الحمد لله، وأشرف الصلوات على أشرف خلق الله، محمد رسول الله، واله اولياء الله.
ان جميع المؤرخين، وحتى الداعين الى اعادة كتابه التاريخ، يجمعون على ان قضية طف كربلاء، وواقعة يوم عاشوراء. قد غيرت مجرى التاريخ، واحدثت صاعقة في الوجدان الانساني وما تزال، ودفع الكثير من المعاصرين فضلاً عن المتقدمين، الى التعرف على قصة شهادة الامام الحسين (عليه السلام)؛ لما رأوا من اثارها العظيمة الممتدة الى يومنا هذا، وهي تتسع افاقها في رحاب التبليغ العالمي، وتتعمق في الضمير البشري، حتى تساءل الكثير من حكام الغرب وزعماء المسيحية واليهودي: من هو الحسين؟ وماذا كانت اهدافه؟ وكيف قتل ولماذا؟ وما هي تفاصيل تلك الملحمة التي لاتزال تدوي في اعماق التاريخ، وتعمل في تأثيراتها على الافكار والمواقف، والاجيال والاقوام؟!
ومن هنا طالت وقفات كل المؤرخين عند مقتل الحسين (عليه السلام)، ومنهم صاحب "ناسخ التواريخ" الميرزا محمد تقي سبهر "لسان الملك"، فكتب في ذلك اربعة اجزاء من موسوعته التاريخية هذه، ترجمت من اللغة الفارسية الى اللغة العربية بقلم احد الافاضل المتخصصين في (تاريخ الامام الحسين (عليه السلام) ومقتله) سماحة السيد علي اشرف، فلنتعرف على المزيد من خصائص هذا الكتاب.
ان اول ما يلاحظ على القسم المختص بحياة الامام الحسين (عليه السلام) من كتاب "ناسخ التواريخ" هوالترتيب الزمني، فيبدا بالحديث عن خلق الامام الحسين وخلق نوره القدسي، ثم عن ولادته وبركات وجوده الشريف، ثم عن رضاعته واسمه وكناه وشمائله، وفضائله وخصالصه والنص على امامته، ثم وقائع عصره وفترته.
في سلسلة سنوات عمره المبارك، ضمن جمع من الاخبار يصل فيها المؤلف الى سنة ستين من الهجرة النبوية الشريفة، فيستعرض فيها الحوادث المتقدمة قبيل واقعة كربلا أوائل سنة احدى وستين من الهجرة وفيها: ما كان من يزيد من محاولة اجبار الامام الحسين (عليه السلام) على بيعته، وفشله في ذلك لاصطدامه بعزة ولي الله، وخليفة رسول الله، وابائه الذي صحا له المسلمون. ثم تتتابع الوقائع وتنطوي المقدمات، وتاتي نهضة مسلم بن عقيل رضوان الله وسلامه عليه، ويكون ما يكون من خذلان الكوفة فيستشهد هناك، ثم تبدا الرحله الثانية للركب الحسيني من مكة الى العراق بعد ان كانت الرحلة الاولى له من المدينة الى مكة، فيخرج سيد الشهداء من الحرم المكي يوم التروية يمنع من هتك حرمة بيت الله الحرام، الى حيث موعد شهادته ومحلها في غاضرية نينواء، التي عرفت بطف كربلاء والى حيث احياء الاسلام وايقاض المسلمين بالشهادة وفيض الدماء!
ثم يجري ميرزا محمد تقي سبهر في "ناسخ التواريخ" متابعاً ومفصلاً، وقد دخل الامام الحسين (عليه السلام) هو واهل بيته واصحابه الى ارض كربلاء فكان هناك محط رحالهم، ليكون ما قد شاء الله ان يكونه، في عشرة ايام لم يشهد التاريخ منها ولن يشهد.. فكانت شهادة الاصحاب ثم شهادة الاهل والقربى والاصحاب، ثم كانت الفاجعة العضمى بشهادة سيد شباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين، سبط المصطفى وريحانته، في مشهد فضيع ورهيب وغريب وعجيب لا يوصف.
وذاك ما اصطلح عليه "المقتل"، فاذا اطلق هذا الاسم اطلاقا انصرفت الاذهان الى مقتل الامام الحسين وشهادته صلوات الله عليه، وقد جدت الاقلام في تدوينه على نحو من التفصيل موثقا بالروايات والاخبار الصحيحة الشهيرة، والرواة الموثقين المشهورين.
ثم تجري الوقائع يسجلها مداد المؤرخ سبهر من خلال ما جرى بعد شهادة الامام الحسين (عليه السلام)، يضيف اليها جملة من الروايات المتعلقة بحياة الامام وشخصيته واسرته، ويحاول بذلك اتمام قسم كتابه المتعلق بحياة سيد الشهداء (عليه السلام)، وان تاخرت بعض الحوادث عن محالها.
واخيراً لابد من الاشارة الى جمله ملاحظات حول كتاب "ناسخ التاريخ" او الى القسم المتعلق بحياة سيد الشهداء (عليه السلام) من هذا الكتاب وهي على العموم:
اولاً: جاء الكتاب على نحو من التفصيل، بحيث يعني الباحث والمتخصص في مجال التحقيق والمطالعة الشاملة.
ثانياً: يكاد الكتاب ان يكون حصيلة مراجعة عدد هائل من المصادر ومراجع كتب التاريخ والسيرة والرجال، كما اشار المؤلف الى ذلك مدرجا اسماء مصادره.
ثالثاً: لعل المؤلف "سبهر" جعل عمدة كتابه كتاب "الفتوح" لابن اعثم الكوفي، ولربما اوقعه ذلك في اطار ضيق لايخلو من اخطاء، او شواذ الاراء وكان المترجم ـ وهو فضيلة السيد علي اشرف ـ رجلا متحققا، قد وجه بعضها توجيها سليماً، ورد البعض الاخر مخطئا لها ومصححا ذهن القارئ بالادلة والبراهين النافعة.
رابعاً: لا يفوتنا ان نقول: ان قلم المترجم مخبر عن اطلاع وافر في العلوم الدينية، و تحقيق رفيع المستوى في السيرة الحسينية، فضلا عن نقد وتخصص وتسلط على اللغتين: العربية والفارسية، فكان موفقا في بياناته، وانتقاداته وتعليقاته وحتى في اضافاته ما وجده مناسبا من الاشعار العربية، كما كان موفقا في نقل العبارة الفارسية الى اللغة العربية بما يستأنس بها الذوق العربي وتناسب القارئ العربي، بأسلوب روائي فاخر.
*******