محمد وآل محمد صلوات الله عليهم، ايها الاخوة الاحبة، هم حق كلهم وفي كل حالاتهم وهم مظاهر اخلاق الله تبارك وتعالى وانواره ومظاهر رحمته ورأفته، لذا نخاطبهم في زيارتهم بقولنا: (السلام عليكم ائمة المؤمنين، وسادة المتقين، وكبراء الصديقين، وامراء الصالحين، وقادة المحسنين، واعلام المهتدين، وانوار العارفين وورثة الانبياء وصفوة الاوصياء وشموس الاتقياء وبدور الخلفاء وعباد الرحمان، وشركاء القرآن، ومنهج الايمان، ومعادن الحقائق، وشفعاء الخلائق، ورحمة الله وبركاته، اشهد انكم ابواب الله ومفاتيح رحمته، ومقاليد مغفرته، وسحائب رضوانه، ومصابيح جنانه، وحملة فرقانه).
والامام الحسين صلوات ربنا عليه اخوتنا الاكارم هو احد هؤلاء الذين جعل الله عندهم امانات النبوة، وودائع الرسالة فكان له ذلك القلب الرقيق، والمقلة الساكبة وكان صاحب حنان ورأفة ودمعة وبكاء، واذا كان بكاء البعض ينم عن الاعتراض على الاقدار او السخط على القسم والمقدرون فان بكاء سيد شباب اهل الجنة كله حمد لله وشكر وكله رضى عن الله جل وعلا، وكله حب في الله تبارك وتعالى.
انه حنان سماوي صاف صادق ورأفة رحمانية شفيقة، لم يتذوق ذلك الا الاقلون، فلما ذاقوه ذابوا في الحب الحسيني حتى رفرفت ارواحهم فلم يشعروا الا انهم في الآفاق لا يعبأون بما تركوه من دنياهم، ولا يلتفتون اليه، ولا يأسون عليه، فقد اغناهم عن ذلك كله حب الحسين، كما يقول الاديب:
ادركوا بالحسين اكر عيد
فغدوا في منى الطفوف اضاحي
اخوتنا الافاضل لقد بكى الحسين بتلك الدموع المقدسة وطالما بكى في مواقف عديدة، حتى ليعجب البعض او يتعجب فان الامام الحسين عليه السلام كان راغباً هو نفسه في الشهادة والذين استشهدوا انما ضمتهم يد الرحمة الالهية، فالتحقوا بالركب النبوي الشريف بيض الوجوه والقلوب امام رسول الله صلى الله عليه وآله، اذاً ما الذي ابكى الحسين سلام الله عليه؟
مما لا يشك فيه ابداً، ولا يظن غيره قطعاً، ان الحسين لم يكن بكاؤه من جزع او عدم رضى عن قضاء الله، حاشاه، وألف حاشاه.
ولقد بكى الانبياء من قبله والاوصياء عليهم السلام، بل بكوا على مصائب الحسين حين علموا بها وسمعوها، ولقد كان بكاء سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين بكاء رقة وانسانية فياضة بالحنان والرحمة، وهو في تلك الخصال الطاهرة الشريفة، كيف لا يبكي في مصائب عظمى حلت باهل بيته واحبته، بدأت بسيد الرسل، المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وثنت بآله، فاطمة الزهراء وعلي المرتضى ثم آل علي صلوات الله عليهم فاذا كان قد حلت اعظم محن فهي تلك ونحن نأتي بعد ذلك لنخاطبهم بهذه العبارات العالية:
فهل المحن يا سادتي الا التي لزمتكم، والمصائب الا التي عمتكم، والفجائع الا التي خصتكم، والقوارع الا التي طرقتكم؟! فكيف لا يبكي الحسين ولا تجري دموعه ولا يحزن وهو يعيش ذلك كله، ثم يرى بعينيه مصارع الشهداء الاوفياء الابرار وابدانهم تقطع ارباً ارباً ويسمع صراخ الاطفال وعويل الارامل واليتامى، ويشهد غربة النساء وعن قريب يؤسرن في وحشة مريرة، لا ابداً، فالحسين سلام الله عليه وهو جبل شاهق من الصبر، هو افق ممتد من الحزن، فاضت عنه امواج البكاء وتراتيل النحيب المقدسة هذا البكاء المقدس نشهد بعض نماذجه الابتدائية في الحوار التالي الذي اجراه زميلنا مع السيد محمد الشوكي نستمع معاً:
