السلام عليكم مستمعينا الأعزاء... أهلا بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نتناول فيه بعض البركات الإصلاحية والتبليغية التي تشتمل عليها شعائر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله، وخاصة فيما يرتبط بالإصلاح الذاتي للفرد والهداية إلى الدين الحق...ونتناول هذه البركات من خلال التدبر في أقوال المفكرين من غير المسلمين الذين وقفوا طويلا عند واقعة الطف الملحمية... تابعونا مشكورين.
نبدأ أعزائنا المستمعين بشهادة للمستشرق الهنغاري (أجناتس غولد سيهر) أوردها في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) أشار فيها إلى أحد عناصر الخلود في الشعائر الحسينية، وهو العنصر الذي ينطلق من قوة التضحية في واقعة الطف المفجعة، وقال هذا المستشرق الهنغاري: (قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام وقد زودت ساحة كربلاء تأريخ الإسلام بعدد من الشهداء إكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهرا عاطفيا مؤثرا...). وقال العالم الإيطالي (أل دومييلي) في كتابه (العلم عند العرب) نشبت معركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي وخلفت واقعة محركة عميقة الأثر وعرضت الأسرة الأموية في مظهر سيء ولم يكن ثمة مايستطيع أن يحجب آثار السخط العميق في نفوس القسم الأعظم من المسلمين على السلالة الأموية والشك في شرعية حكمهم.
هذا التأثير العميق لواقعة الطف في قلوب المسلمين جعل إحياء الشعائر المرتبطة بها عاملا نهضويا في مواجهة الظلم بمختلف أشكاله...لاحظوا أيها الإخوة والأخوات ما يقوله الفيلسوف الألماني الشهير ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية): (قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه، ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، إن الحسين بمبلغ علمه وحسن سيرته بذل كمال جهده في كشف ظلم بني أمية وإظهار عدواتهم لآل النبي... فازدادت نفرة قلوب المسلمين منهم وشكلت هذه النفرة مقدمة للثورة على بني أمية..).
وعلق المؤرخ الهندي الأستاذ السيد أمير علي في كتابه (مختصر تاريخ العرب) على كلام المؤرخ البريطاني (سير جيبون) بشأن واقعة عاشوراء...فقال: (إن مذبحة كربلاء قد هزت العالم الإسلامي هزا عنيفا ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية..)
مستمعينا الأحبة، هذه الاثار المباركة للشعائر الحسينية تشير إليها _ في الواقع _ صحاح الأحاديث الشريفة التي ذكرت بلغة مؤكدة عظمة الثواب الجزيل الذي أعده الله عزوجل للبكاء على الحسين وزيارته _ عليه السلام _ وغير ذلك من الشعائر الحسينية …..فمن المعلوم أن عظمة ثواب أي عمل تتناسب مع قيمته عند الله عزوجل وهذه القاعدة تصدق مع الشعائر الحسينية وعظم ثوابها...لنستمع أيها الأعزاء لما يقوله عن سر هذا الثواب العظيم ضيفنا الكريم في هذا اللقاء سماحة (الشيخ فيصل العوامي الباحث في الشؤون القرانية من السعودية).
