منذ عدة حلقات وحديثنا في هذا البرنامج يدور حول اهم نتاجات الشاعر الايراني جلال الدين المولوي اي ديوان المثنوي وقبل ان نبدا هذه الحلقة، اليكم هذه الابيات الماخوذة من المثنوي.
ذلك الذي جعل الورد والشمس ناراً
قادر ايضا ان يجعل النار برداً وسلاماً
ذلك الذي يخرج الورد من قلب الاشواك
قادر ايضاً ان يجعل الشتاء ربيعاً
ذلك الذي يتحرر به كل سرو
قادر على ان يجعل الالم سروراً
ذلك الذي به يغدو كل معدوم موجوداً
ماذا يضيره لو ابقاه دائماً
الدراسات حول ديوان المثنوي سواء باللغة الفارسية او الانكليزية او العربية أو لغات أخرى عديدة ومتنوعة ومن هذه الدراسات، والحق نقول انها دراسة شاملة وضخمة كتاب الشمس المنتصرة. وهذا الكتاب هو للبرو فسورة (آن مارى شميل) وهي مستشرقة المانية كانت قد درست العربية والفارسية والتركية وتاريخ الفن الاسلامي في جامعة برلين وحصلت على 3 شهادات دكترا PH.D.
وكان للاستاذة شميل اهتمام خاص بجلال الدين الرومي اذ اعدت حوله دراسات عديدة بالالمانية والانكليزية اهمها كتاب الشمس المنتصرة الذي يستريح على مائدة الثقافة العربية بعد ان ترجمه عن الانكليزية الدكتورعيسى علي العاكوب.
وفي كتابها (الشمس المنتصره) تقول الباحثة (شميل) ان حسام الدين هو الذي حض الرومي على تدوين فكره وارائه وتعاليمه وباختصار كل حكمته لمنفعة مريديه.
وتضيف شميل، واستجاب الرومي لهذه الرغبة من مريده المحبوب وشرع بنظم ما غداً معروفاً بالمثنوي المعنوي وتحمل حسام الدين عبء الكتابه.
وعلى امتداد السنين لازم حسام الدين الشيخ المولوي مدوناً كل بيت انساب من شفتيه سواء اكان ذلك في الشارع ام ابان السماع ام في البيت.
ونظم المولوي المثنوي على بحر الرمل المسدس السهل والمتدفق والبسيط فاعلاتن فاعلاتن - فاعلن- وقد استخدم هذا الوزن الشعري بعد عهد الشاعر السنائي والشاعر العطار النيشابوري في الشعر التعليمي الصوفي.
ان جاذبية حسام الدين التي لم تكن اقل فوة من جاذبية شمس، حركت مرة اخرى بحر طبع مولانا الذي كان هادئاً نسبيا، وآثارته ودفعته الى الاضطراب من جديد، فلم يكن مولانا يهدا ويستقر لا في النهار ولا في الليل، وانشغل بنظم المثنوي، وفي الليالي كان حسام الدين يجلس الى جانب المولوي، فكان المثنوي مولانا ينظم على البديهة وحسام الدين يسجل ثم يقرا مجموع ما سجله بصوت جميل و عال على مولانا. ومثلما تحكي ابيات المثنوي، فانه في بعض الليالي كان نظم المثنوي لا يتوقف حتى الفجر ويستمر النظم والتدوين حتى الصباح وعندما اكتمل الجزء الاول من المثنوي توفيت زوج حسام الدين، وتوقف نظم المولوي لمدة سنتين كاملتين الى ان اجتمع ذهن حسام الدين من جديد وصار طالبا استئناف نظم المثنوي وانهائه يقول مولانا:
المثنوي الذي كان صيقل الارواح
كانت عودته يوم استفتاح
ولان الجزء الثاني من المثنوي بدء في سنة 662 للهجرة كانت المدة ما بين اتمام الجزء الاول وبدء الثاني قد بدأت بين سنتي 657و660.
ومن سنة 662 الى ان انتهى الجزء السادس، ويبدو الى آخر العمر انشغل مولانا بنظم المثنوي، وكان حسام الدين والاخرون يكتبون وكان ينشد في المجالس.
صاحب كتاب نفحات الانس يقول: امتدت صحبة مولانا لحسام الدين 15 عاماً، وكان الاصحاب يحملون من آثار صحبة ذلك الشيخ الكامل وهذا الطالب المشتهي موائد الفوائد. وكانوا يتسابقون بمحبة تامة الى خدمتها وكان مولانا في هذه الخمس عشرة سنة هادي البال نسبياً مرتاحاً من هجمات الناقصين وفتنهم واشرت هذه الراحة بالراحة الابدية واتصال مولانا بعالم القدس.
مرة اخرى، سندخل حياة جلال الدين محمد شاعر العرفان من خلال آثاره ونتاجاته التي خلدها الزمان.
*******