ما كان للأحرار إلّا قدوةٌ
بطل توُسّد في الصّفوف قتيلا
بعثته أسفار الحقائق آية
لا تقبل التفسير والتأويلا
لا زال يقرأها الزمان معظماً
في شأنها، ويزيدها ترتيلا
يدوي صداها في المسامع زاجراً
من غُلّ ضيماً، واستكان خمولا
"السَّلام عليك يا أبا عبدالله، وعلى ملائكة الله المرفرفين حول قبّتك، الحافّين بتربتك الطّائفين بعرصتك، الواردين لزيارتك. السَّلام عليك سلام العارف بحرمتك، المخلص في ولايتك، المتقرّب إلى الله بمحبتك، البريء من أعدائك". والسَّلام عليكم – إخوتنا الموالين الأعزّة – ورحمة الله وبركاته. عوداً على بدء، نذكر أنفسنا بأنّ الله تعالى أكرم أشرف مخلوقٍ له – وهو الإنسان – فقال في محكم تنزيله المجيد: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)" ( الإسراء۷۰) وبالجملة – أيها الإخوة الأكارم – فإنّ بني آدم مكرّمون بما خصّهم الله تعالى به من بين سائر الموجودات الكونية، من ذلك ما وهبهم من العقل الذي يعرفون به الحقّ من الباطل، ويميزون به الخير من الشّر، والنافع من الضّار. وقيل أيضاً: إنّ الله تعالى كرّم بني آدم بأن خلق أباهم آدم ـ عليه السَّلام ـ بيده جلّ وعلا، وأنّه عزّ وجلّ جعل محمّداً ـ صلى الله عليه وآله ـ منهم وكذا آله وأهل بيته الكرام ـ صلوات الله عليهم ـ وهذا من التشريف المعنويّ. فبنوآدم، فضّلهم الله على جميع الخلق، أوّلاً، وثانياً فضّلهم عليهم بخصائص عديدة وجليلة، منها الروح الشريفة، والعلم والمعرفة.. فقد جاء عن الإمام الباقر ـ عليه السَّلام ـ قوله: "إنّ الله لا يكرم روح كافر، ولكن يكرم أرواح المؤمنين، وإنّما كرامة الدم والنّفس بالروح، والرزق الطيب العلم ". وكذا – أيها الإخوة الأفاضل – أكرم الله تعالى بني آدم بالإرادة والاختيار، والقدرة على التغيير، وبالتولّي والتكاليف والمسؤوليات التي خصّه بها من بين المخلوقات، وتلك كرامات لم يهبها الله عزّ وجلّ لا للحيوانات، ولا للجمادات. وكلّما ارتقى الإنسان في حالاته الإيمانية والرّوحية، والتقوائية والأخلاقية، وتطهّر عن الموبقات، وتنزّه عن الذنوب والمعاصي والتلوّثات، كلّما أضفى الباري تبارك وتعالى عليه شيئاً من أنواره وهداياته، حتّى إذا بلغ مبلغاً شامخاً رفيعاً خلع عليه شيئاً من بعض صفاته الجمالية والجلالية وتلك من مختصّات الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء، حيث تتحصّل لديهم الولاية التكوينية بإذن الله جلّ وعلا، فيهبهم ملكة التغيير بمشيئته وحكمته وإرادته، كما وهب النّبي موسى ـ على نبينا وآله وعليه الصلاة والسَّلام ـ معجزة إبطال سحر سحرة فرعون، ووهب النّبي عيسى ـ على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسَّلام ـ معجزة إحياء الموتي.. ووهب رسوله ومصطفاه محمّداً ـ صلّى الله عليه وآله ـ أكثر من ذلك وأعظم، فأحيا الإنسان الذي أماتته الجاهلية المقيتة بعبادة الأوثان ووَأد البنات ومساوئ الأخلاق، وأحيا ـ صلّى الله عليه وآله ـ روح الإيمان، وعقائد التوحيد، ومكارم الأخلاق، والقيم الإنسانّية المثلي. وعلى نهج النّبي الهادي ـ صلوات الله عليه وآله ـ أيها الإخوة الأحبّة مضى أمير المؤمنين عليُّ، وأبناؤه الطيبون ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ يحييون الخير والفضيلة والإيمان والتقوى في فطرة الإنسان، ويحييون شرائع الدين في حياة المجتمع، عاملين بإرادة الله تعالى ومشيئته، وحكمته وولايته، وهو القائل في محكم آياته: "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ" ( الإنسان۳) وبهم سلام الله عليهم يهتدى إلى السبيل، والقائل عزَّ من قائل:"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " ( البلد۱۰) وهم المعرّفون للناس ماهية النّجدين، طريقَيِ الخير والشّر، وهم الآخذون بأيدي الناس إلى الخير، ومحذروهم من طريق الشرّ، وهم منقذوهم من الضّلال والهلاك، إذن فهم ـ صلوات الله عليهم ـ المصداق الأتمّ الأكمل لقوله تعالي: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" ( المائدة ۳۲). قال السيد محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره (الميزان): المراد بالإحياء ما يعدّ في عرف العقلاء إحياءً.. كإنقاذ الغريق وإطلاق الأسير، وقد عدّ الله تعالى في كلامه الهداية إلى الحق إحياءً فقال عزّ وجلّ: "أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ" (الأنعام: ۱۲۲) فمن دلّ نفساً إلى الإيمان فقد أحياها. أجل – إخوتنا الأعزّة، وذلك مستفادٌ من كلام أهل البيت النبويّ الشريف، فقد سئل الإمام أبوجعفر الباقر ـ عليه السَّلام ـ عن قول الله تعالي: "مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاًوَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" ( المائدة۳۲) فقال: "لم يقتلها، وأنجى من غرقٍ أو حرق، وأعظم من ذلك كلّه يخرجها من ضلالةٍ إلى هدى "، وفي روايةٍ أخرى قال: "من استخرجها من الكفر إلى الإيمان ". وهذا هو الذي كان من دور الأنبياء والأوصياء، ومنهم محمّدٌ وآل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ والإمام الحسين ـ سلام الله عليه ـ أحدهم، إذ أحيى الناس ومازال يحييهم إلى يومنا هذا وإلى ما يشاء الله تعالى، بأن استخرجهم بجهاده وتضحياته وشهادته من الضلالة إلى الهدى، فعرفوا الحقَّ به فاتّبعوه، وحذّرهم الباطل فاجتنبوه، وذي آثاره المباركة علينا ننعم بها في حياتنا الدنيا، ونرجو بها حسن العاقبة والمنقلب، ومرضاة الربّ.