السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ان فاجعة طف كربلاء أسالت مجاري الدموع المتدفقة بغزارة وحُرقة، وأقضت مضاجع آل بيت الوحي والرسالة، وأرقت مُحبيهم، بل وأذهلت غير المسلمين.. كيف يكون قتل ذريع لسبط نبي على يد امته؟! وهل يُعقل أن يُسبى حرم الرسول من قبل امته؟! بأمر ممن يدّعي أنه سليل خلافته!
انها مأساة كبرى حقا ً لا بدّ أن تدون للعبر والعبارات، رحم الله الشاعر حيث يقول مستعظما ً متعجبا ً مستغربا ً:
الله أيُّ دم ٍ في كربلا سُفكا
لم يجر في الارض حتى أوقف الفلكا!
واي خيل ضلال بالطفوف عَدَت
على حريم رسول الله... فانتهكا
فالناس عادت اليهم جاهليتهم
والرشد لم يدر قوم أية سلكا
وقد تحكم بالاسلام طاغية
يمسي ويصبح بالفحشاء منهمكا
لم أدر أين رجال المسلمين مضوا
وكيف صار يزيد بينهم ملكا؟!
لئن جرت لفظة التوحيد في فمه
فسيفه بسوى التوحيد ما فتكا!
من المقاتل الشريفة كتاب (مهيّج الاحزان، ومُوقد النيران، في قلوب اهل الايمان)، وهو لعالم مجتهد عرّفه الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه (الكرام البررة) بقوله: هو الشيخ المولى حسن بن محمد عليّ اليزدي الحائري، من أعاظم علماء عصره، عرّف به التنكابني في (قصص العلماء) مفصلا ً، وأثنى على فضله وورعه كثيرا ً.
كان الشيخ حسن الحائري في كرلاء المقدسة من تلاميذ السيد علي الطباطبائي صاحب كتاب (الرياض)، وفي اواخر عمره جاور الشيخ الحائري الحائر الحسيني الشريف بكربلاء، مهتما ً بالوعظ والابكاء، وأقامة المآتم على سيد الشهداء، وقد انتفع من مجلسه العوامّ والخواصّ وكان من آثاره الطيبة كتابه (مُهيّج الاحزان) وهو مقتل مختص بالامام ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، ألفه سنة 1237 هجرية باللغة الفارسية، الى أنْ حظي بالترجمة والتحقيق سنة 1427 هجرية،على يد فضيلة السيد علي جمال اشرف، معتمدا في ترجمته للكتاب الى اللغة العربية على نسخة حققها ــ مأجورا ًــ تحقيقا ً بسيطا ً فضيلة الحاج محمد حسين رحيميان، الذي تطوع بأضافة عناوين داخل المجالس لم تكن من أصل الكتاب. فيما قام السيد أشرف بتخريج الاحاديث والمرويات من مصادرها بما استطاع الى ذلك سبيلا ً، محاولا ً التوفيق بين مااعتمده المؤلف من النصوص وما اشتهر اليوم في المصادر المطبوعة والمحققة، فيكون المحقق - جزاه الله خيراً - قد ادى امانة الترجمة وأمانة النقل في وقت واحد.. مشيرا ً الى ان ما أضافه في كلّ موقع، ومطعما ً المواقف بالابيات الشعرية المناسبة.
في مقدمة كتابه (مهيج الاحزان).. يتطرق المؤلف الشيخ حسن اليزدي الحائري الى سبب تأليفه لهذا الكتاب، قائلا ً ما خلاصته:
لمّا كان التوسل بالائمة الطاهرين عليهم السلام أعظم الوسائل التي يتقرب بها العبد الى ربه، نجد كل عبد يبحث عن ذلك السبيل ليتخذه منهجا ً. ولما كان السعي في حفظ الآثار والاخبار الواردة عن أهل البيت الاخيار عليهم السلام مرغوبا ً فيه ومحبوبا ً، ويُعد من حفظ شعائر الاسلام، انبرى العلماء في جميع الاعصار والامصار الى تأليف الكتب وتحرير الرسائل في هذا المجال.
ولما كان ذكر الحسين سيد الشهداء سلام الله عليه، وحفظ الاخبار المتعلقة به وهو حادي ظعن السالكين الى مرضاة الله تعالى مشتملا ً على تلك المزايا والآثار المذكورة، أهتم اهل الايمان والولاء في التأليف حول مناقب الاملم الحسين عليه السلام وشهادته. لهذا قررت ان أحرر رسالة في هذا الباب، أ ُرتب فيها الاخبار المعتبرة التي أجمعها من كل شتات.. حتى إذا تأكد عندي هذا العزم، ألحّ عَليّ بعض الاخيار من الاصدقاء أن اشرع في التأليف، لكن عاقني عن النهوض بذلك ــ ولمدة طويلة ــ عوائق الايام، إذ حلت بالبلد حوادث عظيمة غشيتنا بالاضطراب والخوف على النفس والمال من التلف، فقلت: إن نجانا الله اللطيف الرحمان من هذه المهالك، وأنقذنا من هذه المآسي، فإني انجز ــ بإذن الله تعالى ــ هذا المشروع شُكرا ً لله على ما يُنعم علينا به من السلامة والامان.
فلما نجونا ببركة الولى الحسين عليه السلام، أردت أن أفي بعهدي شكرا للنعمة، فلعلها تكون سببا ً لمغفرة الذنوب، وتوجب النجاة من مهالك الاخرة كما كانت سببا ً للنجاة في الحياة الدنيا.
اللافت للافهام في كتاب (مهيج الاحزان) أن المؤلف كتب له مقدمة مهمة تحتوي على مطلبين: الاول في آداب التعزية وإقامة المآتم، والمطلب الثاني في أدلة ذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم، ومعجزاتهم، ومصائبهم، والطرق الى ذلك.
ولا شك أن مقدمة كهذه تُعد باباً مهما ً في موضوع حزين كمقتل الامام الحسين عليه السلام، كما تعد بادرة نافعة في تهيئة القلوب للكآبة على سيد الشهداء سلام الله عليه.
وسنواصل الحديث حول كتاب (مهيج الاحزان) في لقائنا القادم بإذن الله تعالى، حتى ذلك الحين نرجو لكم أفضل الطاعات في هذه الايام الشريفة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******