كل من كتب عن الشاعر العارف جلال الدين الرومي او قرأ عنه لابد وان سمع باسم شمس التبريزي او شمس تبريز. والاسم الكامل لهذا الرجل شمس الدين محمد ملك داد التبريزي، هذا الرجل لم يرتو غليله وان استسقى من منهل العديد من الاساتذة كان على الدوام ظمآنا، وكان يتطلع الى اعلى المقامات، مقام يتناسب وشأن الانسان باعتباره خليفة الله على الارض.
كان شمس تبريز يريد الوصول الى مرتبة الانسان الكامل، ومن هنا قضى الكثير من سني عمره في السفر والترحال، ولكثرة اسفار شمس تبريز وجولاته سماه الناس شمس الطائر.
وفي ليلة من الليالي لم يستقر لشمس بال، ما كان لشيء ان يسكّن من فوران نفسه، التجأ الى الله واخذ يناجيه قال ياالهي، اريدك ان تريني واحدا من احب الخلق اليك، من اولئك الذين وراء الحجب والستور.
وفي عالم الرؤيا رأى شمس جلال الدين محمد البلخي الرومي، فتوجه الى بلاد الروم ليبحث عنه فيها.
وفي يوم السبت السادس والعشرين من شهر جمادى الاخرة من عام 642 للهجرة وصل شمس الى قونية، وبعد ان تجول لقليل من الوقت في المدينة توجه الى السوق وفي خان باعة السكر استأجر حجرة له.
وعلى باب هذه الحجرة، وضع شمس عدداً من الاقفال القديمة ليوهم الناس بانه تاجر على انه لم يكن في حجرته سوى حصير قديم وجرة مكسورة ووسادة خشنة.
ومرت ايام، كان فيها شمس يرى جلال الدين محمد الرومي مع جمع كبير من تلاميذه يعبرون من السوق، وفي ذات يوم كان شمس جالساً امام باب حجرته فرأى جلال الدين خارجاً من مدرسة باعة القطن والطلاب والعلماء قد تحلقوا حوله.
ما كان شمس يحتمل اكثر من هذا وما كان يطيق الصبر اكثر مما صبر، تقدم نحو جلال الدين، واخذ يحدق في عيني الرومي وما كان احد من مريديه وطلابه ليجرأ على ذلك.
ثم طرح شمس التبريزي على جلال الدين سؤالا وقحاً وفيه مغالطة فقال مخاطبا الرومي قل لي ياشيخ ايهما افضل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ام بايزيد البسطامي؟
وتألم خاطر الرومي من هذا السؤال وبلحن غاضب أجاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الانبياء عليهم السلام واي صلة بين بايزيد وهذا الرسول الخاتم؟
ولم يقتنع شمس بهذا الجواب واورد حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلاما لبايزيد وكان من اهل التصوف والعرفان، وطلب من الرومي ان يجيب عن سؤاله هذه المرة بدقة اكثر.
وبعد لحظة من التأمل قال جلال الدين، بايزيد كان قليل التحمل انه وبجرعة واحدة من عالم الغيب فقد سكونه وشعوره، اما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكان بحرا، لقد ارتشف من عالم الغيب رشفات ورشفات لكنه لم يفقد عقله وسكونه.
على اي حال لقاء شمس بجلال الدين يعتبر حادثة كبرى في حياة العارف الرومي احدثت تغييرا جذريا فيها، وجعلته يهجر مهنة الوعظ والارشاد.
ولنا ان ننقل هنا من دون تعليق عبارة المستشرق البريطاني ادوارد براون وكان مهتما بدراسة الادب الفارسي حول شمس، حيث قال: (شمس تبريز يشبهه البعض بسقراط في تأثيره على مريديه ومستمعيه).
وفي كتابه من روائع الادب الفارسي يقول الدكتور بديع محمد جمعة في الفصل الذي عقده لجلال الدين الرومي:
فتأثر جلال الدين بهذه الشخصية الغريبة واصبح من خالص اتباعه ومريديه، فكان هذا اللقاء نقطة تحول في حياة جلال الدين الروحية، حيث انقلب من عالم فقيه له مكانته ويعتد بعلمه ومعرفته في مجال الشريعة الظاهرة، الى متصوف غارق في روحانية الحب الالهي.
*******