السلام على ساكن التربة الزاكية، السلام على صاحب القبة السامية، السلام على من طهره الجليل، السلام على من افتخر به جبرئيل، السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل، السلام على ساكن كربلاء، السلام على من بكته ملائكة السماء.
وبكى الامام الحسين، وحق للوجود كل الوجود ان يبكي وحزن الحسين ابن فاطمة، وتفجع وهل يقوى الكون الا يحزن ويتفجع انه ريحانة المصطفى فلذة كبد الزهراء، وروح علي المرتضى، ذلك الحسين، لم يصدر منه الا ما كان الهياً، متضمناً رحمة الباري جل وعلا، وحاكياً عن شفقة الله تعالى وحنانه وعطفه على العباد، حتى العصاة منهم، اذ لا يريد الله سبحانه بخلقه الا خيراً، ولا يحب لعباده الا هدايتهم وصلاحهم، وعافيتهم ونجاتهم وسعادتهم، وهذه الارادة الربانية العطوف ظهرت على حالات سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، فبانت عليه حزناً وبكاءاً، في صور كئيبة من التألم والتفجع، والدموع الصافية الشريفة، فمن كالحسين وقد رثى حال اعدائه وقتلته، بل وبكى عليهم لما ينتظرونه من سخط الله بقتلهم اياه! ولكن ما هو سر بكاء حتى قتلة الحسين عليه السلام هذا ما نتعرف عليه من خلال حوار زميلنا الهاتفي مع ضيف البرنامج سماحة السيد محمد الشوكي نستمع معاً:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام من الله عليكم احبائي ما تستمعون اليه اعزائنا هو برنامج الدمعة الساكبة، في هذه الفقرة التي نستضيف بها سماحة السيد محمد الشوكي، سلام عليكم سماحة السيد محمد الشوكي عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
المحاور: سماحة السيد من الظواهر المهمة التي اشتملت عليها واقعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء عليه السلام الامام الحسين عليه السلام قضية بكاء حتى قتلة الحسين عليه وعلى ما جرى له ولعياله، كيف تفسرون هذه الظاهرة؟
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه واله، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين، نحن ربما اشرنا في حلقات سابقة وفي لقاء سابق الى ان البكاء يمثل حالة فطرية في قلب الانسان وهذا البكاء ربما يكون في كثير من الاحيان خارجاً عن ارادة الانسان، قد الانسان يبكي او يتأثر او يتألم الى قضية ما خارجاً عن ارادته، يعني القضية لاتكون مقصودة ومتعمدة وانما بعض الموقف قد تهز الانسان من حيث يشعر او لايشعر فيتأثر بها، بعض المصائب بقدر من البشاعة والمأساة والاسى بحيث تهز اناس يملكون قلوباً هي اشد من الحجارة، لاحظوا بعض الاحيان انسان لايأنس بالشعر ابداً ولا يعرف معنى الشعر ولكنه يستمع الى قصيدة جميلة ولان القصيدة جميلة تهز ذلك الانسان وان كان هو في وادي اخر ليس في هذا الوادي، ليس من عشاق الشعر وما شابه ذلك، قضية الحسين سلام الله عليه ما من شك انها قضية اختزلت من الاسى واللوعة وعمق المأساة ما لا يتصوره الانسان، هذا الاسى وهذه اللوعة وهذه المأساوية في قضية الامام الحسين صلوات الله عليه تترك تأثيرها على الجميع، يعني دعنا عن اؤلئك الذين هم من اعداء الحسين، ابكت حتى بعض الاشياء التي لا عقل لها، يعني نحن نعرف ان السماء بكت دماً.
المحاور: يعني هذه في روايات من الفريقين.
السيد محمد الشوكي: نعم روايات الفريقين، ان النار فيها حجر في بيت المقدس تحت حجر عبيط، كما في بعض الاخبار الكائنات اجمع، اذن حتى تلك المفردات وتلك الانواع التي لا تملك عقلاً او شعوراً كما هو الانسان.
المحاور: يعني بدرجة شعور الانسان.
السيد محمد الشوكي: نعم الشعور موجود حتى عند الحيوانات، خصوصاً بالنسبة الى الكائنات الحية هذا الشعور واضح حتى عند الحيوان لكن ليس شعوراً واعياً كما عند الانسان، نعم فهذه المصيبة تمتلك من الاسى وتمتلك من اللوعة تأثيراً كبيراً جداً بحيث لاتقاومها حتى تلك الامور التي لاتملك اختياراً ولاتملك ارادة، فبالتالي اؤلئك الذين بكوا على الحسين سلام الله عليه هزهم الموقف هزاً عنيفاً بحيث خرجت الدموع من عينيهم ومن دون قصد ومن دون ارادة، طبعاً هؤلاء مثل عمر بن السعد خصوصاً لما اتته زينب سلام الله عليها وقالت له والحسين عليه السلام ملقى على الارض قالت له بلوعة يا عمر بن سعد وكأنها خاطبت ضميره الذي اوشك ان يموت او هو ميت والا لما اقدم على تلك الجريمة، قالت: يا عمر بن سعد ايقتل ابو عبد الله وانت تنظر اليه؟ عند ذلك ادار بوجهه كما تقول الرواية وبكى او ذلك الرجل الذي كان يسلب احدى بنات الحسين ويبكي فتقول له لماذا لا ابكي وانت بنت رسول الله قالت اذن لماذا تسلبني قال اخاف ان يسلبك غيري، فبعض الاشخاص مع انهم يعرفوا انهم ارتكبوا جرماً كبيراً اما لجهل واما لطمع كما في حالة عمر بن سعد طمعاً في ملك الري وما شابه ذلك، هم يعرفون في قرارة انفسهم انهم ارتكبوا جرماً كبيراً ومأساة كبيرة اذن القضية ترتبط بعظم المأساة، العظمة تترك اثرها على الجميع حتى على الذين قتلوا الحسين، وكفى بتلك المصيبة مصيبة تبكي حتى اولئك المجرمين الذين ارتكبوها.
