بسم الله، والحمد لله، وأشرف الصوات الزاكيات على حبيب الله، المصطفى الهادي رسول الله، وعلى آله أولياء الله.
هذه هي الوقفة الأخيرة مع مقتل حسينيّ شريف، هو جديد في أطروحته وأسلوبه، ذلك هو: "أمواج البكاء، في مواضع بكاء سيّد الشهداء"، للعالم الفاضل المولى نوروز عليّ البسطاميّ، كتبه باللّغة الفارسيّة، فترجمه وحققه فضيلة السيّد علي جمال أشرف، فطبع في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. وقد حمل هذا الكتاب ثلاث خصائص مهمّة ذات امتياز:
الخصّيصة الأولى: في ذات الكتاب، حيث جاء بموضوع لافت وعنوان جديد، ربمّا غاب عن أذهان أرباب المقاتل، كما جاء بأسلوب عاطفيّ عن فكرة جديدة ركّزت على الجانب الإنسانيّ الرفيع لدى سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) وهو في أصعب المواقف القتاليّة العصيبة وعناوين الكتاب الداخليّة في فصوله كانت جديدة وظريفة، نقرأ في مقدّمته الخواصّ المترتبة على انكسار قلب الحسين وعلّة بكائه (عليه السلام)، وفيما بعدها نقرأ بكاءه (عليه السلام) في مواقف حزينة عديدة، تشير إلى رقته وعاطفته الإنسانية في أسمى حالاتها ودرجاتها والفصول سمّاها الكاتب - أو المحقق- بأمواج البكاء، فيكتب (الموج الثاني) في بكائه (عليه السلام) منذ أن ودّع روضة جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) في المدينة متوجّهاً إلى العراق.
والموج البكائيّ الثالث في بكائه (سلام الله عليه) منذ نزوله أرض كربلاء إلى حين شهادته، يمضي فيه المؤلّف (رحمه الله) في سبعة وعشرين حديثاً وخبراً ورواية، فإذا انتهى من الأمواج الثلاثة كتب في عنوان الموج الرابع: (بكاء الصدّيقة الصّغرى زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليها أفضل صلوات ربّ العالمين) يعرض المؤلّف خلال ذلك تلك العاطفة النبيلة التي وهبها الله جلّ وعلا لسيّد شباب أهل الجنّة، الحسين بن عليّ، والمتخلّقة بأخلاق الله سبحانه وتعالى، من الشفقة بالناس، وتمنّي الخير والسعادة لهم، والحرص على هدايتهم ونجاتهم، والرحمة والرّفق بهم، والتأثّر القلبيّ على من يصاب من الأحبّة المؤمنين، وذوي الرّحم المخلصين.
والخصيصة الثانية: في الكتاب "أمواج البكاء" الموالون هي في المؤلّف الكاتب، فهو عالم فاضل، صاحب مقال ومقول، ويراع راشح بالمعارف الشريفة، وقد أثمرت علومه عن كتب عديدة تحوم حول أهل البيت النبويّ الطاهر، كان منها هذا الكتاب النافع، المثير للإعجاب والمدرّ للدموع الموالية، وهو يحكي عن قلب مفعم بالولاء لرسول الله ولآله الأطياب (صلوات الله عليه وعليهم).
أمّا الخصيصة الثالثة: في "أمواج البكاء" فتتجه إلى المترجم سماحة السيّد علي أشرف، فهو إلى كونه من أهل العلم والفضيلة، خطيب حسينيّ، ومحقق مطّلع، ومترجم محيط بمعاني اللّغتين: العربيّة والفارسيّة، وكتاب "أمواج البكاء" موضوعه من اختصاص فصيلة المترجم، فهو يجيد التعبير الروائيّ، ويعرف أسلوب المقاتل الحسينيّة، ويحسن لغة الخطابة والكتابة معاً، وقد طعّم كتاب (الشيخ فوروز البسطاميّ) بفاكهتين علمّيتين، نفع بها الكتاب وقرّاءه:
الأولى: التحقيق العلميّ باستخراج مصادر ما أورده الكاتب (رحمه الله).
والثانية: القطع الأدبيّة الشّعريّة المناسبة التي أوردها في محالّها، منسجمة مع الموضوع العاطفيّ والأسلوب العاطفيّ، اللّذين توخّاهما المؤلّف (قدس سره)، فخرج الكتاب في حلّة جديدة ترتاح له النفوس والقلوب والأذواق والمشاعر الإنسانيّة، كما تضفي على المشاهد العاشورائية شعاعاً مبصّراً للبصائر والأبصار معاً.
ويبقى إلى جانب المزايا والخصائص التي حظي بها كتاب "أمواج البكاء" من خلال موضوعه، وأسلوب مؤلّفه، وإبداع مترجمه ومحققه. لابد أن يشار إلى بعض الجوانب التي يحسن معالجتها واستدراكها، فقد رأينا ضرورة كتابة مقدّمة خاصّة بموضوعين أخلاقيّين إنسانيّين، متقاربين، هما: الرحمة، والبكاء. في بحث مختصر يهيّئ القارئ إلى دخول الكتاب بخلفيّة عقليّة وقلبيّة تميل إلى هاتين الخصلتين الطيّبتين، اللتّين تجلّتا في الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في أشرف صورها وحالاتها، قبل كربلاء، وفي يوم عاشوراء... وقد بحث هذا الموضوع في الكتب التي تناولت الحديث حول (الأخلاق الحسينيّة)، كما بحث في الدراسات الحديثة لعلم النفس وعلم الاجتماع الانسانيّ، فرجّح البكاء والرحمة على الجمود والقساوة، وذكرت نتائج ذلك على المجتمع البشريّ.
والملاحظة الأخرى في الكتاب هي ورود بعض الأخبار الشاذّة مرويّة عن كتب العامّة، وهي لا توافق مصادرنا فضلاً عن مخالفتها لمعتقداتنا إذ لا تليق بشأن أوليائنا (سلام الله عليهم)، فليس كلّ ما ورود في (تذكرة الخواص) أو نقل عن حميد بن مسلم مسلّماً عندنا.
ثمّ لا تزال في الكتاب ثغرات بسيطة يرجى أن تملأ، في هوامش التحقيق، وخاتمة الكتاب التي تحتاج الى فهارس فنّيّة لا سيما للمصادر المستفادة فيالتحقيق.
وعلى العموم يبقى الكتاب ("أمواج البكاء"، في مواضع بكاء سيّد الشهداء، وخروج زينب الحوراء، في يوم عاشوراء) عنواناً جاذباً، مثيراً للحزن النبيل، والإعجاب الكبير، ومهيّجاً للعواطف الأبويّة والأموميّة والأخويّة والرّحميّة والإنسانيّة معاً، وقد ارتسمت جميعها في يوم واحد على صور مشاهد وشواهد، نقلتها لنا كربلاء الحسين.
فبوركت تلك الأقلام التي حرصت بغيرة وهمّة وحماس، لأن تدوّن قصّة المقتل الحسينيّ الشريف، بل وترسم وقائعها على صور كلمات وعبارات، وأخبار وروايات، وقصص موثقة ورؤىً صالحة وحكايات. فينضمّ ذلك كلّه إلى أشرف تراث عقائديّ لدى المؤمنين، الذين رأوا في سيّد الشهداء (عليه السلام) وفي مقتله المقدّس، مناراً ونهجاً ونوراً، كلّها متّجهة إلى الله سبحانه تبارك وتعالى.
*******