يا ابن النبيّ..وخير القول أصدقه
وإن لحا خابط في غيه وأبى
أنتم ولاة الورى حقّاً... وحبّكم
فرض أكيد بنصّ الذّكر قد وجبا
و أنتم فلك نوح، هالك غرقا
من حاد عنها، وينجو من بها ركبا
قد ضلّ سعي بني حرب، فما ربحت
في حربها لك إلّا الويل والحربا
ذادتك ظلما عن الحقّ الصريح كما
ذادت أخاً لك عن حقّ له وأبا
"السَّلام عليك يا أبا عبدالله، السَّلام عليك يا سيد شباب أهل الجنّة... السَّلام عليك يا من رضاه من رضى الرّحمان، وسخطه من سخط الرّحمان. السَّلام عليك يا أمين الله، وحجّة الله، وباب الله، والدّليل على الله، والدّاعي إلى الله. أشهد أنّك قد حللت حلال الله، وحرّمت حرام الله، وأقمت الصلاة، واتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة".
أيها الإخوة الأعزّة المؤمنون... السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. * لقد نزلت الآيات، وأتبعتها الروايات، توضّح وتبين معنى الإمامة والخلافة والوصاية ومعالمها وشروطها، ومن هو الإمام وما هي شروطه ومواهبه وخصائصه... حتى علم المسلمون أنّ الإمامة – كالنبوّة – تعيين إلهيّ بالنصّ، وتكليف على من يختاره الله تعالى لعباده ولياً يهدي العباد ويرشدهم إلى طاعة الله ورضوانه. وعلى مستوى التطبيق الواقعيّ، كانت هنالك حادثة كبرى دخلت حياة الإسلام والمسلمين، تلك هي (واقعة غدير خمّ)، وذلك بعد حجّة الوداع، فنزل الأمر الإلهيّ بالوحي الشريف، والخطاب القرآني المنيف: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (سورة المائده ٦۷) إذن فهنا لك أمر خطير، ومن أهميته العظمى أن نزل به وحي إلهيّ يأمر النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ أن يبلغه، وإلّا فما بلّغ رسالة الإسلام كلّها، وكأنّ الحال هو خطير أيضاً، قد استدعى أن يضمن الله جلّ وعلا لرسوله العصمة والحفظ من الناس، وكأنّ فيهم من هو مستعدّ لإحباط الأمر وإظهار الكفر. ومن هنا جدّ أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ في خطب عديدة، ومنا شدات متعدّدة، واحتجاجات عدّة، أثبت فيها لمن تكون الوصاية والخلافة، ومن هو الأحقّ بها. وكان لفاطمة الزهراء ـ صلوات الله عليها ـ مواقفها وكلماتها في هذا المجال أيضاً، ثمّ للإمام الحسن المجتبى ـ عليه السَّلام ـ كان دور آخر، وبيانات أخرى. ولكن بعد أن استحكمت وتحكمت سلطة بني أمية في الشام، جهد معاوية جهوده في تحريف معنى الإمامة والخلافة، حتّى أمات معانيها في عقول الناس، وقد بثّ فيهم عقيدة الجبر، فأقنعهم أنّ سلطته من قضاء الله، وقدر الله، وأنّ الناس مجبورون على ذلك ليس لهم أن يغيروا أو يردّوا أمر الله، أنّه خليفة الله، وأنّ أموال العباد وشؤون البلاد كلّها تعود إليه لأنّه الموكل عليها من قبل الله، وأنّه هو الذي يعين من بعده من يكون وريث خلافة الله! هكذا، حتّى آل الأمر إلى ولده الفاسق قاتل أولياء الله‼
و مرّت عقود السنين – أيها الإخوة الأكارم – فأعاد الإمام الحسين ـ عليه السَّلام ـ إلى الأذهان والأفهام، وإلى القلوب والضمائر، ما كاد أن يموت فيها، وهو مفهوم الإمامة، وعقيدة الإسلام فيها، ومعالم الخلافة وشروطها، ليصحو الناس أين هم اليوم، وكيف آلت بهم غفلتهم عن الدين حتّى أصبح يزيد أميراً للمؤمنين، وخليفة لرسول ربّ العالمين، وهو الذي عجّت مفاسده في البلاد، واشتهرت مخازيه بين العباد؟! وكيف غفت غيرة المسلمين عن أصول دينهم، حتّى انقلبت المقاييس وتشوّهت القيم ؟! وكان الأمر – وقد بلغ من الخطورة ما بلغ – أن يوضّح ويكشف أمام الأبصار والبصائر "ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينّة" ولا بدّ من صوت صادع، وخطاب هادر، يفهم المسلمين: من هو الحسين، ومن هو يزيد ؟! هكذا أصبحت عقول الناس، فقد حاول بنو أمية أن يضلّلوا عليهم فكرة الإمامة وشروطها، ومن هو الأحقّ بها... فتقّدم أبوعبدالله الحسين ـ سلام الله عليه ـ يبين ذلك ويعلم – بل وينبئ – أنّ أمره سيؤول إلى القتل، فحاكم الشام لا يتحمّل كشف مؤامرات أسرته على الإسلام. * جاء في ( تاريخ الطبري )، و(كامل ابن الأثير) أنّ الحسين ـ عليه السَّلام ـ لمّا طلب منه والي المدينة البيعة ليزيد، أجابه: "إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد رجل شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحقّ بالخلافة والبيعة". * كما جاء في (مقتل الحسين ـ عليه السَّلام) للخوارزميّ الحنفيّ، أنّ الإمام الحسين ـ سلام الله عليه ـ لمّا ألحّ مروان بن الحكم، عليه بالبيعة ليزيد قال له متأسّفاً: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السَّلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد! " ثمّ أضاف عليه السَّلام قائلاً: "ولقد سمعت جدّي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه"، ثمّ قال: "وقد رآه أهل المدينة فلم يبقروا بطنه، فابتلاهم الله بيزيد الفاسق!". ثم قال ـ عليه السَّلام ـ لمروان: إليك عنّي فإنّك رجس، وإنِّي من أهل بيت الطهارة، قد أنزل الله فينا:"...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (سورة الأحزاب۳۳) فنكس مروان، رأسه وسكت.