بسم الله واهب الآلاء، وازكى الصلاة والسّلام على سيّد الرسل والانبياء، وعلى آله الهداة الامناء.
لقد نهضت الرسالة الاسلامية الشريفة، ببركات جهود النبي (صلى الله عليه وآله) رافقتها جهود أمير المؤمنين علي وجهاده، وأموال خديجة، وأهتدى من كتب الله تعالى الايمان في قلوبهم. حتى كانت الرّدة أو لنقل: حتى كشفت الاقنعة عن اوجه النفاق، وسرقت الامانة الالهية، وكثر الادعياء والمدعون. فآلت الخلافة مغصوبة الى آل بني امية، ليضحى معاوية وليّ أمور المسلمين.
وكان القرآن الكريم قد انبأ إنباءات كثيرة، منها قوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات، 14) ومنها أيضاً قوله جلّ وعلا: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا (الاسراء، 60).
روى السيوطي في (الدر المنثور)، وأخرج ابن مردويه وكذا ابن ابي حاتم عن يعلى بن مرّة، والبيهقي في (دلائل النبوة) وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق)، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أصبح وهو مهموم، فسئل في ذلك فقال: إنيّ أريت في المنام كأن بني امية يتعاورون منبري هذا. وفي رواية قال: أريت بني امية على منابر الارض، وسيملكونكم فتجدونهم ارباب سوء.
قال الآلوسي في تفسيره (روح البيان) في ظلّ الاية الكريمة: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ في عبارة بعض المفسرين هم بنو أمية وفيه من التأكيد على ذمهم ما فيه، وضمير نُخَوِّفُهُمْ مجعول للشجرة إذ المراد بها بنو امية، وكونهم ملعونين بعبارة وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة، والفروج المحصنة، وأخذ الاموال من غير حلها، ومنع الحقوق عن اهلها، وتبديل الاحكام، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله)، إلى غير ذلك من القبائح العظام، والمخازي الجسام، التي لا تكاد تنسى مادامت الليالي والايام، وقد جاء لعن بني امية في القرآن على الخصوص وعلى العموم.
انتهى كلام الآلوسي، وهو من اشهر المفسرين المتأخرين عند اهل السنة، وكان من متقدميه ابن كثير وقد قال في (تفسير القرآن العظيم) في ظل الآية المباركة: المراد بـ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ بنو امية.
فيما قال الفخر الرازي في (التفسير الكبير): قال ابن عباس: الشجرة بنو امية.
ويطول الحديث في الامور التي جرت بعد رحيل المصطفى (صلى الله عليه وآله) لكن المختصر منه أنّ الاسلام قد تشوهت صورته على ايدي المنحرفين والمنافقين والمنقلبين على اعقابهم، ومن كانوا يعبدون الله على حرف واحد. فكان لابد من نهضة منقذة لرسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وكان لابد من دماء مضحية يستفيق على اثرها المسلمون من غفلاتهم، لتكون الصحوة ولم يكن أهلاً لهذه وتلك إلاّ الامام الحسين ابن عليّ وابن فاطمة البتول، سبط رسول الله وريحانته، وسيّد شباب اهل الجنة (صلوات الله وسلامه عليه).
فنهض للشهادة، في ملحمة سماوية عظمى، هزّت التاريخ، بل هزّت عوالم الوجود كلها، فكانت الضرورة القاطعة أن تدون تلك الملحمة، مرّة بالاطناب، ومرّة بالاسهاب، على نحو الاجمال او على نحو التفصيل، بأسلوب العرض ودرج الوقائع، أو بأسلوب التحليل.
وعلى أية حال، فقد اقتضت الضرورة أن تصور تلك الوقعة الكبرى بالاقلام والمحابر، بعد أن صورتها السماء بالدماء والمدامع.
فتحركت الضمائر لا تهنأ ولا تستقرّ حتى توالي وتبرأ، وحتىّ تثبت الحقائق من خلال الاخبار والروايات. فكتبت عشرات المقاتل: بدلائل عقائدية، أو بحوافز فكرية تاريخية، أو بدوافع انسانية. المهم، لابدّ ان تسجل واقعة طف كربلاء، وأن ترسم مشاهد يوم عاشورا. بيراع الكاتب او بريشة الرسّام، أو بعواطف الشاعر، بمحابر الفكر والعقيدة، أو بمحابر التاريخ والحقيقة، مقرونة بأنفاس الولاء والحزن، أو بنظرات الاكبار والاعجاب والاجلال أو بجميع ذلك.
وكان من تلك المقاتل، وقد جاء بعضها في كتب مستقلة، وبعضها في فصول مستقلة، كتاب (نور الابصار، في مناقب آل بيت النبي المختار) للشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجيّ الشافعي المدنيّ المولود سنة 1250، والمتوفى سنة 1308 هجرية.
*******