بسم الله، والحمد لله، واسمى الصلاة وأزكى السلام على حبيب الله، محمدٍ رسول الله، وعلى آله أولياء الله.
بعد واقعة عاشوراء، جدّت الاقلام في تدوين هذه الواقعة الكبرى التي هزّت العوالم وأذهلت التاريخ، فكُتبت الاخبار المنقولة والمسموعة، والمرويات الواردة عمّن شهد قصة كربلاء أو نقل إليه شيء منها. حتى إذا ثبتت معظم الوقائع المحكيّة، أخذت الاقلام تكتب في تصنيفها وتحليلها، وأحيانا في توثيقها وتحقيقها، من خلال دراسات في عالم الرجال والسيرة، وعلم الرواية والدراية وقد أثمرت الجهود المشكورة في هذا المجال عن تأليفات رافقها التوفيق في البحث العلمي والاسلوب الابتكاري، كان منها كتاب: "مقتل الحسين (عليه السلام) برواية جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كتب العامّة" بقلم فضيلة الشيخ قيّس العطار، حيث حاول فيه المؤلف بحث جميع الروايات الواردة عن العامّة، مستوفيا ً إياها، ومتناولاً طرقها وأسانيدها ورجالها، حديثاً حديثاً، ورواية رواية، حتى اجتمع عنده من حصيلة البحث عشرون صحابياً يُضاف إليهم رأس الجالوت وكعب الاخبار مخبرين عن شهادة الامام الحسين (عليه السلام) من الكتب السماوية السابقة، يُضاف إلى الجميع رؤيا ابن عباس ورؤيا أمّ سلمة.
ثم ّ ينتقل المؤلف (العطار) الى التابعين، فيرى عدداً كبيراً منهم يروون عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله ما أنبأ به من شهادة ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، حتى يقارب عدد التابعين خمسين رجلاً. وعن اولئك التابعين روى عدد ضخم يُصطلح عليهم (تابعي التابعين)، ومن بعدهم هم أكثر فأكثر، حتى تحقق التواتر في جميع الطبقات ما روي عن مقتل سيّد شباب اهل الجنة صلوات الله وسلامه عليه.
إنّ نتيجة البحث الذي قدمه الشيخ قيّس العطار في كتابه "مقتل الحسين برواية جدّه من كتب العامة"، أظهرت أنّ الجلَّ الاكبر من روايات علماء السنة وطرقها هي صحاح وحسان، ومقبولات ومعتبرات، في مصطلحات علم الحديث عن علماء السنة، يعلق المؤلف على ذلك بقوله: لعلنا لانجد كما بهده الضخامة من هذه الروايات في تاريخ الاسلام حول موضوع ما، اللهم إلا ّ في الاحاديث الناصة على ولاية امير المؤمنين عليّ وإمامته (عليه السلام)، وكذا في الاحاديث المنبئة عن ظهور الحجة المهدي سلام الله عليه، وما يسبق ذلك الظهور المبارك ويرافقه ويتلوه من الحوادث والوقائع. وبذلك تكتمل المفاصل الرئيسية في سلسلة أحاديث الامامة، أخذاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
إنّ مؤلف "مقتل الحسين برواية جدّه رسول الله من كتب العامة" فضيلة الشيخ قيّس العطار، قد اعتمد في تأليفه هذا على تبنيّ مناهج أبناء العامة: دراية ً، ورجالاً، في توثيق تلك الاحاديث المنقولة في كتب العامة أنفسهم؛ لبيان قيمتها العلمية ودرجة وثاقتها، متجاوزاً منهجي السرد التاريخي، وإلزام المخالف، وقد اتضحت لديه من خلال تحقيقاته الروائية - الرجالية نكات مهمة، يعُزّ ـ أو بندُرـ العثور عليها في مكان آخر، سجّلها في مقدمة كتابه هذا، منها:
الوقوف على تصحيفات كثيرة، واقعةٍ ـ عمداً أو سهواً ـ في رجال الاسانيد والاعلام. وهي أخطاء وردت نتيجة التوّهم والسهو وسوء النسخ أو سوء القراءة، وقد حاول المؤاف ـ مشكوراًـ توحيد الاختلافات الواقعة في أسماء بعض الرواة، وأرجاعها الى الاسم الصحيح، وحذف الاسم المحرّف أو المصحَّف عنه.
والنكتة الاخرى هي انّ المؤلف استطاع الوقوف على هذه الحقيقة، وهي أنّ جميع الانتماءات في الصحابة والتابعين ومن بعدهم، من شيعةٍ وعامةٍ وخوارج وعثمانيين، كلهم رووا تلك الاخبارات النبوية الشريفة في شهادة الامام الحسين (عليه السلام).
والحقيقة الاخرى في هذا الباب، أنّ المؤلف ومن خلال روايات مقتل الامام الحسين المروية عن كتب العامة. تعرّف على رواة كوفيين وبصريين، ومدنيين ومصريين، وغيرهم، دون ان يرى نصيباً ملحوظاً للرواة الشاميين الامويين، وهذا سيجل علامة واضحة تشير الى مدى التعصب الشامي والحقد والاموي البغيض الذي كان يكمن كالسل في صدور الامويين.
ويقف المؤلف على حقائق كثيرة اخرى، يذكر منها ان بعض الروايات الواردة في كتب العامة حول مقتل الحسين (عليه السلام) قد اسقط بتعمد، حيث نُقلت الى الكتب الاخرى بينما لامجد لها اليوم أثر في المصدر المنقول عن: كما نُقل من "المعجم الكبير" للطبراني ما لا نجده اليوم في هذا الكتاب!
كما يذكر مؤلف "مقتل الامام الحسين (عليه السلام) برواية جده من كتب العامة".
انّ اقوى الروايات العامية في هذا الموضوع سنداً ومتناً وأكثرها طرقاً: هي الروايات الواردة عن امير المؤمنين علي (عليه السلام)، وعن ام المؤمنين ام سلمة رضوان الله تعالى عليها.
وحقيقة اخرى يذكرها المؤلف في روايات العامة حول مقتل الامام الحسين (عليه السلام)، هي أنّ اخبارات النبيّ (ص) بشهادته كانت ضمن روايات متواترة منذ الصدر الاول؛ لذلك كان يرسلها بعض التابعين ارسال المسلمات؛ لتحقيقها القطعي على صعيد الواقع، فكلما أخبر به رسول الله جرى وحدث ووقع، بينما الاخبارات تحدثت عن الشهادة قبل ولادة الامام الحسين (عليه السلام) وعندها، وفي السنة الاولى والثانية من عمره المبارك وفي ما بعد ذلك. كما تحدثت عن لسان رسول الله صلى الله عليه وآله عن كيفية القتل ومكانه، وعمن هو قاتله، ومن هو خاذله، ومن هو ناصره، وعن عقوبة الخاذلين والقاتلين، وثواب المناصرين والمآزرين.
كل ذلك في روايات علماء السنة ومحدثيهم، وهي لم تُبحث من قبل لتباعه اهل البيت (عليهم السلام) طبق مباني العامة؛ لاستغنائهم بما اخذوه، كما لم تبحث من قبل ابناء العامة وأتباع مدرسة الخلفاء، لحرص الكثير منهم على طمس معالم الواقعة، وتغطية جرائم الامويين: فجاء كتاب "مقتل الحسين برواية جده رسول الله من كتب العامة" ذكراً في بابه؛ لبحث مؤلفه جميع روايات العامة، طبقاً لمناهج ومباني العامة.
*******