ها نحن معكم في حلقة اخري من هذا البرنامج، حيث سنتابع وقائع اخري من قصة حياة الشاعر والعارف الايراني الشهير جلال الدين المولوي
منذ ذلك اليوم الذي غاب فيه شمس عن قونية، اكثر مولانا من الصمت ولم يكلم مريديه وقطع علاقته بما حوله. ولم تكن الأوضاع في البيت والأسرة باحسن من هذا، لكن زوجة مولانا شعرت بالسرور لذهاب شمس وكانت تتصور ان حياة مولانا ستعود الي حالتها الطبيعية والأبن الأصغر لمولانا وهو علاء الدين سر هو الآخر لذهاب شمس، اما سلطان ولد الابن الأكبر فكان يشاطر والده الحزن علي غيبة شمس وكان يسليه علي فراقه.
وكان اثنان من مريدي مولانا هما صلاح الدين الشيخ وحسام الدين الشاب قد تألما لذهاب شمس، ومن هنا كان مولانا يري في لقائمها اياه تسكينا لالآمه وتهدئة لأحزانه وأشجانه.
وفي تلك الايام، كان طلاب العلم يتجمعون بالقرب من باب بيت المولوي، لكن اني لهم ان يظفروا بدروسه كما كان الأمر عليه من قبل ولما رأي الطلاب حزن استاذهم علي شمس شاركوه فيه واعلنوا عن استعدادهم لشد الرحال علهم يظفرون بخيوط توصلهم الي تلك الشمس التي أفلت فجأة في سماء مولانا فأحالتها الي ظلام.
أجل لقد كان شمس كالطير الذي افلت من يد مولانا وأطلق لنفسه العنان، بيد ان هذا الطائر كانت له أوبة، والي قونية له عودة حيث تسلم مولانا رسالة قصيرة من شمس جاء فيها: (ليعلم مولانا ان هذا الضعيف منهمك في الدعاء بالخير له، وانه لا يختلط باي من المخلوقات).
مسافر كان قد قدم من دمشق هو الذي حمل مكتوب العاشق الي العاشق، رسالة الشمس الي سماء العرفان، ولو يتأمل المتأمل في نص الرسالة رغم اقتضائه فإنه يظفر فيها بحقيقة مفادها ان شمس قد منع مولانا من الكلام مع مريديه.
استهوت شمس حياة مولانا واستهوت دمشق مولانا، لكن ضعف البدن وتعاقب المحن حال دون ان ييمّم مولانا وجهه صوب الشام، ففيها قد يكون لقاء الحبيب مع الحبيب.
وذات يوم استدعي مولانا ولده سلطان ولد و سلمه مبلغا من المال وأمره أن يذهب ويعود الي قونية مصطحبا شمسا بكل أدب وتواضع الي قونيه وديار ابيه.
مع عشرين من مريدي أبيه غادر سلطان ولد الي بلاد الشام، وبعد سفر طويل ملي بالمشقات حط الركب في دمشق، وفيها دلته بعض الدلائل علي شمس، واعتذر له عما حصل وسلمه من أبيه رسالة تدعوه الي قونية رسالة ملئها الشوق من لدن العارف الرومي الي شمس التبريزي، ولبي شمس الدعوة واصطحبه سلطان ولد والمريدون، وبعد شهر وصل الي قونية، حيث كان مولانا فيها ينتظره بفارغ الصبر.
واستقبلت قونية شمسا إستفبالا حافلا حيث راح في استقباله علي بوابات المدينة جمع من المتصوفة مع تلاميذ مولانا. وأوفد سلطان ولد الي أبيه من أخبره بعودة شمس، وأظهر العارف والشاعر جلال الدين فرحته لعودة شمس في عدة قصائد غزلية نظمها والشوق كان قد غمره.
وفي بيت مولانا، إحتضن العارف السالك لقد شعر جلال الدين ان روحه لا تنفصل عن روح شمس، وعاد مولانا الي مريديه الذين اقاموا الولائم احتفاءا بشمس.
وشيئا فشيئا وجد مولانا ان كيانه في كيان شمس ووجوده في وجوده.
في ذلك الوقت ابدي شمس رغبة في كيميا خاتون وهي فتاة كان قد تبناها مولانا، لكثرة اسفاره كان شمس قد قضي عمره اعزبا ولم يفكر في الزواج، بيد انه هذه المرة قرر الزواج من كيميا خاتون، وطلب يدها من مولانا فوافق هو وزوجته علي ذلك، وكيميا خاتون وافقت هي الأخري.
هذا الخبر ازعج علاء الدين الابن الأصغر لمولانا مع جمع من مريديه، اما مولانا فقد افرد عددا من حجر مدرسه وبالغرب من بيته ليتكون مسكن العروسين، كان شمس في علاقته الزوجية مع كيميا خاتون صبورا هادئا نائيا عن العنف، إلا أن هذا الزواج لم يدم طويلا. فبعد ثلاثة ايام من المرض جاء الموت لينتقل بكيميا خاتون الي الدار الأخري.
وران الاسي علي قلب شمس وأبت نفسه ان يستمر في الاقامة في بيت كانت تغدو وتروح فيه زوجته كيميا خاتون. و بعد اسبوع من موت كيميا خاتون ومن دون ان يخبر مولانا، خرج شمس من قونية ليلا، ومن بعد ذلك لم يظفر احد علي اثر له لقد استمر شروق شمس علي قونيه و غروبه من افقها ما يقرب من عامين، غير ان ذكراه بقيت حية خالدة في نفس مولانا ونتاجاته الادبية، ولنا عودة معكم الي رحاب جلال الدين محمد، شاعر العرفان.
*******