المحاور: سماحة السيد الشوكي هنالك قضية ايضاً تميزت بها ثورة الحسين وواقعة الطف وهي قضية ان البكاء على الحسين سلام الله عليه لم يختص بطائفة دون اخرى من جميع الاديان من جميع الفئات، اشرتم في حلقة سابقة الى ان اعدائه ايضاً بكو عليه، ولكن فيما يرتبط باتباع الديانات الاخرى واثار الهداية عليهم ببركة البكاء على سيد الشهداء بشأن هذا الموضوع تفضلوا؟
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، الحقيقة ان قضية الحسين والبكاء على الحسين سلام الله عليه هي ليست قضية مسلمين وغير مسلمين شيعة وغير شيعة وانما هي قضية كونية وهذا بعد لابد ان نلتفت اليه السماوات الارض البحار بكت على الحسين سلام الله عليه كلاً بحسب نشأته وهذا ما وردت به النصوص الكثيرة جداً من اهل البيت سلام الله عليهم هذه القضية انعكست على بعض القلوب الصافية التي تملك صفاءاً يؤهلها الى ان تنشد لمصدر النور وهو الحسين سلام الله عليه اشهد انك كنت نوراًً في الاصلاب الشامخة ولهذا بعض اولئك الذين يملكون شيئاً من الصفاء في نفوسهم وشيئاً من الصلاح في نفوسهم ولا اقول يملكون الصلاح كله لان الصلاح كله لا يكون الا بالاسلام ولكن فيها جنبات خير فيها هذه النفوس فيها جنبات صلاح وصفاء هذه النفوس احبت الحسين سلام الله عليه احبته حباً كبيراً واحبت اهل البيت جميعاً ولذلك قيل لابن زينب شاعر نصراني المعروف لماذا تبكي على اهل البيت وتحب اهل البيت وتمدح اهل وانت رجل نصراني لا علاقة لك باهل هذا البيت ولا بالمسلمين فقال في بيت من ابياته:
يقولون ما بال النصارى تحبهم
واهل النهى من اعرب واعاجم
فقلت لهم اني لاحسب حبهم
سرى في قلوب الخلق حتى البهائم
فاذن فقضية القضية الحسين سلام الله عليه فهي قضية كونية رقم ثاني ان الحسين سلام الله عليه اهل لان تبكي عليه القلوب الصافية التي تملك شيئاً من النقاء والصفاء، ثالثاً قضية الحسين فيها باعث ذاتي وهذه قضية يجب ان نلتفت اليها يعني باعث ذاتي على البكاء ولذلك قال انا قتيل العبرات او العبرة كأنه العبرة شيئاً ذاتياً لمقتل الحسين سلام الله عليه ولهذا كل انسان يملك شيء من الصفاء والنقاء في روحه لا يملك الا ان يبكي على الحسين سلام الله عليه، لهذا بكى عليه الناس من الديانات الاخرى بكى عليه النصارى ذلك الرجل رسول ملك الروم، عندما رأى رأس الحسين سلام الله عليه بين يزيد ابن معاوية بكى وضم الرأس الشريف، ذلك الراهب الذي اخذ الرأس الشريف منهم واعطاهم في الدير واعطاهم دراهم لكي يعطوه له ليلة واحدة وبكى على الحسين سلام الله عليه، الان العالم في كل مكان هناك اناس لاول مرة ربما يعرفون الحسين ويبكون على الحسين فهناك تجربة اقامة حسينية باللغة الانجليزية في بعض الدول الاسلامية يحضرها الفلبينيون والصينيون والهنود وجاليات اخرى غير شيعية طبعاً، وبعضهم غير اسلاميين ليسوا من المسلمين لاول مرة عندما يسمعون بالحسين وثورة الحسين واهداف الحسين وروحية الحسين ومقتل الحسين لا يملكون عواطفهم ولا يملكون مشاعرهم، وفي مناطق متعددة من العالم هناك اناس ليسوا من المسلمين يتعاطفون مع الحسين ويعبرون عن تعاطفهم بقضايا كثيرة وبصور ومظاهر كثيرة.
المحاور: النذور معروفة في الكثير من المدن الايرانية او في لندن او في الهند كذلك قضية انه ينذر لمراسم سيد الشهداء من قبل نصارى من قبل يهود من قبل هندوس وغيرهم.
