الفارسي ومن كتب حول الرومي حياة ونتاجاً ان مولانا وفي تلك الايام كان يتذكر كثيراً شمس، الشمس التي اشرقت عليه في قونية فغيرت مجري حياته. كانت كلمات مولانا تبلغ اوجها حينما كانت ذكري شمس تداعبه.
وفي تلك الايام كانت الساعات تنقضي ويمضي الليل مسفرا من وراء ظلامه ضياء ومولانا مستمر في انشاء ونظم المثنوي ما كان يكتبه حسام الدين والمريدون كان يعرض علي مولانا وكان هو يصححه ومن بعد انقضاء عامين انتهي تحرير الجزء الاول من المثنوي، وكان من المقرر ان يتم البدء بكتابة الجزء الثاني من هذا السفر الادبي والعرفاني، الا ان امر كتابته تاخر وكان سبب التاخير تالمات حسام الدين الروحية بسبب وفاة زوجته، وبسبب فقدان مولانا لولده علاء الدين الذي كان فقيها كبيرا ولم يكن له من العمر سوي 36 عاماً.
ومن بعد عامين، عاد حسام الدين الي جمع المريدين واستانفت جلسات المثنوي وبدأ بتدوين الجزء الثاني منه. واستمر نظم المثنوي وكتابته حتي وفاة مولانا بعد 10 عشرة اعوام من ذلك التاريخ ولنختم الحديث في هذه الحلقة بابيات جاءت في بداية المثنوي:
الناي صديق لكل من افترق عن اليفه
ولقد مزقت انغامه الحجب عنا
فمن راي كالناي سما وترياقا؟
ومن راي كالناي نجيا ومشتاقاً
ان الناي يتحدث عن الطريق المليء بالدماء
والناي هو الذي يروي قصص عشق المجنون
مرة اخري سنعود واياكم الي رحاب المولوي وسنتابع حياته الفكرية، حتي بعد انقضاء حياته المادية وان لم تكن في الحقيقة مادية فقد تجرد مولانا عن قيود الماده وهو في الدنيا وسمي في دنيا العرفان لانه كان شاعرالعرفان.
*******