بنفسي آل المصطفى.. كم تصرعت
على الطف شبان لهم ومشايخ!
عشية ساموهم هواناً.. فنافرت
بهم شيم الصيد الأباة البواذخ
رأوا قتلهم في العز خيراً من البقا
أذلاء في أحشائها الهون راسخ
لئن كادهم هضم الأعادي فعارها
على خاذليهم، ليس يمحوه ناسخ
وإن تركوا صرعى فكم لهم على
مقام على السبع السماوات شامخ
بنفسي ضيوفاً في فلاةٍ تجرعوا
بها غصصاً ما بينهن برازخ
فيا وقعةً لم تبل الا تجددت
وأحزانها بين الضلوع رواسخ
كستنا ثياب الحزن حتى ينضها
امام ليافوخ الضلالة فاضخ
اغثنا به اللهم وانصر به الهدى
فما غيره للجور بالعدل ناسخ
"حتى اذا الجور مدّ باعه، وسفر الظلم قناعه، ودعا الغيّ أتباعه، وأنت في حرم جدّك قاطن، وللظالمين مباين .. تنكر المنكر بقلبك ولسانك، على قدر طاقتك وامكانك، ثم اقتضاك العلم للانكار، ولزمك أن تجاهد الفجار، فسرت في أولادك وأهاليك، وشيعتك ومواليك، وصدعت بالحقّ والبينة، ودعوت الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرت باقامة الحدود، والطاعة للمعبود، ونهيت عن الخبائث والطغيان، وواجهوك بالظلم والعدوان".
اخوتنا الأعزة المؤمنين ..السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
لقد كان من بركات النهضة الحسينية الشريفة، أن انتعشت حياة الاسلام، وعاد الى المسلمين وعيهم وكرامتهم وشخصيتهم يوم أصبح الحسين عليه السلام عندهم قدوةً عليا ورمزاً شريفاً للهدى والايمان والعقيدة الحقة، فأخذوا يعون ماذا تعني الخلافة والامامة والوصاية النبوية ومن هو الأحق بها في هذه الأمة، وما هي شروطها وخصائصها وعادت الى ذاكرة التاريخ هذه العبارات الخطابية التي قالها أمير المؤمنين -عليه السلام- على مسامع الناس: "اللهم أنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا، منافسة ً في سلطان، ولالتماس شئٍ من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك".
وتذكر الناس أيها الأكارم مقولة الامام الحسين _عليه السلام_ في كتابه الى أهل البصرة: "وأنا أدعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه فان السنة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فان تسمعوا قولي أهدكم الى سبيل الرشاد".
والى أن بلغ أبوعبد الله الحسين _سلام الله عليه_ كربلاء كان يسمع منه تذكير وتنبيه وتحذير، أن الخلافة قد غصبت، وأن حكام اليوم مفسدون في الأرض فكان من كلامه في احدى خطبه: "ألاترون الى الحق لايعمل به، والى الباطل لايتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فأني لاأرى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما".
أجل .. فقد بلغ الأمر أن تكون الشهادة تعني انقاذ الاسلام وتلك سعادة، كما أصبحت تعني العزة والكرامة ورفض الظالمين أما الحياة في ظل الغاصبين، فعادت تعني الذلّ والمهانة والسكوت على الباطل، وذلك يرفضه المؤمن الأبي، ودونه بذل الأنفس، ومن هنا كان خطاب الحسين عليه السلام في مكة قبل السير الى كربلاء قوله : "ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فاني راحل مصبحاً ان شاء الله".
وهكذا أحيى سيد أهل الجنة روحية الجهاد، وبث في القلوب نخوة التضحية والشهادة، وبعث في النفوس عزيمة العز والشهامة كما أحيا سلام الله عليه وظيفة الأمر بالمعروف في أوساط الأمة، والنهي عن المنكر بمختلف الوسائل بما تناسب الأوضاع والظروف، وقد انتهت الى ان يكون النهي مرةً بالوعظ والتذكير والتحذير، ومرة ً باطلاق كلمة حق وعدل عند السلطان جائر الى أن بلغ الأمر الى حمل السلاح ومقارعة الطغاة العتاة المتمادين في الظلم والافساد.
وقد روى أبوعبد الله الحسين - عليه السلام- وهو أحق من يروي عن جده النبي المصطفى صلى الله عليه واله أنه قال: "من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعلٍ ولاقول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله"
.. أجل، وذا يزيد بن معاوية تنطبق عليه تلك خصال السلطان الجائر ومواقفه، فويل لأمة ٍ لم تأخذ على يده ولم تغير عليه! فتكون داخلة ً مدخله من سوء المأب بعد سوء المنقلب، وتعيش في حكومته ذليلة مهينة، ثم أين هي عن مثال العزةّ الايمانية، ورمز الكرامة الانسانية أبي عبد الله الحسين - صلوات الله عليه- وقد كان يصدع بقوله : "هيهات منالذلة".
وكان سلام الله عليه عالماً بمصيره، وقد أنبأ وأخبر مراراً وتكراراً أنه مقتول في كربلاء وأن الله تعالى شاء أن يراه قتيلاً ولكنه نهض واستشهد، ليحيى الدين ولينجو المسلمون فالحسين لم يطلب يوماً رئاسة أو حكماً أو ملكاً دنيوياً حاشاه، فهو أكبر من ذلك وأعشم وأسمى وأكرم، وانما كان يطلب مرضاة الله جل وعلا ولقاءه وقد أحيى القيم الالهية العليا، وأعاد للانسان كرامته وأصلح أحوال الأمة التي ذلت بين تعلقها بالدنيا وخوفها من السلطان الجائر فقام لله فرادي، ثم قام معه الأهلون والأقربون، والاصحاب المخلصون، وبعثت البصيرة في عقول الناس حتى أصبحت حجة ً عليهم بعد حجة الله الامام الحسين -عليه السلام-.
ومن هنا –اخوتنا الأفاضل –انطلقت الفتوحات الحسينية المباركة فتوحات فردية واجتماعية، وفتوحات ايمانية وتقوائية وأخرى احتجاجية وعسكرية، وفتوحات أخلاقية ونفسية وروحية، عندها فهم الناس كلمة الامام الحسين صلوات الله عليه في خطابه الشريف: "من لحق بنا منكم استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح!" يومها وقد سمعت الأمة ناعية الحسين، وبعدها تقرأ الأجيال قصة كربلاء وملحمة عاشوراء، من التحق بالحسين كان له نصيب من تلك الفتوحات الشريفة، ومن تخلف عن الحسين لم يبلغ الفتح!
وهكذا، مستمعينا الأكارم، نصل الى ختام هذه الحلقة من برنامج«الحسين داعي الله». السلام عليكم، الى اللقاء.