السيد محمد الشوكي: نعم الكثير من عوام الناس الذي ينجذبون بعواطفهم بل حتى من مفكري الناس بكو على الحسين انا اتذكر ان بلو السلامة عندما كتب قصيدته في الحسين سلام الله عليه يقول ولده جئت اليه فوجدت الفراش مبتلاً وكان في المستشفى مريضاً يقول ربما انه مبتلاً من شيء آخر فلما جاء والدي سألته ما هذا البلل الذي اراه على الفراش قال كنت اكتب قصيدة في الحسين سلام الله عليه، فما ملكت دموعي، اذن طبقات متعددة مفكرين علماء ادباء شعراء وناس عوام ايضاً الكل تعاطف مع الحسين سلام الله عليه لماذا؟ لان قلت ان قضية الحسين عليه السلام فيها باعث ذاتي على البكاء، البكاء على الحسين ليس شيئاً نحن نختلقه والا لو كان مما يختلق لاختلق غيرنا هذه القضية لاشخاص آخرين.
المحاور: يعني هو يفجر ايضاً من جهة ثانية سماحة السيد يمكن القول انه يفجر منابع الخير في فطرة الانسان يعني يحيي يوقد وهذا هو الذي يبرر او يفسر؟
السيد محمد الشوكي: انا ذكرت في البداية نلاحظ المغناطيس يجذب القطعة الحديدية لماذا لا القطعة الحديدية تجانسه، تسانخه بينما لا يجذب قطعة البلاستك، كذلك النفس الانسانية فيها جاذبية فيها مغناطيسية، مغناطيسية الحسين عالية جداً فكلما ما يسانخ الحسين بشيء في صفاء روحه في طيبة نفسه، عنده ذرة من اشراقة روح الحسين عليه السلام سوف ينجذب للحسين سلام الله عليه لانه هذه المغناطيسية ستشده الشيء يجذب سنخه هذه المسانخة حتى ولو كانت بسيطة فلهذا قلت من يملك شيئاً ذرة من اشراقة روح الحسين سلام الله عليه سوف ينجذب الى الحسين ويبكي على الحسين.
المحاور: رزقنا الله واياكم المزيد من البكاء على الحسين سلام الله عليه ففيه كل خير، سماحة السيد محمد الشوكي شكراً لكم.
*******
نتابع معكم مستمعينا الاكارم تقديم هذه الحلقة من برنامج الدمعة الساكبة ننقل لكم بعض صور بكاء الحسين عليه السلام على اصحابه ومنهم وهب الشاب الذي كان حديث عهد بالزواج دفعته امه للقتال بين يدي امامه الحسين، وزوجة وهب تضطرب مترددة ومتحيرة، ثم خرجت من ذلك اذ قالت ليت لي الف نفس افدي بها الحسين ثم اشترطت قائلة للامام يا ابن رسول الله، اجعلني في حرمك، وسلمني الى اهل بيتك لانال شرف خدمتهم واكون امة لهم، ويصيبني ما يصيبهم، فبكى الامام الحسين وقال لها ادخلي في حرمي، فدخلت.
لكنها لما رأت زوجها تقطع يداه اخذت عموداً واقبلت نحوه وهي تقول فداك ابي وامي، قاتل دون الطيبين حرم رسول الله، فاراد وهب ان يردها لكنها اخذت بجانب ثوبه تقول له لن اعود او اموت معك فقال الحسين جزيتم عن اهل بيتي خيراً. وهناك ام وهب واقفة بباب الخيمة تشجع ولدها، قاتل بأبي وامي دون الطيبين، لا ترجع حتى تفدي نفسك للحسين وآل الحسين.
فلما رأى الحسين ذلك بكى وقال: جزاكم الله خيراً عن اهل بيت نبيكم.
ويستشهد وهب، وتتقدم امه بعمود تقتل به رجلين، فيرجعها الحسين وهو يسمعها تقول: الهي لا تقطع رجائي فدعا لها لا يقطع الله رجاك يا ام وهب، فيأمر شمر غلاماً له ليضربها وهي منحنية على ولدها وهب تمسح الدمع عن وجهه، فيشرخ رأسها، لتقع على ولدها شهيدة، فتبكي الحسين، ويستشهد الشيخ الكبير، ذو الوجه المنير، حبيب بن مظاهر الاسدي، فيأخذ مصرعه من الحسين مأخذاً حتى بان في وجهه الانكسار، ثم قال يودعه بقلب حزين ومقلة دامعة: لله درك يا حبيب.
اجل هد مصرع حبيب حبيبه، وابكاه، فقال الحسين عليه السلام: عند الله احتسبك نفسي وحماة اصحابي، واسترجع كثيراً إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
*******