قال إمامنا المجتبى لأخيه الحسين- عليهما السلام-: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً يدعون أنهم من أمة جدك فيقتلونك ويقتلون بنيك وذريتك ويسبون حريمك ويسيرون برأسك هدية الى أطراف البلاد، فأصبر يا أبا عبد الله فأنت شهيد هذه الأمة".
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله. وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
الحديث الذي استمعتم له انفاً جاء ضمن حوار بين السبطين – عليهما السلام - عندما دخل الإمام الحسين على أخيه المجتبى قبيل وفاته وقد ظهرت عليه آثار السم الذي دسه إليه الطاغية معاوية ابن أبي سفيان. وكان سيد الشهداء – عليه السلام- قد تأثر كثيراً لهذه الجريمة التي ارتكبها طاغية بنو امية ضد بكر البتول والسبط الأكبر لرسول الله – صلى الله عليه وآله-، فهي ولا شك جريمة كبرى تذيب القلوب، إذ أن فيها انتهاكا لكثير من الحرمات الإلهية المقدسة.
فالإمام المجتبى- عليه السلام- هو من أهل البيت الذين نص القرآن الكريم على أن الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، وهو من قربى الرسول الذين فرض الله مودتهم وهو من أهل العباء الذين باهل الله بهم النصارى وهو الإمام المعصوم الذي كثيراً ما أبلغ رسول الله – صلى الله عليه وآله- أمته بشدة حبه له وصرح بأنه محب لمن أحبه مبغضٌ لمن أبغضه مثلما قال بشأن أخيه الحسين- عليه السلام-.
من هنا فإن قتله بهذه الطريقة الغادرة وبمسمعٍ من المسلمين هي فاجعة عظمى تتفطر لها قلوب أهل الإيمان فكيف بقلب أخيه سيد الشهداء- عليه السلام-؟
لقد تفجرالإمام الحسين- عليه السلام- بالبكاء وجداً لمصاب أخيه المجتبى- عليه السلام- وهنا خفف عنه أخوه المجتبى وجده وخاطبه بالكلمات النورانية التي إفتتحنا بها اللقاء...وهي كلمات نورانية ذات دلالات مهمة في معرفة الملحمة الحسينية الخالدة، أولى هذه الكلمات قول السبط المحمدي الأكبر عليه السلام مخاطباً شقيقه سيد الشهداء: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".
هذه الكلمة الخالدة تشير الى خصوصية المصاب الحسيني وتصرح بأنه المصاب الأعظم الذي نزل أو ينزل بالأنبياء والأولياء على مدى التأريخ الإنساني والى يوم القيامة.
المقصود (باليوم) هنا هو الظرف الزماني لوقوع الإبتلاءات الإلهية الكبرى، والكلمة الحسينية المتقدمة مطلقة وصريحة في كون الإبتلاء والمصاب الحسيني هو الأعظم ،وكان الإمام المجتبى- عليه السلام- يريد أن يقول لأخيه سيد الشهداء –عليه السلام- مامؤداه: أنت تتفجع للمصاب الذي نزل بي لعظمة الحرمات الإلهية التي انتهكت فيه...فكيف الحال مع المصاب الذي سينزل بك وهو الأعظم؟ فحري بقلوب المؤمنين من الأولين والآخرين أن يتفجعوا لمصابك لأن الحرمات الألهية التي ستنتهك فيه أعظم وأكثر!
أيها الاخوة والأخوات وعلى ضوء ما تقدم بيانه من دلالات قول مولانا الإمام الحسن المجتبى "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"، تتضح قدسية التفجع على المصاب الحسيني وعظمة آثار البكاء عليه لأنه تفجع وبكاء من أجل إنتهاك أعظم الحرمات الإلهية...
