قال مولانا ناشر السنة المحمدية النقية الامام جعفر الصادق – عليه السلام-: نظر النبي – صلى الله عليه وآله- الى الحسين بن علي – عليهما السلام- وهو مقبلٌ فأجلسه في حجره وقال: "إن لقتل الحسين حرارةٌ في قلوب المؤمنين، حرارةٌ لا تبرد أبداً".
ثم قال الامام الصادق- عليه السلام-: بأبي قتيل كل عبرة فقيل له: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ فقال- عليه السلام-: "لا يذكره مؤمنٌ الا بكى".
السلام عليكم مستمعينا الأعزاء وأهلاً بكم في لقاءٍ أخر من هذا البرنامج نسعى من خلاله للتعرف على مقامات ومنزلة مولانا سيد الشهداء- عليه السلام- من خلال التدبر فيما قاله عنه آباؤه الطاهرون وابناؤه الطيبون من أهل بيت النبوة والعصمة – صلوات الله عليهم أجمعين-. ومما قاله عنه الحديث الشريف الذي إفتتحنا به لقاء اليوم. وهذا الحديث الشريف يشتمل في الواقع على حديثين الأول هو قولٌ لرسول الله – صلى الله عليه وآله- بشأن سبطه الشهيد والثاني بيانٌ له من قبل سليله الإمام الصادق – عليه السلام-. أما قول رسول الله – صلى الله عليه وآله- فهو: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين، حرارةٌ لا تبرد أبداً. فحبيبنا المصطفى يتحدث عن حرارة مستمرة في قلوب المؤمنين لقتل الحسين – عليه السلام-، وإستخدامه – صلى الله عليه وآله- لتعبير (المؤمنين) فيه إشارة واضحة الى أن وجود هذه الحرارة بل وكونها لا تبرد أبداً في قلب إنسان يعني أن النبي الأكرم والصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى– صلى الله عليه وآله- يشهد له بأنه من المؤمنين، وهذه شهادة نبوية عزيزة يفتخربها كل مؤمن!
أعزاءنا المستمعين، إن لقتل الحسين – سلام الله عليه- حرارة تظهر في قلب كل إنسانٍ يسمع أو يقرأ عن المصاب الحسيني، فهو المصاب الأعظم الذي تهتز له فطرة كل إنسان، ولكن هذه الحرارة تكون مؤقتة في الغالب أما علامة الإيمان وعلامة كون الإنسان مؤمناً هو أن هذه الحرارة لا تبرد في قلب الإنسان أبداً، وهذه الدلالة واضحة جلية في الحديث النبوي المتقدم.
هذه الحرارة هي من جهة علامة إيمان الإنسان بالقيم الإلهية، ومن جهة ثانية فإن إستمرارها عاملٌ أساسي في تقوية وترسيخ قيم الإيمان الصادق في قلب الإنسان.
وهذا ما نتلمس توضيحه من خلال ما يقوله ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ عبد الغنى عباس – الباحث الاسلامي من السعودية)، نستمع معاً للحديث الهاتفي التالي:
الشيخ عبد الغني عباس: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو المعين والصلاة والسلام على محمد وعلى ال بيته الطاهرين
في حقيقة الامر عاشوراء وكربلاء بما اشتملت عليه من المآسي ومما جرى على الحسين وابناء الحسين يوم العاشر وبعده من الايام انما يمثل واقعاً طريقاً للعبرة والبكاء ولتجييش العاطفة بسبب ماجرى على السبط الشهيد بكربلاء ونلاحظ ان كثيراً من الروايات تركز على هذا البعد العاطفي وعلى بعد الاثارة العاطفية لعله هذه الاثارة العاطفية هي التي يمكن لها ان تكون المدخل الطبيعي والصحيح لمعرفة شيء اخر، المراد صحيح سقوط العبرة والدمعة من عين الانسان ربما يكون له اثر كثير بعد ذلك فيما يليه ونقصد فيما يليه ان العبرة هي طريق الى العبرة وان البكاء هو طريق الى الوصول والتوصل الى معرفة الاهداف التي كان يتوخاها الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لذلك نحن لايمكن لنا ان نفصل ونفكك بين الحزن والبكاء والعاطفة من ناحية وبين البحث في حقيقة الامر عن الاهداف الحسينية وعن ثقافة النهضة الحسينية المقدسة لذا ربما نلاحظ الان في واقعنا المباشر اليوم نلاحظ ان الحسين عليه السلام هو مدخل طبيعي ومدخل حقيقي الى الاسلام والى فهم الاسلام، اذا نظر الانسان اليوم لعله لن يذكر احد في التاريخ كما ذكر الحسين صلوات الله وسلامه عليه ولن ينفق على ذكره كثيراً من الاموال كما ينفق في الحسين صلوات الله وسلامه عليه حتى ونحن الان في هذه الايام ايام الكرسمس على سبيل المثال وذكرى روح الله المسيح ابن مريم على نبينا وعليه افضل الصلاة والسلام ولكن كم من الاموال تنفق بطيب نفس وبطيب خاطر من اجل ذكر الحسين صلوات الله وسلامه عليه لاشك ولاريب ان هذا الذكر هو الطريق الطبيعي من اجل الوصل الى شيء اخر، ماهو هذا الشيء الاخر؟ هذا الذي ينبغي ان نفكر فيه ملياً، نحن نقيم هذه المجالس الحسينية ونلطم على الصدور ونطعم الطعام ونلبس السواد ونقوم بكل مايرتبط بالشعائر الحسينية ولكن هذه الشعائر الحسينية ينبغي ان تكون متصلة بشيء اخر، كما جاء في الاية الشريفة " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"(سورة الحج۳۲) المراد في حقيقة الامر من شعائر الحج ومناسك الحج التوصل الى تقوى القلب وكذلك المراد من الشعائر الحسينية وذكر الحسين عليه السلام المراد حقيقة وواقعاً التوصل الى تقوى القلب ولذا اذا نظرنا الى فعل الحسين عليه السلام لاتتصورون مثلاً ان الحسين كان في ضفة والاخرون في ضفة اخرى وعبارة عن حرب عسكرية نشبت بين طرفين، المسئلة ابعد من ذلك بكثير، حينما ننظر الى الحسين عليه السلام حينما كان من المقرر ان تبدأ يوم التاسع من شهر المحرم الا انه طلب منهم ان يمهلوهم تلك الليلة، لماذا امهلهم الحسين ليلة كاملة؟ انما امهلهم من اجل الصلاة ومن اجل الاستغفار ومن اجل قراءة القرآن ومن اجل الدعاء، هذه الاهداف المقدسة ولعل اول كلمة في يوم العاشر من محرم ربما تشير الى هذا البعد الايماني حيث ان الحسين عليه السلام قبل ان يبدأ المعركة رفع يديه "اللهم انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة" يتبين لنا ان الحسين عليه السلام اوكل كل اموره الى الله تعالى هذا يعني ان الايمان حالة راسخة يجب ان نركزها في واقعنا وعند الاجيال جيمعاً". نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن يرسخون الايمان في ذواتهم ببركة الحسين صلوات الله وسلامه عليه انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير والصلاة والسلام على محمد وال بيته الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكر ضيف هذه الحلقة سماحة (الشيخ عبد الغنى عباس – الباحث الاسلامي من السعودية)، على هذه التوضيحات لآثار التفاعل الوجداني مع المصاب الحسيني في ترسيخ الإيمان في قلوب المؤمنين.
نواصل أحباءنا من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقديم البرنامج بالعودة الى الدلالات المستفادة من الحديث الشريف الذي إفتتحنا به هذا اللقاء.
وقد عرفنا مما تقدم مستمعينا الأفاضل، أن وجود حرارة مستمرة لا تبرد أبداً في قلب الإنسان دليل وعلامة على إيمانه بالقيم الإلهية والرسالة المحمدية وهذا هو ما يشهد له به الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله- من خلال قوله الصريح (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين، حرارة لا تبرد أبداً).
مولانا الإمام الصادق – عليه السلام- وبعد أن ينقل الحديث النبوي المتقدم يبين معنى ومصداق حديث جده المصطفى – صلى الله عليه وآله - قال – عليه السلام- (بأبي قتيل كل عبرة...لا يذكره مؤمن إلا بكى).
إذن، فالإمام يبين لنا- أيها الأعزاء- مصداق ومظهر هذه الحرارة لقتل الحسين – عليه السلام- في قلوب المؤمنين، فهذه الحرارة تتمظهر وتتجسد في أمرين:
الأول أن يعلم المؤمن أن الحسين- عليه السلام- قتل من أجل حفظ الإسلام لبني آدم جميعاً، فكل إنسان جدير بأن يبكي له فهو (قتيل كل عبرة) ومعرفة هذه الحقيقة تجعل المؤمن يشعر وجدانياً بعظمة فضل الله وفضل سيد الشهداء عليه، مستمعينا الأفاضل كما أن المقصود من كون الإمام الحسين – عليه السلام- هو (قتيل كل عبرة) قد يكون أن المصاب الحسيني قد إشتمل على ما يثير كل عبرة أي البكاء لشموليته لجميع مظاهر المظلومية التي عرفها ولم يعرفها التأريخ الإنساني.
أعزاءنا المستمعين أما الأمر الثاني المبين لمعنى الحرارة لقتل الحسين- عليه السلام- في قلوب المؤمنين فهو الذي يشير إليه مولانا الإمام الصادق – عليه السلام- بقوله (ما ذكره مؤمن إلا بكى) وهذا يعني أن هذه الحرارة المقدسة مستمرة تظهر بأستمرار كلما ذكر الحسين – عليه السلام-، أي كلما ذكره المؤمن وفي حال كان تأثر لذكره وتفاعل وجدانياً مع مظلوميته صلوات الله عليه-.
إنتهت أحباءنا الحلقة العشرون من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) إستمعتم لها من صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، ومسك ختامها الإستنارة بالحديث الشريف الذي إخترناه لمطلعها وهو:
قال مولانا ناشر السنة المحمدية النقية الامام جعفر الصادق – عليه السلام-:
نظر النبي – صلى الله عليه وآله- الى الحسين بن علي – عليهما السلام- وهو مقبلٌ فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارةٌ في قلوب المؤمنين، حرارةٌ لا تبرد أبداً.
ثم قال الامام الصادق- عليه السلام-: بأبي قتيل كل عبرة فقيل له: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ فقال- عليه السلام-:لا يذكره مؤمنٌ الا بكى.