ونحن نتابع قصة حياة الشاعروالعارف جلال الدين المولوي، ذكرنا بان الاقدار قادت شمسا مرة اخري الي قونية، الأمر الذي سرّ له مولانا كثيراً، وكان ان تزوج شمس بفتاة اسمها كيميا خاتون كانت ابنة تبناها مولانا وكان كذلك ان ألمّ المرض بهذه الزوجة وفارقت من بعده الحياة وبعد اسبوع من موت كيميا خاتون، ومن دون ان يخبر مولانا ترك شمس قونيه ليلا ولم يره احد من بعد ذلك.
وفي صباح الليلة التي غادر فيها شمس قونية وجريا علي عادته في كل صباح توجه مولانا للقاء شمس، فلم يرّ له في غرفته من اثر لقد اختفي شمس ولم يبقي منه إلا بعض اثاثه، مرة اخري شعر مولانا ان ضربة توجه له وقد ران عليه الاضطراب والقلق ونادي ولده سلطان ولد وقال له انهض وابحث عن شيخك .
في زاوية من زوايا البيت جلس مولانا وقد لفّه الحزن وقال اسفا علي شمس لقد حرمت نفوسنا مرة اخري من عبير لطفه.
ولأن مولانا كان يعرف طبيعة العارف شمس الذي لا يعرف الاستقرار، قال لا أراني هذه المرة ظافرا به، وليس من السهل ان اعيده الي هنا مرة اخري
ما كان احد ليعرف اين ذهب شمس. الحيرة استولت علي كيان سلطان ولد الذي راقبت نفسه لشمس كابيه، انه اعتبر هذه الغيبة الفجائية هجرة وعزيمة لا عودة فيها.
وشعرمولانا ان غيبة شمس سلبت منه نصف وجوده، ومنذ ذلك البحث بدا البحث عن شمس كان هذا البحث في البداية مقرونا بالانتظار لكن مرور الايام جعلت البحث يقترن بالياس، لا من احد كان يعرف اين يمكن ان يجد شمسا، فراق شمس اثر علي مولانا كثيرا في بيته وفي خلواته كان مولانا يري ظل شمس يتحرك امام ناظريه.
وفي هذه المرة لم يخلد مولانا الي الخلوة ولم يستسلم للسكوت والوحدة حزنا علي شمس بل راح صوب الشعر يذكر به شمسا ويسلي به نفسه المعذبة.
يا ظريف العالم، سلام عليك
ان دايي وصحتي بيديك
واذا لم اصل اليك بيدي
فانما الروح والفواد لديك
يا شمس الدين هنيئا لك السرور بالجيب
فان ذلك قد ظهر في عينيك
في البيت كان كل شيء يذكرّ مولانا بشمس و في خارجه فكر شمس لم يفارق مولانا للحظة واذا ما ورد ذكر شمس عظت وجه مولانا سحابة من الحزن، ولعل هذه الحالة الروحية تبدو واضحة في غزليات مولانا. حيت كان مولانا يتألم من فراق شمس ويبغي وصاله واني له الوصال. وبقي مولانا في انتظار شمس الايام والاسابيع والاشهر، كان يتتبع اثره من كل قادم وكان يعطي البشارة لمن يأتيه بخبرعنه صادقا كان الخبرام كاذبا.
وتحدثنا اخبار التاريخ ان مولانا وقد كان عارفا بطبع شمس الاخلاقي ايقن انه لا عودة له بعد هذه المرة الي قونية. من هنا قرر الشاعر الرومي ان يسافر الي الشام.
من ابواب دمشق واسوارها شم مولانا رائحة عرفان شمس لكن لم يعثر له هناك علي اثر واتعب السفر جلال الدين واتعب غياب شمس روحه فعاد الي قونية. هنا اطبق الياس بالكامل عليه لا رؤية لشمس بعد اليوم، واخيرا كان ان استسلم مولانا للامر الواقع. كان عليه ان يقبل ان شمسا انما صار في وجوده وخالط كيانه. لقد ايقن مولانا ان ضالته أي شمس هي في وجوده تعيش معه اينما حل ورحل وانه لا طائل من البحث عنه هنا وهناك، ومن يدرينا لعل مولانا قد هدات نفسه يوم اسلمها الي هذه الحقيقة.
*******