*******
من عاش مع الامام الحسين عليه السلام، رآه انساناً فياضاً بالحنان والرأفة، يحب الاحسان ويسر به، ويرجوه للناس تقديماً له وانتفاعاً به، فيوم رأى غلاماً له مملوكاً عنده يعمل في بستانه، واسمه صافي يرمي بنصف رغيفه للكلب، فجلس عليه السلام مستتراً فسمعه يقول بعد ان اكل النصف الاخر من الرغيف: الحمد لله رب العالمين، اللهم اغفر لي واغفر لسيدي، وبارك له كما باركت على ابويه أي على الامام علي والزهراء برحمتك يا ارحم الراحمين.
قام الحسين فناداه: يا صافي، اجعلني في حل، لاني دخلت بستانك بغير اذنك، فقال صافي بفضلك يا سيدي وكرمك وبسؤددك تقول هذا، فقال الحسين: رأيتك ترمي بنصف الرغيف للكلب، وتأكل النصف الآخر، فما معنى ذلك؟
فقال الغلام: ان هذا الكلب ينظر اليَّ وانا آكل، فاستحيي منه يا سيدي لنظره اليَّ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الاعداء، فأنا عبدك، وهذا كلبك فأكلنا رزقك معاً.
هنا بكى الحسين اجل بكى لهذه الانسانية النبيلة، واعتق غلامه فجعله حراً، ووهب له البستان، واعطاه الفي دينار بطيبة قلب فاستعظم الغلام ذلك وقال: ان وهبت لي بستانك يا سيدي فانا قد سبلته لاصحابك وشيعتك.
أجل ان الحسين عليه السلام روح فياض بالحب والخير والرحمة، وذاك ما جعله يفيض على الفقراء والمساكين عطاءاً وكرماً وجوداً وهو يحفظ عليهم ماء وجوههم، ويفيض على المظلومين والشهداء نصرة وحناناً ودموعاً كريمة تمناها العارفون وتشرفوا بها مفتخرين.
وقد كان لقيس بن مسهر الصيداوي رضوان الله عليه مواقفه الشجاعة في وجه عبيد الله بن زياد قبل واقعة الطف، كان آخرها لما امر بلعن آل البيت على المنبر بعد ان القي القبض عليه واريد منه كشف اسماء اصحاب الحسين في الكوفة، صعد المنبر فحمد الله، وصلى على النبي، واكثر من الترحم على الامام علي وولده الابرار، ثم لعن عبيد الله بن زياد واباه وعتاة بني امية، فامر عبيد الله ان يرمى قيس من فوق القصر، فرمى به فتقطع بدنه، فلما بلغ خبره الامام الحسين استعبر باكياً، وفاضت عيناه الشريفتان عليه دموعاً زاكية، ثم دعا عليه السلام يقول: اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك انك على كل شيء قدير.
وفي احدى منازل سفره الى ارض كربلاء، وهو منزل زبالة جاء الخبر الفظيع بشهادة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، فخيم الحزن على ذلك القلب الرحيم، قلب سيد شباب اهل الجنة، الامام ابي عبد الله الحسين، فاعتصر تفجعاً، وذرفت عيناه الكريمتان دموعاً سخية حسرة على اولئك المخلصين الابرار، وقد قتلوا ظلماً، فدعي عليه السلام بالانصراف عن مسيره الى العراق، فأبى قائلاً: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي. وحين سمع بخذلان الناس له في الكوفة، وتسليم رأس مسلم وهاني الى ابن زياد، قال عليه السلام: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، واقبل على حميدة بنت مسلم وهو خالها وكان عمرها احدى عشرة سنة، فقر بها من مجلسه ومسح على رأسها، فاحست باليتم ولم تكن اخبرت بشهادة والدها، فقالت: يا عم، اظن انه استشهد والدي، فلم يتمالك الحسين عينيه حتى فاضتا، وبكى رحمة بها وقال: يا ابنتي، انا ابوك، وبناتي اخواتك فبكت وابكت من حولها:
لم يبكها عدم الوثوق بعمها
كلا ولا الوجد المبرح فيها
لكنها تبكي مخافة انها
تمسي يتيمة عمها وابيها
*******