ولذلك نلاحظ أيها الأحبة تأكيد كثير من الأحاديث الشريفة على أن دموع الباكي على الحسين- عليه السلام- تنجي من نار جهنم لأنها دموع الغيرة على المقدسات الإلهية...عن أبعاد هذا الأمر يحدثنا ضيفنا الكريم (الشيخ كميل شحرور الباحث الاسلامي من لبنان) في الإتصال الهاتفي التالي، نستمع معاً:
الشيخ كميل شحرور: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
نعم ورد في الروايات الى حد الاستفاضة، يسموها العلماء روايات مستفيضة ومعنى الروايات المستفيضة انها اكثر من ثلاثة او اربع روايات تتحدث عن الدموع الباكية على الحسين سلام الله تعالى عليه ولم تصل الى حد التواتر القطعي لكنها بمجملها تتحدث ان الباكي على الحسين يطفئ غضب الله ويطفئ نيراناً قد اشعلت في هذا المجال اما ما السر؟ السر ان الدمعة على الحسين عليه السلام معناها عاطفة جياشة تتأثر بهذا الخط وهذا النهج، اي خط؟ خط الامام سلام الله عليه الذي كان يدافع به عن الدين، اذا كان الامام الحسين قد بذل اولاده وعياله ونفسه المقدسة الشريفة في سبيل الله، الله عزوجل جعل له كرامة، جعل تحت قبته استجابة للدعاء، في تربته الشفاء هذه خصائص وايضاً من تلك الخصائص ان الدمعة عليه كرامة وتكريماً للحسين اولاً تغفر الذنوب وتقي من حر جهنم وثانياً لأن الباكي على الحسين يعني متأثر بهذا النهج ولابد ان يرجع الى طريق الاسلام العزيز والحنيف وبالتالي هذا التأثر سوف يترجم عملياً، كيف يترجم؟ يترجم عزة وكرامة ومعنى كلمة الامام "هيهات منا الذلة" نعم انها هيهات منا الذلة يعني ان تكون الصلاة والصوم والحج مقدمة لعزة الانسان. ان الذي يحني رأسه في السجود لله عزوجل انه يحني رأسه بين يدي خالقه بعزة كاملة ولايحني رأسه لغير الله اما ان تحني رأسك في الصلاة وتحني رأسك لأي حاكم ظالم فهذا خلاف ومناقض اما البكاء على الحسين فهو يطبق الاسلام حقيقة لأنه يعرف انه عندما يحني رأسه في الصلاة لله عزوجل لايحني رأسه لغير الله عزوجل وهذا السر الذي جعل في الدمعة على الحسين وهي المبايعة للحسين والمشي على خط الحسين يعني خط الاسلام العزيز، الخط الذي اراده رسول الله، خط الاسلام الذي عبر عنه رسول الله "حسين مني وانا من حسين" وان الحسين ارجع للرسالة عزتها ووجهها ومكانها وحقيقة ماجاءت بها من اهداف سامية والحمد لله رب العالمين.
نشكرضيفنا الكريم سماحة (الشيخ كميل شحرور الباحث الاسلامي من لبنان) على هذه
التوضيحات ونتابع أيها الاعزاء من صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام). ونعود أحباءنا الى حديث إمامنا المجتبى سلام الله عليه الذي بدأنا به هذا اللقاء...
وفيه عرفنا من قوله (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) أن المصاب الحسيني هو الأعظم لأن أعظم الحرمات الإلهية نوعاً، وأكثرها عدداً قد تعرضت فيه للإنتهاك على أيدي طواغيت بني أمية وأشياعهم وهم يدعون الإنتماء لأمة رسول الله – صلى الله عليه وآله- وهو جدّ الحسين عليه السلام.
من هنا نلاحظ إخوة الإيمان أن إمامنا المجتبى- عليه السلام- يبين في تتمة كلامه الجوانب الرئيسية في المصاب الحسيني والتي جعلته الأعظم...ففيه لم يقتصر الأمر على قتل الإمام الحسين- عليه السلام- صبراً وغدراً وهو سبط النبي والإمام المعصوم والرحمة الواسعة للعالم...بل ويتعدى ذلك الى قتل ذريته وبنيه وأهل بيته سعياً لإبادة العترة المحمدية التي صرح الرسول الأعظم- صلى الله عليه وآله- بأنها عدل القرآن الكريم وأوصى الأمة مراراً برعايتها ومحبتها و مودتها والتمسك بعراها المتينة للنجاة من الضلالة...
كما أن المصاب الحسيني الأعظم لم يقتصر على ذلك أيضاً بل اشتمل أيضاً على الطواف برؤوس الشهداء الأزكياء – عليهم السلام- في البلدان بمراى ومسمع من المسلمين وأعظم ذلك مااشتملت هذه الجريمة الأموية على سبي حرائر البيت المحمدي والطواف بها بحالة يدمي القلب ذكرها...
تأملوا إخوة الإيمان الإشارات لهذه الأبعاد في المصاب الحسيني في الكلام الحسيني الذي افتتحنا به لقاء اليوم من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام)...ونختم اللقاء ونودعكم بأعادة قراءة هذا الكلام النوراني شاكرين حسن الإستماع:-
قال إمامنا المجتبى لأخيه الحسين- عليهما السلام-:
لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً يدعون أنهم من أمة جدك فيقتلونك ويقتلون بنيك وذريتك ويسبون حريمك ويسيرون برأسك هدية الى أطراف البلاد، فاصبر يا أبا عبد الله فأنت شهيد هذه الأمة.