الحمد لله، وأفضل الصلاو وأسمى السلام على الحبيب رسول الله، وعلى آله أمناء الله.
لفضاعة المأساة التي وقعت على طف كربلاء، كانت الضرورة العقائدية والتاريخية، والانسانية الاخلاقية لإن تكتب بتفاصيلها، وإن تعذر ان يحاط بها. ولذا وجدنا أصحاب الديانات من اليهود والنصارى وغيرهم وقفوا عند قصة كربلاء، كما وجدنا المؤرخين في جميع الاتجاهات توقفوا في سنة احدى وستين من الهجرة عند يوم عاشوراء وهكذا أصحاب الفكر وأهل الاخلاق والسير والرجال، استوقفتهم قضية الامام الحسين (عليه السلام) صلوات الله عليه؛ لرهبتها، وغرابتها، وعظمتها، فيكفي انها قصة شهادة عظمى، شهيدها سبط المصطفى وريحانته، وسيّد شباب اهل الجنة، وسيّد الشهداء. كما يكفي أنها قضية ديانة كبرى، محييها وباعثها من جديد سليل الرسول والرسالة، ومهجة قلب الزهراء والمرتضى، أبو عبد الله الحسين صلوات الله عليه.
كُتبت المقاتل الحسينية، وكان لابد أن تُكتب، بأقلام يرى مايسكوها أنّ إمام وصيّ، أو يروا أنه عبد صالح وليّ، أو انه رجل حقّ ٍ أبيّ، لا يرضى بضيم أبداً، وهو القائل سلام الله عليه: «لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرُّ فرار العبيد» والقائل أيضاً صلوات الله عليه ايضاً صلوات الله عليه: «ألا إنّ الدَّعي ابن الدعيّ، قد ركزَ بين اثنتين: بين السِّلة والذلة ِ، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام».
وتملكَ الإعجاب قلوب الناس وعقولهم، أيُّ موقف ٍ ذاك للحسين ابن فاطمة، وهو يقول: «والله لا أعطي الدنيّة من نفسي أبدا، ولتلقينَّ فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته، ولا تُدخلُ الجنّة أحداً آذاها في ذريتها!».
وبعد ذلك تملك الناس العجب، أيَّ قتلةٍ قُتل بها ابن رسول الله! فلابدّ إذن أن تُسجَّل المناقب، ثم المصائب وذلك ما نهض ببعضه الشيخ مؤمن بن حسن المؤمن الشِّبلنجيُّ الشافعيّ في تأليفه كتاب (نور الابصار في مناقب آل النبي المختار)، والذيب ضم بين دفتيّه فصلاً نختصاً بالامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، واقفاً عند قصة شهادته العظمى في إحدى وعشرين صفحة حاول خلالها عرض المقتل الشريف على نحو من العجالة بصورة ادراج لبعض الاخبار والروايات المهمة، ونقل بعض المشاهد العاشورائية.
يبتدئ الشبلنجي الشافعي قصة كربلاء بهذه العبارة: قال ابو عمرو، وحبّذا لو كان عرّف به. ثم أخذ بعد ذلك في سردٍ تاريخي مرتَّب، ويشعر القارئ من خلاله أنّ الرجل لم يأخذه منحى ً متعصِّب خاص الى فئة او طائفة، وكأنه كان متحمساً لإبداء الحقائق من خلال الوقائع التاريخية، والحوادث التي نقلتها الاخبار، فأخذ الشبلنجيّ في كتابه (نور الابصار) وهو حياديُّ اللهجة الا ما ندر، فاظهر منه عبارة يبدي من خلالها رأيه واكنه في الاعم الاغلب حاول اظهار الحقائق، وتعاطف مع الامام الحسين ذاكراً بعض اسمه الشريف عبارة (رضي الله عنه) باعتباره رجلاً صالحاً طيباً سليلاً لرسول الله صلى الله عليه وآله، وليس باعتباره إماماً موصىً به مفروض طاعته؛ ولم يخل عرضه التاريخي من وقوفٍ على مواقف مهمة، منها: أن يزيد بن الحصين الهمدانيّ لما استأذن الحسين (عليه السلام) التكلم مع عمر بن سعد فأذن له، جاء فحاجج عمر فأحرجه، فما كان من عمر بن سعد إلا أن قال له: أخل همدان، إنيّ لأعلم ما تقول. ثم انشأ يقول:
دعاني عبيد الله من دون قومهِ
إلى خصلةٍ فيها خرجتُ لحيني
فوالله ما أدري وإنيّ لوقف
على خطرٍ لا أرتضيه ومين ِ
أآخذ مُلك الريّ ِ مُنيتي
وأرجع مطلوباً بقتل حُسين ِ
وفي قتلة النار التي ليس دونها
حجاب .. وملك الري قرّة عيني!
وبعد نرى في المقتل الذي كتبه الشبلنجيُّ الشافعيّ في كتابه (نور الابصار) على نحو الاختصار والاقتضاب، أنّ هنالك مواضيع حساسة ومهمة، كتبها المؤلف ليتبين للقارئ أيُّ قصة ٍ كانت وجرت في كربلاء، من ذلك موضوع الرأس المقدَّس للامام الحسين سلام الله عليه، وموضوع سوق ِ الاسارى، ومجريات الاحتجاجات التي وقعت في مجلس يزيد، مع يزيد نفسه بعد قتله الحسين ونكت ثغره الشريف بقضيب الخيزران، وإحراج زين العبدين عليّ بن الحسين إياه.
ثم من خائص كتاب الشبلنجيّ ( نور الابصار) في خصوص شهادة الامام الحسين (عليه السلام)، نقله: لروايات، ومنامات، وغيبيّات ٍ وكرامات، تتعلق بأبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، تؤكد جلالته وعِظم شأنه ومقامه السامي الكريم عند الله تبارك وتعالى، كما تؤكد مظلوميته وثأر الله تعالى لدمه، وظهور آيات مصابه ومصائبه في الاكوان ما شهدها الناس وتعاهدوها، نقل الشبلنجي ّ الشافعيّ ذلك من مصادره السنيّة المهمة بلا تردّد، كنوح ِ الجنّ على الحسين، وبكاء السماء على الحسين، وأنه لم يقلب حجر في بيت المقدس إلا ّ وُجد تحته دم عبيط بعد شهادة الامام الحسين.
مثبتاً عنده ان اليوم الذي قُتل فيه الحسين (عليه السلام) هو يوم الجمعة، عاشر محرّم ٍ الحرام، سنة احدى وستين من الهجرة.
بعد ذلك كان له بحث مفصل حول الرأس المقدّس، وقد جال به القوم في البلدان والديار، فظهرت له كرامات عديدة وغريبة، أذهلت الناس وعرفتهم بإمامته، ومظلوميته! وفي هذا كان الشبلنجيّ الشافعيّ ينقل عن رجال معروفين في الاوساط السُّنية، وعن رجال سماهم بـ"أرباب الكشف" ذاكراً: كرامتين، وغريبة، ونادرتين، وعجيبة. كنا نتمنى استعراضها لو كان هنالك فسحة في المجال، لكننا نترك للمستمع الكريم مراجعة ذلك في محله.
وأخيراً لا يخلو الكتاب من مواضع تحتاج الى التحقيق، أو التعديل والتغيير والتعليق، نرجو أن يوفَّق الى ذلك أهل البصائر النيرّة.
*******