الشيخ فيصل العوامي: بسم الله الرحمن الرحيم وافضل الصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
اذا اردنا معرفة السر والهدف من وراء هذه الدمعة الحسينية يمكن لنا ان نعود للوراء قليلاً لنتأمل في بكاء نبي الله يعقوب وماالسر فيه؟ نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام كان يعلم ان ابنه موجود على قيد الحياة وهو نبي الله يوسف "وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{۸٦} يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ" كان يعلم انه موجود ويعلم ايضاً انه سيعود اليه معززاً مكرماً"يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" مع ذلك بكى على ابنه بكاءاً حتى "وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ" الى درجة قال الامام الصادق عليه الصلاة والسلام عندما سئل مابلغ من بكاء يعقوب على ابنه؟ قال بكاء سبعين حرى ثكلى، بكى بكاءاً مراً وهو يعلم ان ابنه موجود وسوف يعود اليه، ماهو السر في ذلك؟ ماهي فلسفة هذا؟ كان ذلك لأبطال مؤامرة اخوة يوسف الذين قالوا "اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ" يعني ارادوا مسح يوسف من ذاكرة يعقوب ومن ذاكرة الناس هذه كانت المؤامرة، نبي الله يعقوب ما صرخ في وجوههم وماعاقبهم وانما ابطل المؤامرة بأن جلس في بيته ينوح ويبكي فقط لأن النياحة والبكاء هنا افضل اجراء لمقاومة المؤامرات، اسلوب لاعنفي، اسلوب سلمي لمقاومة المؤامرات ولهذا استطاع ان يصنع من خلال دمعته، من غياب يوسف قضية الكل صار يسأل عنه فبدل ان يلغى ذكره في الحقيقة اصبح ذكره عالياً بسبب الدمعة هذا المنهج بنفسه هو المنهج الذي خطه اهل البيت عليه الصلاة والسلام عندما شرعوا الدمعة على الحسين والبكاء عليه بل اكدوا ان من لايستطيع البكاء فليتباكى لااقل، لماذا؟ لأن هذه الدمعة ستؤدي الى ابطال المؤامرة التي كانت شبيهة لمؤامرة اخوة يوسف، اولئك قالوا يخلو لكم وجه ابيكم هؤلاء قالوا لاتبقوا لأهل البيت باقية، اهل البيت قالوا فقط ابكوا ونوحوا، البكاء ابقى ذكر اهل البيت كما ان البكاء والدمعة تعتبر اعلى درجة تضامنية مع القيم "إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً" (سورة مريم٥۸) البكاء هنا مع السجود هو اعلى درجات التضامن مع آيات الرحمن ولهذا نحن نعلن عن تضامننا، ارقى درجات التضامن مع قيم الامام الحسين عندما نبكي لأنه ارقى درجات التضامن والقبول كما اننا نسعى لأبطال المؤامرة الاموية والتي مازالت مستمرة الى الان من خلال اتباع بني امية بهذه الدمعة ليبقى ذكر الحسين جاثماً على صدر الزمن لاينقطع ابداً.
نشكر جزيل الشكر سماحة (الشيخ فيصل العوامي الباحث في الشؤون القرانية من السعودية) على هذه التوضيحات بشأن سر عظمة الثواب الجزيل الذي أعده الله عزوجل للمقربين إليه بإقامة شعائر سيد الشهداء _عليه السلام_ والمشاركة فيها.
نتابع مستمعينا الأفاضل تقديم هذه الحلقة وهي السادسة عشرة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات).
ونبقى أيها الإخوة والأخوات مع شهادات المفكرين من غير المسلمين بشأن واقعة الطف الملحمية وبالتالي انعكاساتها في الشعائر المرتبطة بها، ومنهم المستشرق البريطاني (إدوارد دي براون)، فقد تحدث عن مشاعر التأثر التي تمس كل من عرف بقصة الإمام الحسين وتضحياته _ عليه السلام _، وقال: (وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثا عن كربلاء؟ حتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها). وفي هذه الكلمة إشارة بليغة تفسر لنا عظمة آثار الشعائر الحسينية في جذب غير المسلمين إلى الدين الإلهي الحق، إذ أن هذه الشعائر تنقل للعالمين تفصيلات واقعة الطف وهي تفصيلات يكفي التدبر اليسير فيها في معرفة أحقية الإمام الحسين _عليه السلام_ وتعبيره عن القيم الإلهية السامية.لاحظوا أعزائنا ما يقوله الكاتب الإنجليزي (السير كارلوس ديكنز) وهو يجيب عن تساؤل يشكك بقدسية تضحيات الإمام الحسين _عليه السلام، قال هذا الكاتب: (إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والأطفال والصبية؟ إذن العقل يحكم أنه ضحى فقط من أجل الإسلام). ولاحظوا أيضا قول المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون) في الشأن نفسه: (لقد أخذ الحسين على عاتقه [مسؤولية] مصير الروح الإسلامية وقتل في سبيل تحقيق هذا الهدف فوق بطاح كربلاء). ولاحظوا أيضا أعزائنا المستمعين قول المستشرق الفرنسي (السير بيرسي سايكوس) في كتاب (تأريخ إيران): (إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة الحسين وصحبه جاءت بدرجة تدفع كل من سمعها إلى الثناء عليها لا إراديا...إن هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتا عاليا وخالدا لا زوال عليه إلى الأبد).
وإلى هنا ينتهي أيها الإخوة والأخوات لقاء اليوم من برنامج (الشعائر الحسينية منطقات وبركات) إستمعتم له من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران نشكر لكم جميل المتابعة ودمتم بكل خير.