بسم الله، والحمد لله، وأزكى الصلاة والسلام على محمد وآله آل الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد جرحت مأساة الحسين عليه السلام كرامة المسلمين ومشاعرهم، وأيقظتهم على نكبة عظمى، فهبوا يستخبرون: مالذي جرى وكيف؟ فوقعوا على الحقائق المرّة التي انبأهم رسول الله بها من قبل وحذرهم، ووبخهم... سوم استرجع ودمعت عيناه الشريفتان، فسُئل عن ذلك، فقال لهم: هذا جبرئيل يخبرني عن ارض بشاطئ الفرات يقال لها (كربلاء)، يُقتل فيها ولدي الحيسن ابن فاطمة.
فقيل له: من يقتله يا رسول الله؟!
فقال رجل يقال له: "يزيد"، لا بارك الله في نفسه... ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مغموماً فصعد المنبر والحسين بين يديه مع الحسن، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين، ورفع رأسه الى السماء وقال: اللهم انيّ محمد عبدك، ونبيّك، وهذان أطائب عترتي، وخيار ذريتي وأرومتي، ومَن اخلفهما بعدي.. اللهم وقد أخبرني جبرئيل بأن ولدي هذا مقتول مخذول، اللهم فبارك لي في قتله، واجعله من سادات الشهداء، انك على كل شيء قدير.. اللهم ولا تبارك في قاتله، وخاذله!
فضج الناس في المسجد بالبكاء، فقال لهم النبي: أتبكون ولا تنصرونه؟!
هذه الرواية التي اوردناها على مسامعكم الكريمة، هي ما نقاه كاتب حنفي المذهب، خطيب وعالم مشهور، اسمه الموفق أبو المؤيد الخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين عليه السلام)، حيث ذكر في مقدمة كتابه هذا فضائل اهل البيت عليهم السلام جرت على لسان المصطفى صلى الله عليه وآله، وتناقلها الرواة والمحدثون والمفسرون والمؤرخون بالتصديق والتوثيق، مثبتاً أفضليتهم عليهم السلام حتى نجد الخوارزمي في نهاية مقدمته تأخذه حالة من الغضب لهم والغضب على اعدائهم فيقول: فلعن الله مبغضي أهل البيت، ولعن الله من لم يلعن مبغضي اهل البيت، وقاتليهم وسافكي دمائهم، والذين أعانوا على قتلهم، وأشاروا الى قتلهم ودلوا عليه. أليس عُرف من دين الاسلام أن من دلّ على قتل صيد الحرام، كمن قتل صيد الحرم في الاحكام فهذا حكم الله في الدال على صيد الحرَم، فكيف يكون حكم الله في من انتهك حُرمة رسوله في الحَرَم، وسفك من دم سبط شفيع يوم العَرض، ولم يكن حينئذ ٍ ابن بنت نبي ٍ غيره في بسيط الارض؟!
وكأن الضمائر لم تهدأ دون ان تستدرك مافاتها، ودون ان تأسف على ماكان جرى وحلّ! وفي مقدمة الخوارزمي الحنفي نقرأ ذلك الاسف المقرون بالتمنيّ، وقد حثه على ان يُرضي ضميره بأن يكتب شيئا ً عن الامام الحسين عليه السلام، حيث كتب يقول:
ولمّا عجزت لتأخير زماني... عن المناضلة دون الحسين، وإراقة دمي، والمثول بين يديه على قدمي، أحببت أن أجمع مقتله بلعاب قلمي، وأ ُطاعن دونه ودون ذريته باللسان؛ إذ لم أ ُطاهن دونهم بالسنان، وأ ُضارب عداهم بالبيان المُساعد؛ إذ لم أ ُضاربهم بالبنان والساعد؛ ليجدد مطالع مجموعي (اي كتابي المجموع هذا يُجدّد) اللعن على قاتليهم، ويوجه اللائمة الى خاذليهم، وليكون لي حظ في شفاعة جدهم محمد المجتبى من برّيته، مع الاولياء من ذريته، يوم ينادي المنادي من وراء حُجُب العرش: (يا أهل الموقف، غُضُّوا ابصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد. فتمضي في عرصات القيامة مُلتحفة ً بثوب مخضوب بدم الحسين، فتحتوي على ساق العرش ثم تقول: انت الجبار العدل، إقض بيني وبين قتلة وَلدي.
قال رسول الله صلى اله عليه وآله: فيقضي الله لبنتي ورب الكعبة!
ثم تقول: شفعني فيمن بكى على مصيبتي، فيشفعها الله تعالى فيهم).
وبعد ان يستعرض الخوارزمي فصول كتابه (مقتل الحسين) - وهي خمسة عشر فصلا - يعرف بمؤلفه هذا قائلا: توخيت ان اودع هذا المؤلف ما لا يمجه سمع السماع، وقصدت ان احلي هذا المصنف بما لا يرده جمع الاجماع، واردت ان يرتفع مستطير الشعاع، مكشوف القناع... وختمت مجموعي هذا بقصة المختار، الذي شفى صدور الابرار، من تلك الاوتار، وبهلاك عبيد الله بن زياد الابتر، بصُمصام ابراهيم بن الاشتر، لا طفئ من قلوب اهل الاسلام نائرة لاتنطفي في الآجلة نارها،.. واذا كان قد استمرت لاشقياء جولة على السعداء، واستفحلت للبغاة وطأة على الشهداء، فانما ذلك ليكرم الله تعالى منقلب ذرية الرسول ومآبهم، ويجزل لهم بالشهادة ثوابهم. ثم ان الله تعالى ارسل على عبيد الله بن زياد صاعقة ابراهيم بن الاشتر.. فاذاقه شطر وبال ما احتطب، وجزاء ما اكتسب.. وطهر اديم الارض من ادناس هؤلاء العارمين الالمين، وتركهم في مصابهم جاثمين، «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
*******